news-details

تل اللوز.. صرخة مرتفعة في وادي الانتخابات | ناجي ظاهر

 

أطلقت مغناة "تل اللوز"، صرخةً عاليةً مدوّية في وادي الانتخابات المحلية، في بلادنا تحديدًا، ورفعت الصوت الفني الناقد لما اعتور هذه الانتخابات، منذ كانت من محسوبيات وانتهازيات، وتزييفات بعيدة عن أخلاقياتنا العربية الاصيلة التي يتغنّي بها الكثيرون ولا يعملون بها للأسف الشديد، وقدّمت بهذا صورةً محفزة للجمهور الواسع لأن يفكّر ويتخذ الموقف العملي الواعي، الواضح والجريء من قضية الانتخابات المركّبة والمعقّدة.

هذه المغناة من إنتاج جمعية كحايل الثقافية الريناوية بإدارة الناشطة الاجتماعية والسياسية السيدة المثقفة فيفيان عثامنة، يرافقها في إدارتها لها عدد من أبناء الرينة المهتمين بالشأن الثقافي، ومن إخراج منير بكري، كتابة خضر شاما، الحان، موسيقى وتوزيع كارم مطر، تمثيل وغناء كل من: ولاء سبيت، حنا برانسي، روجيه حلو، نارين فران، أنوار شرارة، قمر مناصرة، ملابس وتصميم صابرين حسّون- طافش، تدريب على الرقصات علي بكري، جنان خوري، ميساء سبيت، كرم عليان، ديكور سمير حوا، صوت واضاءة راني سعيد. هذا هو العمل الأول الكبير للجمعية مُنتِجَتُه، وقد تم عرضه الرابع مساء السبت 25 شباط 2203 في قاعة مار يوسف الفارهة في الناصرة، بحضور المئات من أبناء المدينة ومنطقتها وقف في مقدمتهم عدد وفير من المهتمين بالثقافة وأهلها، الفنانين وشُداة الفن، وسوف يتواصل عرض هذه المغناة في العديد من المدن والبلدات المنتشرة في طول البلاد وعرضها. كتابة هذه الكلمات تمّت بعد عرضها الرابع في الناصرة، ويشار أن الصور المرفقة تم التقاطها خلال هذا العرض.

نُسجّل فيما يلي عددًا من الملاحظات على هذا العمل الفني المبارك:

* النقد الاجتماعي السياسي: الجديد في هذه المغناة، الى حد بعيد، هو انها ركّزت على البُعد الاجتماعي والسياسي الناقد- ضعوا خطًّا تحت هذه الكلمة الأخيرة-، وأثارت موضوعًا مسكوتًا عنه الى حد بعيد هو موضوع الانتخابات العربية المخيلة وما يرافقها مِن مهازل تدُّل على ضحالة الواقع الاجتماعي واليومي المعيش. صحيح أن الكثيرين كتبوا ورفعوا أصواتهم ناقدين شاجبين، لهذه الظاهرة، غير أن قلة نادرة وتكاد تكون معدومة الوجود تجرأت وطرحت هذا الموضوع، وقد تجلّى هذا في تقديم نماذج متنافسة ومتنازعة للوصول إلى سُدّة رئاسة السلطة المحلية مستعملة كل الأسلحة الملوثة لتحقيق مآربها الشخصية الضيقة. ليس مُهمًّا هنا أن المغناة قدّمت الحلِّ أو لم تقدّمه، كما أرأد البعض، ففي رأيي المتواضع يكفي أنها طرحت السؤال حولها وشرّعت الأبواب كلها لمناقشة هذه الظاهرة التخلّفية تمهيدًا لنبذها والتقدم بالتالي خطوة تطورية أخرى في حياتنا الثقافية والحضارية. لقد قامت هذه المغناة بهذا، بأداء دور المسرح الناقد دائمًا وأبدًا ولهادف إلى المساهمة في التغيير والتقدم الاجتماعي متوسلة بالقفشة الذكية حينًا وبالكلمة الساخرة حينًا آخر، أما الاغنية في كثير من مواقف هذه المغناة فقد أدت دورًا في اثارة مشاهديها ولفتهم إلى مثالب قضية الانتخابات وسيئاتها وما يمكن أن تعود به من المضار على الكثيرين.. خدمةً لمصلحة القلة القليلة.. المستفيدة والمنتفعة.

*الخلايا الفنية الكامنة: كشفت هذه المغناة ما سبق وكشفته أعمال فنية سابقة وما سوف تكشفه أعمال مماثلة قادمة، عن وجود طاقات فنية متمكّنة، بدرجات متفاوتة بالطبع، وقديرة في مجتمعنا العربي، وأكدت لكل من شاهدها أننا إذا ما اعطينا هذه الطاقات الامكانية المناسبة للتعبير عن ذاتها فإنها تبدع وتقدّم ما هو جدير ومؤثّر، كما أكدت أن مجتمعنا ليس عاقرًا كما ردّد كثرٌ من المتشائمين والناظرين إلى النصف الفارغ من الكوب، وانما هو خصب وولاد، فها نحن هنا في هذا العمل نلتقي الطاقات الفنية في مختلف المجالات الفنية، سواء كانت من الجنود الفنيين المجهولين أو من أولئك الذين قاموا بالأدوار الرئيسية والثانوية، في تقدم هذه المغناة او الاوبريت كما أحب منتجوها تسميتها. يقينًا أنه توجد لدينا مواهب فنّية حقيقية ويمكنها أن تقدّم ما هو مُسلٍّ ومفيد، وتمكننا من المباهاة الحقيقية لا الكلامية فحسب، فيما يتعلّق بموقعنا من الخارطة الفنية العامة في البلاد. مختصر القول فيما يتعلّق بهذه الطاقات، هو أنها قادرة على الاعداد والتقديم الفني بأفضل ما يمكن. وعلى أكمل الوجوه أو قريبًا منها.. على الأقل، ويمكننا القول في هذا السياق أن جمعية كحايل منتجة هذا العمل، قد منحت العديدين من موهوبيها وموهوبين من مجتمعنا العربي الواسع فرصة التعبير عن الذات والقدرات. فتحية إليها والى إدارتها وأصدقائها.

*الجمهور المتفاعل: اكد الحضور الجماهيري الواسع للعرض الرابع الذي شاهدناه وتفاعلنا معه، على أنه يوجد لدينا جمهور يُحب الفن ويحترمه، وأنه بإمكاننا أن نُضاعف هذه الجمهور تمهيدًا لإيجاد ثقافة التفاعل الفنّي المرجة بشدة، وقطع المسافات الطويلة لحضور هذا النشاط الفني أو الفعالية الثقافية كما يحصل في مجتمعات أخرى قريبة وبعيدة أيضًا فيما يتعلّق في الاقبال على الحضور، المشاهدة والتفاعل مع الحياة الفنية سواء كانت عروضًا غنائية أو مسرحيات أو أفلامًا سينمائية، وهنا علينا أن نعمل كما نرى على جبهتين، إحداهما تقديم ما هو مُثير وهامّ للجمهور من وجهة نظره أيضًا، والاخرى هي أن نسعى إلى هذا الجمهور وأن نتفاعل معه وجهًا لوجه  شارحي، مُوضّحين ومقدّمين فكرةً مقنعة ومغرية لما يمكن أن يشاهده، صحيح أن العديد من المؤسسات الفنّية تنبّهت إلى أهمية تربية أبناء الجيل الصاعد على ثقافة التفاعل الثقافي مع الفن وأهله، فسعت إلى طلّاب المدارس تقدم لهم المسرحية المناسبة تلو المسرحية، وهذا ما يُفسّر التركيز في هذه الفترة على تقديم مسرحيات للأطفال والفتيان، ولكل أفراد العائلة أيضًا، غير أن هذا لا يتنافى مع المبادرات التي يقوم بها نشيطون اجتماعيون في التوجه إلى من يعنيه الامر من بعيد.. من أجل تقريبه.

همسة: بقيت ملاحظة أريد لها أن تكون همسة، أو مجرد همسة في آذان منتجي هذا العمل والقيمين على تقديمه هي أن الاستعراض الغنائي طغى أحيانًا على التصعيد الدرامي المنشود في مثل هكذا أعمال فنية، وكان أفضل بكثير لو أن المدخل إلى عالم المغناة الفني اقتصر على عدد أقل من الأغاني، يزيد في أهمية هذه الملاحظة أن الأغاني كثيرًا ما كانت في واد والهدف الفني المراد توصيله في واد آخر. وأود أن أشير هنا إلى ما سبق وألمح اليه بعض ممن شاهدوا تل اللوز وهو أنها بدت متأثرة بالأجواء اللبنانية الرحبانية تحديدًا، أكثر مما ينبغي لا سيما عندما تطرّقت إلى موضوع الهجرة التي انشغلت به مسرحيات لبنانية- مثلًا-، وكان من الأفضل لو أنها اعتمدت خطًّا فنيًا آخرَ نابعًا من سياقاتنا المجتمعية المحلية، وذلك تغذية وتعميقًا لها في إيصال رسالتها الفنية. هذه الهمسة لا تقلّل من قيمة هذا العمل المتعوب عليه جيدًا، ونرى ان اللفت اليها يعتبر أمرًا ضروريًا وهامًا من أجل توصيل رسالة هذه المغناة الهادفة إلى متلقيها كما يُفترض وعلى أقرب الوجوه من الكمال.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب