news-details

الدكتورة حنان كركبي - جرايسي أول من كتب لجيل "المكاغاة" في البلاد| مفيد صيداوي

في أدب الأطفال والفتيان (3):

*هذا سبق في دنيا الأطفال وأدبهم في مجتمعنا ويستحق التقدير والدراسة*بفقدانها فقدنا أديبة وأكاديمية أعطت وكنّا على موعد للمزيد من العطاء في مجال أدب الاطفال والأدب الشعبي.

فقد أدب الاطفال والأدب الشعبي في البلاد في الثالث والعشرين من أيار 2020، واحدة من الباحثات الواعدات في مجال الأدب الشعبي وأدب الاطفال، وهي الدكتورة حنان كركبي -جرايسي، زوجة نائب ورئيس بلدية الناصرة لسنوات طويلة، المهندس والقائد الجبهوي رامز جرايسي.

تعرفت على د. حنان في مسارين الأول هو الجبهة الدمقراطية وبلدية الناصرة، ومن خلال النشاطات السياسية المتعددة، والمسار الثاني هو مسار أدب الاطفال، فقد حاضرت وكتبت في هذا الموضوع منذ العام 1994 حتى اليوم.

أهدتني الدكتورة حنان كتابها الذي أعتبره الكتاب الأول والمؤسس لأدب الطفل في عامه الأول وهو "مكاغاة – يومياتي مع أهلي في عامي الأول"، الذي صدرت الطبعة الأولى منه في العام 1994، وقد كتبت بخط يدها في حينه " تقدمة إلى الأستاذ مفيد صيداوي مع كل الاحترام والتقدير – حنان كركبي جرايسي" أخذت الكتاب وكنت أقدمه لطالباتي وطلابي في مساق أدب الأطفال في الكليات الأكاديمية التربويّة، على أنه الكتاب البكر هنا في بلادنا، وعن أهميته. ودارت الأيام وبدأت د. حنان تعلم وتحاضر في دار المعلمين العربية في حيفا (اليوم الكلية الأكاديمية العربية).

أقمنا  في كلية "أورنيم" يوما دراسيا لأمينات وأمناء المكتبات في المجتمع العربي، من خلال مساق تعليم المعلوماتية وعلم المكتبات وإدارة المعرفة في كلية "أورنيم" يوم السادس من أيار 2015، وباقتراح من كاتب هذه السطور ان تكون إحدى المحاضرات د. حنان جرايسي، في موضوع الأبحاث في أدب الأطفال العربي حول أطروحتها لشهادة الدكتوراة، كباحثة في الأدب ومحاضرة. كما جاء في الدعوة التي أحتفظ بها حتى اليوم، وكاتب هذه السطور قدم محاضرة "حول تطور أدب الأطفال العربي في إسرائيل منذ النكبة وحتى تاريخ المحاضرة ايار 2015"، وأذكر أن محاضرة الدكتورة حنان حازت على التقدير من قبل المحاضرين وأمينات المكتبات.

   ألفت الدكتورة حنان إلى جانب الكتاب آنف الذكر كتاب "ما أحلى أكلاتي"في العام 2000، وهو صادر عن مركز الطفولة، مؤسسة حضانات الناصرة أيضا وكتابها الثالث بمشاركة تغريد السيد وهو بعنوان "أنا وكتبي دليل مساعد للأهل والمربين لاختيار كتب الأطفال"، كتبت د. حنان فيه التقديم، وكذلك مادة القسم الأول الذي عالجت فيه، وهل للأطفال أدب؟ ص9، منذ الولادة وحتى جيل  الثلاث سنوات (ص12-15) وتستمر حتى ص37. وتنهي مقالها بجملة سليمة ومؤكدة في أدب الأطفال الحديث وهو العناوين النمطية حيث تقول الكاتبه: "أمّا العناوين النمطية ذات الصبغة الوصفية، والمقررة سلفا، خاصّة السلبية منها، مثال:"التلميذ الكسلان" أو "الولد المشاغب" أو "الكتكوت الكذّاب"... الخ، فهذه عناوين غير محبذة بالتأكيد، لأنها تحكم مسبقا على الطفل من خلال موقف معين، ولا تسانده في التعليم من خبراته. انها ببساطة عناوين غير عادلة (1). هذا ولم أطلع بعد على دراستها لنيل الدرجة العلمية الثالثة إلاّ من خلال محاضرتها آنفة الذكر.

وأعود الآن لكتابها الأهم في نظري وهو "المكاغاة"، وهو كتاب بكر في أدبنا المحلي للأطفال ويسد حاجة ملحة للأمهات خاصة في عصرنا الحديث، والأمهات حديثات السن.

