news-details

بانتظار الياسمين

الثقافة (الفن) هي واجهة حقيقية لأي شعب من الشعوب وهي الغذاء الروحي من اجل استكمال دورة الحياة والتطور وبطبيعة الحال هي انعكاس طبيعي وواقعي لحقيقة التطور والرقي من اجل بقاء الحضارات العريقة والتاريخ اكبر مثال على ذلك.

فالثقافة والفن بارومتر لرقي وتطور الحضارة الانسانية الروحي والفكري وترسيخ القيم والمبادئ الخالدة، وكذلك الأمر بالنسبة للمبادئ الماركسية اللينينية التي أكدت على ذلك أهمية الثقافة والفن الإبداعي، وقد تطرق لينين الى ذلك بكتاباته وذلك على حقيقة ما تنطوي على الثقافة والفن من خلق تفاعلات اجتماعية وسياسية وهي عامل مكمل للحراك السياسي ولانتفاضة الطبقات العاملة والمضطهدة من اجل التحرر من الاستغلال والظلم، ومن اجل بناء العدل والمساواة في الارض وقد قال لينين، اعطني مسرحا أعطيك ثورة، فالفن والثقافة صمام الامان في بناء الانسان الحر وفي بلورة الهوية الحضارية ودفع مسيرة الثورة والتحرر ونحو بناء مجتمع معافى، رفاهية وكرامة الانسان في سلم اولوياته.

وعلى ضوء ما تقدم نحن نستطيع تقييم المجتمعات على ضوء ما تقدمه من انجازات في حقل الانتاج الفني والثقافي فالفن الراقي الاصيل هو انعكاس لمجتمع حر اصيل.

وما أردت ان أصل آلية بهذا السياق، بأنه على الرغم مما تعرضت وما زالت تتعرض له سوريا من حملة ارهابية قذرة وحرب كونية مدمرة على مدار اكثر من 8 سنوات استهدفت كل شيء من مقدرات الدولة السورية، مسلسل من القتل والدمار والتهجير، ولكن هذه الحرب فشلت بقتل روح الانتماء الحقيقي القومي والوطني لابناء الشعب السوري الذي سطّر وما زال يسطر اسمى آليات الصمود والتصدي على ارض الواقع، ليس في هذا الوقت بل عبر مسيرة مشرفة في تاريخه السياسي والقومي في مواجهة كل الغزاة عبر التاريخ من الاستعمار التركي والفرنسي حتى هذه.

الحرب الكونية كان هدفها ولم يزل هو القضاء على العمق الحضاري والمد القومي الذي اتسمت به الارض السورية وعلى مدار اجيال متعاقبة في الصراع المرير مع الطامعين والغزاة على مختلف انتماءاتهم والتي كان هدفها القضاء على الوجود القومي والعربي الاصيل وعلى الرغم مما جرى وما زال يجري حتى الآن، الا اننا نرى بان الثقافة والفن السوريين سيدا الموقف ورغم ما تمر به البلاد من ازمة الا ان الانتاج الفني والتلفزيوني السوري والمسرحي الذي تشرف عليه الدولة، القطاع العام ما زال يقدم ابداعاته وبمختلف المحاور وعلى الاخص في تقييم وسرد احداث الوضع الحالي وخلال الازمة. وما لفت انتباهي هو مسلسل بانتظار الياسمين، الندم عابر والضباب وغيرها، جميعها تطرقت الى جوهر المأساة وما خلفته هذه الحرب المجرمة من اسقاطات على مختلف نواحي الحياة.

فالنظام السوري اعتمد بالاساس على بناء مؤسسات لادارة امور البلاد ومن ضمنها المؤسسة الثقافية التي كانت صمام الامان من اجل دعم استمرارية الصمود في مواجهة الارهاب المجرم، الذي كان يهدف القضاء على الوجود الحضاري والثقافي الاصيل وتحويل الارض السورية الى محميات اثنية وطائفية لكل منها مشغلها الخارجي واجندتها الخاصة بها.

وما لفت انتباهي من هذه الانتاجات الفنية هو مسلسل بانتظار الياسمين، الذي يشكل الواجهة الحيّة لاسقاطات هذه الحرب المدمرة وبحق، استطاع المخرج القدير سمير حسين ان يوثق هذه الاحداث من خلال مركز الحدث الدرامي وهي حديقة عامة لاحدى حارات دمشق العريقة. شكلت هذه الحديقة مركز للحدث الدرامي لانها جمعت بداخلها عشرات من العائلات السورية التي شردتها الحرب وخسرت كل شيء حتى المأوى، ووجدت بهذه الحديقة مستقرا لها ولابنائها. وفي داخل هذة الحديقة تشكل الحدث الدرامي بين شخصيات سكان هذه الحديقة والتي هم بالاساس نمط مصغر لتركيبة الشعب السوري الذين يشكلون نماذج حية لكل اطياف المجتمع السوري، وطبعا لكل عائلة من هذه العائلات المهجرة حكاية ورواية خاصة به، كانت الخاتمة لهم جميعا الوصول الى هذه المحطة والاستقرار بهذه الحديقة حتى تتبدل الحال.

وبالطبع فالحديقة تجمع كل اصناف المجتمع ولكل منهم صفاته الخاصة وعلى الأخص هذه الطبقة الانتهازية التي استغلت ظروف الحرب والتشرد من اجل تحقيق مطامع وشهوات غرائزية بعيدة عن كل القيم والانتماء الى انسانية الانسان. وقد استطاع هذا المخرج الفذ من خلال ادارته لتحريك الكاميرا والتنقل بها بين هذه النماذج المصغرة للمجتمع السوري ان يكشف عمق الازمة وفداحة الموقف وبان هذه التناقضات والصراعات الموجودة لن تستقر حتى يتغير الحال وتعود دمشق الى سابق عهدها، والجميع هنا ينتظر حتى يزهر الياسمين الدمشقي المميز والاصيل من جديد. وقد كان المخرج صادقا في تصوير الواقع الحالي وبالأخص انه اعتمد على كوكبة من نجوم الشاشة السورية المميزين في عمق واصالة الانتماء الى الوطن الحر المعافى، بالاضافة الى هذا الكم النوعي والكيفي من الانتاج التلفزيوني كذلك هو الحال في مجال السينما والمسرح.

في مجال السينما هناك هامات شامخة كجول سعيد وباسل الخطيب ونجدة انزور يحملون رسالة الفن السوري الاصيل الى كل بقاع العالم وفي مجال الانتاج المسرحي هو كذلك الامر ما هامات عمالقة الفن المسرحي السوري والعربي وكل ما ذكر من انجازات يتم ضمن اشراف وتمويل الدولة السورية التي تميزت بانها بنت مؤسسات لادارة شؤون البلاد، وطبيعة الحال المؤسسة الفنية على رأسها وهذا صمام الامان في حماية الوطن والمواطن. تحية لكل صناع المجد والشرف وهوية الانتماء الحر.

ونحن مع المخرج سمير حسين على ان الوقت قريب جدا حتى يزهر الياسمين الدمشقي الاصيل وترجع سوريا الى عزها واصلها القلب النابض لهذه الأمة المنكوبة.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب