news-details

الوطن في قصة "شباك الحرية" للأديب وهيب نديم وهبة| سهيل إبراهيم عيساوي ‏

 

قصة شباك الحرية، للأديب وهيب نديم وهبة، رسومات الفنانة منار نعيرات، ‏صدرت عن دار الهدى للطباعة والنشر كريم، عام 2020، ورق مصقول وغلاف ‏سميك، بنسختين بالعربية والإنجليزية، ترجمها للغة الإنجليزية المترجم والأديب ‏المصري حسن حجازي حسن.‏

تدور أحداث القصة في قرية وادعة، تقوم الطائرات الحربية بدكها وتسويتها ‏بالأرض، فيدب الرعب في قلوب الناس، ويأخذ الناس بالرحيل، وخاصة بعد أن ‏ألقت الطائرات الحربية مناشير، تمهلهم فقط نصف ساعة للرحيل وترك بيوتهم ‏وهجرة القرية، يستجيب أهل القرية على مضض، فارين بأرواحهم... بعد أن شاهدوا ‏بأم عيونهم كيف تهدم الأحياء وكيف يموت الناس في الطرقات وبين أكوام‎ ‎الأسمنت ‏وألواح الزينكو.‏

‏ ‏سهاد ابنة العاشرة كانت متمسكة بحديد الشباك المزركش لقد تفنن الصانع في ‏رسم كلمة حرية بحديد الشباك، وجدها المقعد يجلس على كرسيه، الجد يرفض بشكل ‏قاطع الخروج من المنزل... فقدت سهاد والديها في حرب العام المنصرم التي أخذت ‏من جدها بريق حياته. قال الجد لحفيدته سهاد: "لن نرحل يا سهاد، لن نرحل" ‏

سهاد: "أتسمع يا جدي أصوات الناس؟ القرية عن بكرة أبيها ترحل الآن..." ‏

الجد: "هم يا حفيدتي لا يعرفون معنى الوطن!"  ‏

‏    "تسقط فوق أرضية الحجرة قنبلة، تخيف أهل القرية، وتسرع في ترحالهم. الفزع ‏وحده يكتب بالنار سقوط وطن".‏

وسهاد الصغيرة ملقاة على الأرض بلا حراك تغرق بالحلم، يدخل الجنود إلى المنزل ‏يقتادون الجد في سيارة العسكر، أما سهاد تنقل بسيارة أخرى إلى مشفى الميدان في ‏سيارة عسكرية، صعدت السيارة العسكرية على لغم معد للمركبات الخفيفة، سهاد ‏انتهزت الفرصة بعد ان عمت الفوضى للهرب للبحث عن جدها المقعد، رغم الجسد ‏المتعب والمنهك سلكت طريقًا وسط الأشجار الباسقة التي تُسبح للخالق، بحثت عن ‏الماء حتى وجدته لأن الطيور كانت تحوم حوله، وجدت كوخًا وسط الغابة، يبدو ‏مهجورًا، نامت بلا حراك حتى الصباح، مع اليوم الجديد، اقبل صاحب البستان ‏والكوخ، تفاجأ بوجودها أخذت منه الأمان وقصت عليه حكايتها مع جدها وقريتها ‏التي دمرت وهجر أهلها، أخذها إلى زوجته وأسرته.‏

‏     أما الجد كان في غرفة التحقيق تحت وابل المحققين الذين أمطروه بوابل من ‏الأسئلة تتمحور لماذا لم يهرب؟ وأين ذهب أهل القرية؟ قالوا له: "أنتَ مثل الصخر ‏لا تلين" أخبره أحدهم بان حفيدته سهاد هربت، لكن الأمر جاء بحصاد وقتل جميع ‏الأسرى والسجناء والمخطوفين، للتخلص منهم.‏

‏    "أحصدوهم... بعدها يغادر العسكر المكان، غافلين أن الجذور الممتدة تحت جسد ‏الأرض، ستبعث مرة أخرى إلى الحياة، رغم أيادي الفتك والقسوة" ص 33. ‏

‏    اما سهاد فقد أصبحت ابنة العائلة، قرر الرجل إخفاء أمر مقتل جدها مع أبناء ‏القرية وغيرهم، قال الرجل: "لماذا لا تعيش على أمل الرجوع، وتحمل مع الأيام ‏حكاية ترويها لأولادها، عن بطولة جدهم الذي أخذه العسكر ولم يعد؟" ص 34.‏

‏    ينهي الكاتب قصته "وروت لي ما كان يقوله جدها: "نحن يا سهاد كنا الوطن، ‏وكان الوطن رغيف خبزنا وحياتنا، حتى جاء إلينا من يأكل خبزنا ويحرق زرعنا ‏ويقتل وطننا، وبقينا لا مع القريب ولا مع الغريب".  ‏

 

\\اللغة الإبداعية في قصة شباك الحرية:   ‏

الأديب المبدع وهيب نديم وهبة، متصالح مع اللغة العربية، إلى حد التملك ‏والسباحة بحرية في محيطها الواسع، يغوص عميقًا ويخرج إلينا بالكنوز واللؤلؤ ‏النادر، خباز ماهر يمسك بحروف اللغة العربية يعجنها جيدا ويقدم لنا أجمل وألذ ‏الكعك وأغربه، يعرف كيف يُنجب من فكره الصافي الجمل البكر، لم يكتبها من قبله ‏أديب متمرس، لوهيب وهبة لغة جبرانية خاصة، وفكر عميق ورسالة كبيرة يحاول ‏أن ينقلها إلينا عبر نتاجه.‏

استعرض بعض النماذج من الجمل الإبداعية التي استوقفتني:‏

               ‏

‏* نسور الموت تقصف (ص6)‏

‏* أصوات موسيقى الحرب (ص6) ‏

‏* الصمت سيد المكان (ص6)‏

‏* المباني الشاهقة تعانق الآن التراب (ص6) ‏

‏* حكاية الليل الموحش (ص9) ‏

‏* من جحيمها إلى جنة الأرض (ص10) ‏

‏* وقال كحد السيف قاطعا (ص11) ‏

‏* ارقص بفرح الحرية (ص12) ‏

‏* نحن جيل الحصاد وفرح الأغنية (ص12) ‏

‏* حلم يهفهف بين ثنايا الروح والقلب (ص12) ‏

‏* ويتدحرج الحلم (ص13) ‏

‏* كمثل فصل الربيع يعلن الزوال (ص14) ‏

‏* مواويل الغربة القاسية (ص14)‏

‏* طار كمثل ريشة بين أصابع الريح (ص14)‏

‏* تمثال من اللحم المقدد (ص15)  ‏

‏* والعجلات تسحل بالأسود تاريخ الرحيل (ص16) ‏

‏* يتململ الجسد (ص17)‏

‏* يلعبون بالهواء كأبطال السيرك (ص17)‏

‏* أشجار عالية تُسبح الخالق (ص19)‏

‏* راقبت كاللص حركات العصافير (ص20)‏

‏* شهقت مثل من أعادوا له روحه (ص21)‏

‏* جسدها يضحك للشمس (ص22) ‏

‏* مغازلة الشمس (ص23) ‏

‏* وكانت العتمة قد أرخت سدولها (ص23)‏

‏* اشتعلت الأفكار كالنار (ص24)‏

‏* يعانق الحلم الواقع (ص26)‏

‏* تتوهج إنسانيتنا (ص26)‏

‏* النور يهزم العتمة (ص26)‏

‏* أنت كالصخر لا تلين (ص27)‏

‏* والسؤال يتردد بين الجدران (ص27) ‏

‏* وصوتها يحمل طيب الكرم وعذوبة الثمر وأريج الصباح برائحة البراري (ص 28) ‏

‏* وكانت كل كلمة قيلت كهزة أرضية (ص29)‏

‏* يلملم جراحه الجسدية والنفسية وضربات العذاب المتكررة (ص30)‏

‏* والقتل شريعة العصر (ص32)‏

‏* الغيم الأبيض فستان عروس، وزرقة السماء جدها القادم (ص35)   ‏

 

\\الأسئلة التي يطرحها الكاتب من خلال أبطال القصة:        ‏

يطرح الكاتب وهيب وهبة العديد من الأسئلة حول الحرب والسلام، هذه  ‏الأسئلة تكشف لنا حقيقة معتقداته وعذاباته من بين هذه الأسئلة:   ‏

‏* "ماذا لو كان العالم بلا حروب، بلا قتل وعنف، بلا سرقات وخيانات ‏عهود، ماذا لو كانت المحبة هي السائدة على العالم، حتما ستكون الدنيا هي ‏الجنة." (ص 32) ‏

‏ * "لقد غيرتنا الحرب كثيرا...  ولكن، يا قادة العالم، ما ذنب الصغار؟! ما ‏ذنب الأطفال لتموت وتقتل؟! أصبحنا وطن اليتم واليتامى... وماذا بعد؟!" ‏‏(ص29) ‏

 

\\رسالة الكاتب: ‏

‏* الحروب تدمر القيم والمبادئ وتنسف الإنسانية التي ننتمي إليها. ‏

‏* في الحرب ترتكب المجازر وتدمر القرى والمدن، يقتل الأسرى لأتفه ‏الأسباب شريعة الغاب تسود بلا منازع. ‏

‏* عالم بلا حروب جنة حقيقية.  ‏

‏* القادة هم سبب كل الكوارث من خلال القرارات الخاطئة والحسابات ‏الآنية. ‏

يتحقق الوطن في قصة شباك الحرية... (تتمة من ص14)

‏* الوطن هو أغلى ما نملك، بدون الوطن، نحن مجرد أرقام تستوطن مخيم ‏في بلاد الغربة.  ‏

‏* عندما تخسر الوطن، تخسر كل شيء القريب والبعيد. ‏

‏* الأمل يجب ألا يموت في الصغار، لان الحلم يوما ما سوف

‏* في لحظة الضعف والقهر والهرب من الويلات، سوف تجد يدا ممدودة ‏تقدم لك يد العون بعناية الله.‏

‏* دعم أصحاب الإعاقة، من خلال موقف الجد الذي رفض الخنوع وترك ‏القرية، ليس لأنه مقعدا، بل لأنه صاحب رؤية ويعرف قيمة الوطن، وفي ‏غرف التحقيق كان كالصخر لا يلين، وقد قتله الجنود مع بقية الأسرى ‏والمخطوفين والمسجونين، جيله ووضعه الصحي لم يثنهم عن قتله هم ‏أرادوا قتل الصلابة والحكمة والثبات الذي جسده الجد. ‏

‏* الطفلة سهاد ابنة العاشرة، بطلة القصة، في رأيي تعمد الكاتب توظيف ‏شخصية الطفلة "الفتاة" لتحمل الرسالة والأمل بعد مقتل جدها على يد ‏العسكر وتنقل حكايته من جيل إلى جيل كي لا تموت الحكاية.‏

‏* انحاز الكاتب وهيب وهبة في قصته شباك الحرية إلى شعبه الفلسطيني ‏وإلى كل شعوب المعمورة التي تعاني من الظلم وويلات الحرب، هذه ‏القصة تصلح وتنطبق لأنه لم يحدد مكان أو زمان على كل الدول والمناطق ‏التي عانت وما زالت تعاني من ويلات الحرب وتبعياتها، في الحرب يشرد ‏الأطفال ويذوق الأطفال كأس اليتم والفقر والجوع، ويبكي الرجال وتمزق ‏قلوب النساء وتصبح خاوية تعصف بالحسرة.   ‏‎ ‎

‏* الكاتب يدعو للسلام العالمي بعيدا عن الحروب، لأن السلام وحفظ حقوق ‏الشعوب حتما سوف يمنح الفرصة للجميع للعيش الرغيد، بعيدا عن الجهل ‏والفقر والجوع والحقد والكراهية وإلغاء الآخر. ‏

‏* الحرية هي أثمن ما يملكه الإنسان "شباك الحرية" عنوان القصة يبدأ ‏الكاتب قصته من هذا الشباك وأيضا ينهي قصته من نفس الشباك، إشارة ‏إلى أهمية الحرية، فهي أساس الوجود لكن الشباك في لوحة الغلاف مغلقا ‏ربما إشارة إلى ضياع هذه الحرية في العديد من الأماكن أو إلى عدم رضا ‏الكاتب عن مفهوم الحرية إلى العديد من الشعوب أو أن أبواب الحرية ‏تضيق في هذا الكون الواسع.  ‏

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب