news-details

الشاعرة والباحثة الراحلة د. رقية زيدان

غيب الموت يوم الجمعة الثالث من أيلول، الشاعرة والباحثة المربية د. رقية زيدان من قرية يمة، صاحبة الأعمال الشعرية الإبداعية والأبحاث في أدب المقاومة خاصة.  

المرحومة من مواليد قرية "يمة" بالمثلث العام 1958، أنهت تعليمها الثانوي بمدرسة يمة الثانوية الزراعية، ثم التحقت بمعهد إعداد المعلمين في هدار عام وتخرجت في العام 1980. 

بعد ذلك عملت مدرسة للغة العربية وآدابها في قريتها، وفي الوقت نفسه أكملت دراستها الأكاديمية ونالت اللقب الأول من معهد بيت بيرل، ثم حصلت على اللقب الثاني في اللغة والأدب العربي من جامعة النجاح الوطنية في نابلس. 

بعدها انتسبت إلى جامعة القاهرة ونالت شهادة الدكتوراة عن أطروحتها " أثر الشعر اليساري في الثقافة الفلسطينية" ثم اشتغلت مدرسة للغة العربية في المدرسة الاعدادية بقريتها. 

أحبت رقية زيدان اللغة العربية بكل تفاصيلها منذ الصغر، وعشقت الكتابة وهي على مقاعد الدراسة الأولى ولقيت تشجيعًا من والدتها لمواصلة كتابة الشعر وقراءة الأدب، وكانت تعرض محاولاتها وتجاربها الشعرية على معلمي اللغة العربية، فلقيت التشجيع والدعم منهم. 

انكبت على القراءة وطورت أساليبها اللغوية والبلاغية، ودرست القرآن الكريم بكل آياته، وتعمقت بالنحو الكلاسيكي والاعراب. 

كتبت رقية النثر والشعر والمقالة والبحث الأدبي ونشرت نتاجها وكتاباتها في عدد من الصحف والمجلات الأدبية والثقافية في البلاد. وكانت في هيئة تحرير مجلة "الإصلاح" الثقافية الشهرية التي تصدر عن دار الأماني. 

من اصداراتها: "عندما ترخى السدول، دخلت حدائق أمتي، قراءة في سفر العدالة، حفيف فوق الأديم، دعيني كعباد الشمس، تفاحة آدم واحدة، تجاعيد على الخد الأملس، نجمة تضفر جديلتها، لا تقتلعيني أيتها الريح، ياسمينة تتذوق تبرعمها، والعناقيد". 

وفي مجال الدراسة لها: "وجع القصيدة ونبضها" عن الشاعر الفلسطيني راشد حسين، و"أثر الأدب الشعبي في الشعر الفلسطيني" وتتركز حول الشعراء محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، وغير ذلك. 

 وحصلت رقية على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية منها جائزة توفيق زياد. 

آمنت رقية بالأدب التقدمي، أن كان نثرًا أم شعرًا على حد سواء، ذلك الأدب الملتزم بقضايا الوطن وهمومه من أجل تقدمه ونهوضه ورقيه إلى مدارج الحضارة، والتقدم. 

ونهجت في بحثها عن الراحل راشد حسين المنهجية العلمية، واعتمدت على المنهج البنيوي والاستقراء، ابتداءً من الملاحظة، فالتجريد، فالتصنيف، فالتقعيد والتحقق من الصحّة، وحاولت قدر الإمكان الالتحام مع المعيارية والالتزام بالموضوعية، والشمول، والتماسك، من حتمية، وتجريد الثوابت، وعدم التناقض. 

تنوعت موضوعات رقية زيدان ومضامينها، وتراوحت بين الرومانسية والواقعية، فحاكت الطبيعة والحب والوجدان، وكتبت عن آلام وعذابات شعبها، وهموم الناس، وعن الوجع والجرح الفلسطيني النازف المتواصل. 

قصائدها كأنها نجوم زاهرة تشع بالروح الفلسطينية والانسانية، والأمل والتفاؤل، والحنين لكل جماليات الأشياء، وتشرق عليها شمس الحب والسلام، والتوحد مع الوطن والانسان. 

ما يميز نصوصها عفوية الطرح والأسلوب، الصور الشعرية المبتكرة، توظيف الرمز والأسطورة، اللغة الماتعة الجذابة الحسية والحية، الايقاع الذي يسري في مفاصل القصيدة، والجمال الفني. 

يقول الكاتب والناقد د. نبيه القاسم: "رقية شاعرة راقية لها بصماتها في الشعر وباحثة كتبت الدراسات المهمة، وكانت إنسانة راقية اكتسبت احترام وتقدير الجميع". 

من قصائدها اخترت هذه القصيدة بعنوان "وتكون ما أروع".

 

***

 

//وتكون ما أروع

 

د. رقيّة زيدان

 

انت عنوان الوطن 

وان تكن رحلتك في جوف العتمة 

تكون رحلتك المناخيّة في أمان 

تحلم بالمحبة وتحتضنها 

كالبحار تحتضن الخلجان 

تدمع عيناك للحرية 

تبحث عنها كالسنونو في البراري 

حتمًا ستعشقك 

وتكون ما أروعك! 

تمسح دمعة يتيم 

تبارك يدك لهفة مسكين 

تنزع آهة مريض 

تضمد جرح المتألمين 

وتمد ناظريك لعدل المظلومين 

أنت عنوان الوطن 

وتكون ما أروعك! 

تجلّى 

ستصل درجة الوجد المنتهى 

تخلّى 

عن رحلة البوح 

وإلا ستسقط كورقة خريفيّة في يد الصقيع 

تحلّى 

بالعثاكيل الإنسانيّة 

اجعل النعناع يمتد على ذراعيك ويمتد ليخضرّ أملًا 

وازرع حقل يديك سنابل 

لا قنابل 

حتمًا ستحصد المحبة بالمناجل 

وتكون أنت ما أروعك! 

أنت عنوان الوطن 

املأ عطش الورد ندى 

وأملأ عطشي أنا شذى 

تناغم! 

مع رقصة النورس البحريّ 

تلاحم! 

آزر مَن حولك 

كمؤازرة السبلات للبتلات 

وتكون ما أروعك! 

قاوم! 

جلدك، دمك، حسّك 

لا تخذل 

كن دؤوبًا كالنحلات 

وانتظر شهدك عن باب الخليّات 

في حقل يديك تكون الغلّة 

وعلى بيدر صدرك يكون الحصيد 

وتكون أنت ما أروعك! 

أنت عنوان الوطن 

أملا رئتيك بجمال الخالق 

وليكن شهيقك عبادة 

وزفيرك صلاة 

فتّش في الصخر عن منبعك 

ستجد في الأوج مصبّك 

سيهزم وردك الشوك 

ويحارب ريحانك العليّق 

اكتشف دورتك المجنّحة في التحليق 

وانتشِ 

ستأتلف وتتلاقى العثاكيل بالعناقيد 

وتكون ما أروعك! 

أنت عنوان الوطن 

عاشق تراب الوطن 

قدماك تدوس التراب 

ولكن بعطائك ترتقي السحاب 

وتحلق على كتفي غيمة 

مخترق السديم 

لتلامس اصابعك أديم السماء 

وعند تجرّدك 

ستكون هجرتي اليك 

بألوان قوس قزح 

ومطر وسميّ 

ينتظرك 

ستلاقيك الدهشة 

بالخضرة والربيع والظلال 

والأطيار والأنهار 

وتكون أنت ما أروعك! 

وأنت تحلم بالياسمينة البيضاء 

لتزهر سلامًا وحبًا وأمنًا 

لكل البشر 

وتكون ما أروعك! 

 

**

بوفاة د. رقية زيدان تفقد الحركة الأدبية والثقافية قامة أدبية وشعرية وباحثة رائدة، تركت وراءها إرثًا أدبيًا متنوعًا، فلها الرحمة، ولروحها السلام والذكرى العاطرة. 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب