كلمة عكيفا اور في جنازة داود تركي يوم الاربعاء 11/3/09


كان داود مناضلا. لقد ناضل ضد الاضطهاد والغبن في كل مكان. ناضل ضد اضطهاد الشعب الفلسطيني وضد اضطهاد السود في جنوب افريقيا من قبل العنصريين. وكان داود يرفض تقسيم البشرية الى عرب واجانب بل اصر على قناعته بان التقسيم هو بين المضطهَدين والمضطهِدين ووقف دائما ضد القمع.

 

لقد كان داود رمزا لكرامة الشعب الفلسطيني وكان انسانا لا يمكن ان يبيع ضميره ويذهب في الطريق الذي اختاره دون خوف.

 

في عام 1951 اثناء اضراب الملاحين الاسرائيليين في حيفا جاءت الشرطة لطرد العمال من سفينة "تل ابيب" وكنت انا احد العمال المضربين في السفينة في ميناء حيفا. واذكر كيف جاء داود ليتظاهر ضد الشرطة امام باب الميناء دون ان يلتفت لكون اغلبية العمال من اليهود. فقد راى داود بان هناك غبن واجحاف بحق العمال ووقف معهم.

 

وقف داود طيلة حياته مع العمال في نضالهم في كل العالم ضد ارباب العمل ولذلك التحق بالحزب الشيوعي منذ نعومة اظفاره. عندما خيب الحزب الشيوعي اماله ترك الحزب وواصل مسيرته النضالية بطريق اخر. وبعد حرب 1967 عندما احتلت اسرائيل كل فلسطين كان داود من مؤسسي التنظيم العربي اليهودي المشترك الذي اقيم انذاك بهدف محاربة الاحتلال الصهيوني. وكان هدفه اقامة تنظيم سري مثلما الحركة السرية في جنوب افريقيا التي بادرت الى عمليات مسلحة ضد النظام ورموزه دون ان تمس بالمدنيين.

 

وقد اكتشف جهاز المخابرات الاسرائيلي اسرار التنظيم الذي اقامه داود قبل ان بدأ بعمله وتم سجن كافة اعضائه وبينهم داود الذي حكم لمدة 17 سنة. اثناء وجوده في السجن ناضل داود من اجل حقوق السجناء وكانت احدى الحالات المميزة لديه عندما تعاملت معه السجانة باللطف ورحبت به ذات الصباح ب"صباح الخير" مثلما يقول البشر في كل مكان عرف داود ان يقدر ذلك والف قصيدة لها. لا اعتقد ان هناك سجينا في العالم كتب قصيدة لسجانه.

 

افرج عن داود بموجب صفقة تبادل الاسرى "صفقة جبريل" عام 1985 وعاد داود بعد اكثر من 12 عام الى اهله وبيته في حيفا دون ان يبدي ندمه على المبادرة الثورية لاقامة التنظيم السري. الامر الوحيد الذي تاسف عليه هو فشل التنظيم في القيام بمهامه - قيادة النضال ضد قمع الشعب الفلسطيني.

 

في عام 1999 اجرى راديو حيفا المحلي مقابلات مع اناس كبار في العمر وسألهم ماذا كانت الاحداث البارزة التي عاشوها في القرن العشرين. وكان جواب اغلبيتهم ان الحدث الكبير في حياتهم كانت امور شخصية تخص عائلتهم والاخرون تحدثوا عن حرب 1948 او حرب 1967 كاهم احداث القرن. احد الاشخاص الذين تحدثوا في البرنامج قال ان الامر الاهم بالنسبة له في هذا القرن كان هبوط الانسان على وجه القمر. وعندما سأله المذيع لماذا ترى هذا الحدث كاهم حدث في القرن اجابه الشخص المذكور: "طالما لم يكن باستطاعة البشرية ان تخرج عن الكرة الارضية كان يعني ذلك باننا مسجونون في اطار قوة الجذابية. الهبوط على القمر اثبت للجميع بانه من الممكن ان نتغلب على سيطرة قوة الجاذبية والتالي اذا كان من الممكن ان يتغلب الانسان على قوة الجاذبية فيعني ذلك انه من الممكن ان يتغلب البشر على سيطرة كل قوة اخرى"

 

الشخص الذي قال هذه الجملة كان داود تركي.