 

الدوافع: 

لا تخفي الكاتبة  أن الدوافع الأولى لكتابة هذا الكتاب هو حاجتها لتربية طفلتيها في هذا الجيل وعدم وجود مصادر باللغة العربية، "شعور بعدم الرضى لازمني لاضطراري استعمال كتابي يوميات بلغة غير العربية لتدوين مذكراتنا مع ابنتينا في عامهن الأول، فلم استطع التحرر من الشعور بالاغتراب عن اللغة، الطقوس والطابع الغريب، ومع ذلك، فقد كان لهذه اليوميات قيمة خاصة إذ أنها وفرت إطارا شيقا جذابا وداعما لتخليد لقطات من أجمل وأهم فترة في حياة طفلتيّ وجوابا لحاجتي إلى تفريغ ما أحمل من مشاعر الأمومة وتجربتها في حلوها ومرها.

والسؤال: لماذا لا يجد أطفالنا العرب أنفسهم في هذه اليوميات؟ فمن البديهي أنهم يستحقون الرعاية والمتعة والدفء كغيرهم من أطفال العالم المحظوظين. نعم بالتأكيد نستحق ويستحق أطفالنا كل الدعم من أجل بدايات حياتية رغيدة وواعدة"(2)

إذا الدافع هو الغيرة على أبنائنا على مستقبلهم وهذا موقف هام، وقفه أكثر من كاتب في أدب الأطفال عندنا وربما ذلك يكون موضوعا لدراسة مهمة لدوافع كتابة أدب الأطفال في أدبنا المحلي؟

 

العمل الجماعي:

بشكل عام لا يميل أدباؤنا للعمل الجماعي، وأحيانا كثيرة تطغى الفردية والأنانية، ولكن د. حنان أبرزت أن هذا العمل هو جماعي ومن خلال ورشات عمل وذكرت الصعوبات في العمل الجماعي" وأكثر من كلمات شكر.. ارتكز هذا العمل على رصيد من الخبرات المتجمعة، فهو حصيلة تجربة فريدة ورائدة من العمل الجماعي. لم يكن من السهل صهر الخبرات المختلفة في بوتقة واحدة، فهو مسار شاق ومضن، يتطلب قدرة فائقة من المرونة والانفتاح والاستعداد لتقبل الرأي المختلف، مع المحافظة على خاصيّة كل رأي في موقعه الملائم.

  لست هنا بموقف الشكر فقط بل إبراز الدور الحيوي لكل واحدة، من مركز الطفولة في بناء هذا العمل"(3). أليس هذا موقفا يجب أن نتشبث به في كل أعمالنا ونشاطاتنا التي تأخذ في كثير من الأحيان الأنوية والأنا الأكبر والأكثر عقلانية أو بطولة أو كتابة من الآخرين في العديد من مجالات حياتنا؟.

 

التعاون مع المهنيين وذوي الاختصاص:

مثل التعاون مع الشاعر والزجال سعود الأسدي أطال الله عمره ومنحه الصحة والعافية، كإنسان متمكن من العامية الفلسطينية، لا ينكر عليه أحد ذلك هذا التعاون وشكره هو من ميزات الأديب المتواضع، والذي يعرف قيمة العمل الجماعي والمهني في تقليل الأخطاء والارتفاع بمستوى العمل الأدبي. الرسومات والزركشات للفنانة سيسيل كاحلي التي أضفت على النصوص جمالية خاصة. ثم الاستشارة والمرافقة لطاقم مركز الطفولة، كل هذا عندما تذكره معدة الكتاب يوضع لصالحها ولصالح أسلوب العمل الجماعي الذي يجب أن نتشبث به. وكذلك الاستعانة بالخبرات الأخرى مثل: د. مهجة كمال التي أبدت ملاحظاتها في مجال الصحة، ومنار زعبي في مجال النمو الحركي وغيرهم.

يتناول الكتاب الطفل منذ اليوم الأول من ولادته وأماكن لصوره ولاسمه (هويته)، حتى كلمات الأم الأولى عنه (عنها) والهدايا التي تلقاها الطفل، وحمّامه الأول وشجرة الأسرة (العائلة الأولى)، من أسماء جد وجدة ووالد ووالدة وأخوة وأخوات، إلى الشهر الأول حتى الشهر الثاني عشر والألعاب والأغاني التي تغنى له ورصد تطوره في كل لحظة، وليس المجال هنا للتفصيل، بل أفضل السبل هي قراءة الكتاب نفسه واستعماله خاصة لدى بناتنا اللواتي ينجبن حديثا، كتاب رائد مبني على تجربة وعلى علم ووعي بظروف شعبنا  وعلى عمل جماعي. (4)

 تحية للمرحومة د. حنان كركبي - جرايسي ولها وافر الرحمة ولأهلها ولنا الصبر وحسن العزاء.

 

إشارات:

  1. حنان جرايسي وتغريد السيد (إعداد)، (2002) أنا وكتبي،  إصدار مؤسسة حضانات الناصرة، ص37.
  2. حنان جرايسي – كركبي (1994)، مكاغاة ، إصدار مؤسسة حضانات النّاصرة ص3، الصفحات بالأصل غير مرقمة والترقيم لي لتسهيل المراجعة لمن يشاء.
  3. هناك: ص5.
  4. طبعا يمكن قراءة الكتاب من زوايا مختلفة والتأكيد على جوانب أخرى.
أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب