news-details

القصيدة الحديثة

 

يتمُّ عادة تحليل إشكالات القصيدة عبر التّأويل الدّلالي والتّأويل اللغوي، فكلُّ عبارة أو كلمة ترتكز على عدّة معان ودلالات، توضع ضمن معجم لغوي أو ضمن نظام فكري يؤديان السِّياق الشّعري الذي أُدْرِجَتْ فيه القصيدة...

ولا يخفىعلى الدَّارس الجدّي، أنّ القصيدة هي لغة إبداع لا لغة تعبير، لكون التعبير وصفا وإعادة انتاج الموجود والمُسْتَهْلَك أحيانا... أمّا الإبداع فهو تجاوز للوصف وابتكار تتجدّد فيه آليّات الإبداع وأدواته المختلفة، من خلال وضع نظام للمفردات وخلق علاقات فيما بينها وذلك بواسطة الانفعال والتّجربة والمعرفة التي تقود وتؤدّي بالنتيجة الى التجاوز باللغة والى التّجديد والمغايرة... بهدف إعادة بناء الشّكل الشّعري بصياغة شكل خاص ومُخْترق...

وهذا ماجعل شاعرنا صلاح عبد الصَّبور يؤكد أنَّ القصيدة الحديثة "بناء مُتَدامج الأَجزاء" يجعل صياغتَهُ "وِحْدة عضويّة" كما ذهب إليه الشَّاعر عبد المعطي حجازي...

لذلك ساهمت العلاقات التي تربط عناصر القصيدة وأجزاءَها في انتاج ما يُعرف بـ"تكامل القصيدة" وبالتّحديد ما يًسمّى القصيدة الحديثة التي تعمل من خلال نُموّها، على تفجير اللغة بهدف إيجاد لغة متجاورة، خاصّة من حيث اعتمادها على الأُسطورة والرَّمز، لِتَشْكيل رُؤْيتها... من خلال اتّباع ما يُعْرف "بالتّذويت الأسطوري" وهو نوع من تجاوز الجانب الأيديولوجي الذي طغى على شعر التّفعيلة، بعيدا عن الذَّات وواقعها المعيش...

ومن الطبيعي أنْ يؤدّي هذا بالشاعر الحديث الى التّحوّل والعودة الى الذّات في علاقتها بالواقع من دون "وسيط أسطوري" ملموس، لأَنّهُ رأى بالذّات هي هي الأسطورة القادرة على الإلمام بتفاصيل هذا الكون ومن ثَمَّ نقل تحوّلاتهِ...

فشاعر القصيدة الحديثة قد تَيقَّنَ أنّ أملَهُ الوحيد هو – الحريّة – بمعناها الشّامل،وأنّ دربهُ الوحيد للوصول الى هدفه هو جَعْل الإنسان في شَتَّى أبعادهِ "المحور" الأساس الذي يقوم عليه كلّ تغيير يسعى جادًا الى بناء عالم أفضل...

ومن الضّروري ونحن بصدد الحديث عن القصيدة الجديدة، أنْ نتذكّر أقانيم الباحثة سوزان برنار الخاصة ببناء القصيدة وهي: التَّوهّج والمجّانيّة والكثافة، التي تجعل القصيدة مرجعية سرديّة مُعْتمدة ونَصّا دلاليّا بامتياز من خلال اللغة الشعريّة المكثَّفة، وحرارة التّجربة، والخيال الجامح، والصّورة الومضة والشُّحْنة العالية والاسْتعارة التي تُعتبر وتُعَدّ أرقى صُور التّعبير الإبداعيّ و و و...

وصباح الخير لشاعر زمن السُّرعة الذي لا يمكن أن يقول كثيرًا، فابتكرَ نمطا يختصر كلّ ما يمكن أن يُقال في دفقة شعريّة واحدة تنساب قصيدة صادمة للذّائقة الشِّعريّة.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب