بعيون دامعة وقلوب فاجعة نودع الرفيق سليم ابو الشيخ ابو عزمي الذي غيبه الموت عنا بعد صراع مرير مع المرض وفارقنا عن عمر ناهز ال87 سنة قضى معظمها بالنضال والكفاح في صفوف الحزب الشيوعي والجبهة. برحيله سيغيب عنا رفيقنا المخضرم والعزيز لكنه سيظل حاضرا في وجداننا.
عرفت الرفيق سليم ابو الشيخ سليمان ابو عزمي في مطلع الستينات مع كوكبة من الرفاق في الناصرة منهم من رحل رحلته الابدية ومنهم من امد الله في اعمارهم كانت علاقتي بالرفيق سليم ابو الشيخ ابو عزمي علاقة مميزة. فكان الرفيق كريما وشهما وصادقا ودودا ضحوكا انيس المجلس، وعندما تسلمت مهمة قيادة منطقة الناصرة للشبيبة الشيوعية كان عليَ ان اتواجد في المدينة معظم ايام الاسبوع لتنظيم العمل، ومن هناك انطلق لزيارة فروع الشبيبة في قطاع الناصرة من مقيبلة في الجنوب حتى طرعان في الشمال.
فوجئت في ظهيرة احد الايام وفي بداية مسؤوليتي وانا قابع في احدى غرف نادي الشبيبة بمنطقة السوق في المدينة، بأن طرق الباب رجل وسيم الطلعة جميل الهيئة والهندام، وابتسامة عريضة تعلو وجهه المستدير الاشقر، كانت معرفتي به سطحية عادية وقال انا الرفيق سليم ابو الشيخ، ربما لا تعرفني جيدا، اولا ابارك لك في منصبك الجديد وثانيا جئت ادعوك لتناول طعام الغداء في بيتي. استهجنت الامر فاعتذرت له وانا لم اعتد الاكل في بيوت الناس من غير بيتنا. وبعد الحاح واصراروقال يا رفيق جئت من الحارة الشرقية في هذا الصيف القائظ لا تفشلني. طغى عليّ الخجل وكان العرق يتصبب من جبينه وجسمه، نهضت ورافقته الى بيته العامر والمتواضع المكون من ثلاث غرف ومطبخ، له ولزوجته غرفة وللابناء غرفة. وغرفة اخرى جعلها حانوتا. دخلنا البيت و جلسنا، احتسينا القهوة واخذنا نتجاذب اطراف الحديث حول الشبيبة والحزب.
وعندما انتهينا من الحديث قال لي: اسمع يا رفيق عمر كان سلفك رفيقا عريقا ومخضرما الرفيق غسان حبيب (الله يرحمه) ومهمتك ستكون صعبة في قيادة الشبيبة. عليك بالجد والعمل بالعزيمة والوتيرة التي بذلها الرفيق غسان حتى تحقق النجاح. كانت وصيته النافذة التي نفذت منها للعمل والمنارة التي اضاءت لي الطريق ووضعتني امام تحدّ كبير. اطرقت قليلا عاد وتساءل مالك صفنت؟ قلت: يظهر ان الحمل وزره تقيل علًّيّ. هو ابن المدينة وانا ابن ضيعة وابن فلاح ثم تابعت الكلام فقلت: ولا يهمك انا قدها. وقبل ان اغادر بيته امسك بيدي وقال: اسمع يا رفيق عمر، هذا البيت من الآن فصاعدا سيكون بيتك ومفتوح امامك تدخله متى شئت وبامان، ثم دعا ام عزمي زوجته (الله يرحمها) وقال لها: هذا الرفيق سيكون من اليوم اخاً لي ولك و سيكون هذا البيت مأوى له وقت الاستراحة حتى لا يحشر حاله في غرف النادي.
مرت الايام وتوطدت العلاقة وتوثقت كثيرا واضحى بيته مع الايام ليس مأوى لي فحسب بل ومطعما ليس لي فقط بل وللرفيق توفيق كناعنة ايضاً عندما تسلم مسؤولية قطاع الخط واصبح الرفيق سليم اخا لنا الاثنين لم تلده امهاتنا، وقلما تجد رفيقا يحمل هذه الاريحية وفي طياته هذا الكرم الفطري. لم يكن يأوينا في النهار فقط ففي كثير من المرات في الليل عندما تتعذر المواصلات الى عرابة، كنا نعجب منه ومن زوجته المرحومة ام عزمي وهما يحشران ابناءهم الستة في زوايا غرفتهم برضا وسرور ويستقبلاننا ويقدمان لنا الواجب المطلوب، لننطلق في الصباح الى مقر الحزب لنمارس عملنا. وبقيت على هذا الحال أؤم بيته للمبيت والضيافة حتى سنة 1985 من القرن الماضي عندما انهيت عملي في الشبيبة لأتسلم مهمة سكرتير فرع الحزب في عرابة وبعدها سكرتير منطقة البطوف للحزب الشيوعي لتظل صداقتنا وفية وطيدة
طيلة الايام.
كان ابو عزمي من عشاق جريدة الاتحاد ويقوم بتوزيعها في الحارة الشرقية عندما تصل من حيفا. ويقوم بمراقبة الموزعين الآخرين كما ويهتم بجمع الاشتراكات وهو لنشاطه الجارف الدؤوب انتخب سكرتيرا لفرع الحزب في الناصرة ثم انتخب ليكون عضوا في لجنة المنطقة ثم في السكرتارية وكان عضوا في البلدية في احدى الدورات. ثم اختاره الحزب للسفر الى موسكو للدراسة الحزبية ليقضي سنة دراسية في المعهد الحزبي.
رحل ابو عزمي بعد ان المَ به المرض واقعده أكثر من سنة وفي حياته الحزبية كان نموذجا للشيوعيين في اصالته وكان امميا نقيا. مهما كتبت فلن استطيع ان اوفيه حقه. رحيله خسارة فادحة للحزب خسرنا نضاله ومشاركته في المعارك اليومية إذ كنا نشاهده في كل المعارك والمظاهرات وفي الاول من ايار وايام العمل التطوعي مؤازرة لبلدية الناصرة برئاسة القائد الملهم توفيق زياد. خسرنا مشاركته في ال30 من آذار هذه السنة في ذكرى يوم الارض الخالد وفي احياء ذكرى النكبة. هذا غيض من فيض من تاريخ ابو عزمي النضالي.
وداعا ابا عزمي
لتبقى ذكراك خالدة.
إضافة تعقيب