news-details

الأسطورة ومعتقدات الشعوب | عمر سعدي

الاسطورة كما عرّفها الباحثون هي قصة او مأثورة او حكاية تحمل سمات العصور القديمة وتفسير معتقداتهم في آلهتهم وابطالهم وخوارقهم ومعتقداتهم الدينية، ومن الاساطير عرفنا كيفية خلق الكون وجميع المخلوقات على الارض، وفي العصور الغاربة فُرضت علينا كثير من المعتقدات الخاوية لابل المضحكة وظلت طاغية على معتقدات الانسان حتى جاءت مرحلة معينة من مراحل التاريخ اصبح بطل الاسطورة انسانا بشريا بدل الآلهة بحيث اصبحت الاسطورة حكاية واكثر بساطة. لا اروم من هذه المقالة المتواضعة وفي هذه العجالة عن الاسطورة بحثا اكاديميا معمقا لا سيما وانا لست اكاديميا او باحثا متبحّرا في علم الميثولوجيا فقد اعتمدت على قراءتي لبعض كتب التاريخ وما ترسّخ عندي من المام متواضع، وكل ما ارنو اليه هو مساهمة في عرض جانب يسير للقارئ الكريم من جوانب الاساطير التي أثّرت على حياة البشر ولا زلنا نرزح تحت وطأتها شئنا ام ابينا. 

فالاسطورة شغلت ولا زالت تشغل حيّزا رحبًا من حياة الانسان لابل الشعوب وكل الشعوب، يقول العلماء والباحثون في علم الميثولوجيا عن ولادة الاسطورة، انه ومنذ نشأ الانسان على وجه البسيطة وضع جل اهتمامه لكشف حقيقة اسرار ما يدور من حوله من ظواهر الطبيعة، اشجار، ، بحار، الرعد البرق، ظاهرة الزلازل، البراكين، السماء والنجوم السابحة في السماء، ظاهرة الشمس والقمر والنهار والليل الموت والحياة وغيرها من الظواهر الاخرى العديدة، فقد بذل جهدا عظيما وهو يبحثعن حقيقة تلك الاشياء. ومع مرور الزمن وتكوين الشعوب التي اخذت تمارس حياتها، اصبح لكل شعب اساطيره الخاصة به، يقول عالم الميثولوجيا جيمس فريزر الاسكتلندي الاصل 1854 - 1941الذي اجمع الباحثون على انه هو اوّل من طرق باب الاسطورة والبحث عنها، فيقول في سياق استنتاجاته: اعتَقَدَ الانسان في البداية ان العالم بكل مظاهره المتنوعة يخضع لترابط وقوانين وقواعد معينة، واعتقد الانسان ان معرفته بتلك الترابطات وقواعدها تساعده على السيطرة على الطبيعة المحيطة به، واخضاعها لرغباته ومصلحته، فهو مثلا يستطيع استجلاب الامطار عن طريق ممارسات سحرية معينة تدفع الطبيعة قسرا للاستجابة له، كما يستطيع عن تلك الممارسات السحرية اشفاء المريض او التغلب على الاعداء وغير ذلك من الامور الحياتية.

على ان الانسان بعد تاريخ طويل مليء بالإخفاقات والمرارة في السيطرة على محيطه بعلمه الزائف السحر، اتجه في مرحلة من المراحل الى الدين يستنتج هذا العالم بان الاسطورة قد ولدت من الطقوس الدينية التي مارسها وباتت تراث الجماعة المشتركة، فبعد ممارساته الطويلة وبعد زمن طويل من ممارسة طقس معين من الطقوس، وفقدان الاتصال مع الاجيال التي اسسته راح يبدو الطقس خاويا من المعنى والسبب والغاية، فتنبع الحاجة لإعطاء تفسير له وتبرير وهنا تأتي الاسطورة لإعطاء التبرير. اما العالم مالينوفسكي البريطاني المولد 1884 /1942 الذي يعارض افكار العالم فريزر فيقول: ان الاسطورة لم تظهر استجابة لدافع المعرفة والبحث ولا علاقة لها بالطقوس او البواعث النفسية بل هي تنتمي للعالم الواقعي وتهدف الى تحقيق بنهاية عملية. فهي تُروى لترسيخ عادات وتقاليد قبلية معينة ولتدعيم سيطرة عشيرة او اسرة او نظام اجتماعي.

 كما وتطرّق العالم سيغموند فرويد النمساوي 1856- 1939 الى قضية الاسطورة وله رأيه الخاص بها وبعده خاض غمار بحر الاسطورة العديد من العلماء الذين اثروا البحث باستنتاجاتهم ومنهم من دحض رأي فريزر ومالينوفسكي وقال: الاسطورة هي حكاية مقدسة يلعب ادوارها الآلهة وانصاف الآلهة مثل اسطورة جلجامش السومرية فأحداثها ليست مصنوعة من الخيال بل وقائع حدثت في الازمنة القديمة الاولى المقدسة وانها سِجِلّاف عال الآلهة، فالاسطورة حكاية مقدسة تقليدية بمعنى انها تنتقل من جيل الى جيل بالرواية الشفهية مما يجعلها ذاكرة الجماعة التي تحفظ قيَمها وعاداتها وطقوسها وحكمتها وتنقلها للاجيال المتعاقبة لتكون القوة المسيطرة على النفوس.

وتأكيدا لما جاء من تحليل وتعقيب هناك اسطورة من بين الاساطير نالت شهرة طاغية تناقلتها الشعوب وهي اسطورة الطوفان، فبالرغم من تباعد هذه الشعوب جغرافيا ولغويا، تتكرر هذه الاسطورة عند السومريين والبابليين ومع تطور العلاقات التجارية بين اليونان وفينيقية التي وقعت تحت الحكم البابلي نجد هذه الاسطورة في ادبيات الاغريق القدامى وان كبير آلهة اليونان (زيوس) قرر تدمير الحياة على الارض فتقول الاسطورة انه ارسل طوفانا جارفا استمر تسعة ايام قضى على الناس اجمعين الا رجلا وامرأة طاف بسفينته حتى استقرت بهما على جبل (البرانيس) وقد رأى الاله (زيوس) ما حدث فسارع بإعادة الحياة على الارض من جديد فأمر الزوجين ان يقوما برمي حجارة صغيرة خلفهما فتحولت هذه الحجارة الى مخلوقات بشرية حيّة، وفي بوليفيا توجد اسطورة الطوفان ولكن بواسطة نار سماوية ارسلها الرب فقضت على جميع مظاهر الحياة عدا رجل واحد تقول الاسطورة انه لجأ الى كهف حصين ومعه عصاه وتزوّد بما يكفيه من الماء والطعام، وكان بين الفينة والاخرى يمد عصاه الطويلة من ثقب صغير من باب الكهف واذا ما وجده ساخنا كان يدرك ان النار لا زالت مستعرة.

وفي كاليفورنيا اسطورة مماثلة وفي البرازيل اسطورة عن الطوفان وعند العبرانيين ورد ذكره في التوارة في سفر التكوين (وقال الرب لنوح ادخل السفينة انت وجميع اهلك فاني اياك رأيت بارا في هذا الجيل) وفي حقبة متأخرة في الجزيرة العربية فقد ورد ذكر الطوفان في القرآن الكريم في سورة الاعراف ( وقلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين، واهلك، الا من سبق عليه القول، ومن آمن، وما آمن معه الا القليل) وفي اماكن اخرى، يقول احد الباحثين ان شيوع اساطير الطوفان او الدمار الشامل في جميع انحاء العالم تثير تساؤلات شتّى حول بواعث نشأتها تتعلق بتفسير هذا النوع من الاساطير.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تنقل لنا هذه الروايات المرعبة احداثا تاريخية وقعت حقيقة في ازمان سحيقة قبل التاريخ المكتوب وترسّخت في ذاكرة البشر. فبالرغم من جاذبية هذا الاستنتاج الا انه غير مقنع لان العلم الحديث والابحاث المتوفرة المتراكمة والدراسات الجيولوجية والاركولوجية المعمّقة لم تؤكد وقوع ذلك الحدث بتاتا.اكتسب الطوفان اهمية خاصة في ادبيات السومريين والبابليين والعبرانيين.

(عرابة)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب