news-details

ديوان الشاعرة د. ميساء الصِّح: الأناقة التعبيرية الشعرية في «عربيّة وفاكهة الغربة»| د. منير توما

كانت الأخت الشاعرة د. ميساء الصِّح قد أصدرت مؤخرًا ديوانًا شعريًا جديدًا تحت عنوان «عربيّة وفاكهة الغربة» حيث أهدتني مشكورةً نسخة من هذا الديوان ممّا يسعدني أن أكتب تعقيبًا على ديوانها الشعري هذا في السطور اللاحقة مشيرًا الى أنَّ شاعرتنا الكريمة عربية الأَصالة، ترعرعت على المزايا النبيلة، حلوة الحديث، سليمة الطويّة، واحدة من المتميزات خلقًا وأخلاقًا. قصائدها تخاطب المشاعر والعواطف وتستحوذ على النفوس بما ترمي إليهِ من أغراض سامية ومشاعر نبيلة وأهداف وطنية ومُثُل عليا. يَتبين لنا بوضوح من خلال قراءة ديوانها وقصائدها الواردة فيه أنَّ الشاعرة ميساء الصَّح مُجيدة ومُبدعة وهي كتلة من حنين واشواق وعواطف. إِنّها شاعرة تذوب رقةً وحنانًا وعاطفةً. تتمتع بخيالٍ واسع، ونُضْج ِ عاطفةٍ، واحساس عميق، ورؤية جامعة شاملة لمختلف مواضيع المجتمع.

إنّ شاعرتنا تعبِّر عن مشاعرها وذوقها الرفيع وشخصيتها المحبّبة الى النفوس من خلال أشعارها الرقيقة حيث تنتزع الصور الجميلة، ترسمها أنامل فنّها الملونّة بأعذب ما يسكنه الخيال من ذوب ورقة وشعور. ونلمس هذهِ المعاني في قصيدة

«هذا حبيبي فاشهدوا» (ص27) وممّا جاء فيها :

هذا حبيبي فاشهدوا

جَعَلَ السنينَ كأنَّما هي ليلةٌ

كُلُّ الفصولِ كما الربيع ِ بقُرْبَهِ

متميزٌ مُتفَرِّدٌ

لا يُشبهُ الأشياءَ في حَدِّ النظرْ

هو بلسمٌ في الضيقِ يمسحُ دمعتي

هذا الذي اخترتُهُ من بينِ سُكّانِ الدُنا

كي يُكملَ الأحلامَ كي يرعى المُنى

هذا حبيبي فاشهدوا.

 

لقد ارتفعت شاعرتنا بالحبِّ الى أقصى درجات الرفعة والسمو. إنها شاعرة موفقة في أشعارها وفي قصائدها، تنشرُ الفرحَ والغبطة والحياة.

إنّها كتلة مُشرِقة من المشاعر والأحاسيس الرومانسية وفي قصيدة «تعالَ إليَّ» ذلك في قولها :

تعالَ لنرمي الحقائقَ

نشدو الخيالَ ونرفضُ أنّا

كما الناسِ نحيا

أراني نظرتُ بشُبّاكِ حُلْمٍ

أعُدُّ الثواني لتأتي إليَّ

نرفُّ كلانا بعُشِّ الطيورِ

ونقتاتُ حُبًّا وحَبًّا وماءً من النيلِ أَنأَى

وتُهدي ورودًا واهُديكَ وصلًا

صباحًا مساءً

وفي الوسطِ عَصْرًا

ووعدي إليكَ ومهما وُجِعْتُ ظَمَأتُ وجُعتُ

فإني أعيشُكَ كُلّي رضا

                                                 (ص95).

 

إنّ الألمَ قد منح شاعرتنا قدرة على الإبداع والتحليق، فهي شاعرة شفّافة ارتفعت بشعرها الى معارج النفس ومدارك الخيال، وسمو المقاصد، فكانت شاعرة مجلّية محلِّقة كطير ٍ مُبَشِّر ٍ في سماءِ الشاعرية والابداع وعزّ العطاء. إنّ شاعرتنا تنقادُ لها القوافي انقيادًا لأنّها متمكنة من اللغة العربيّة. هي شاعرة تقف بجرأة فترسل نغماتها واحزانها الذاوية كما نرى في النص التالي من قصيدة «المحكمة» (ص81) :

لا لا أُريدُ مَذَلَّةً مِن تاجر ٍ

إني الكرامةُ والشموخُ هُويَّتي

ميزانُ عَدْلِكَ عندَ ضيم ٍ مُنصِفٌ

طَمَعًا بهِ جئتُ العدالةَ بُغيَتي

هذا حبيبي أشتكيهِ بحُرقةٍ

زرعَ الجفاءَ وها ارتوى في نيَّتي

إنْ لم تكُنْ بالعَدْلِ تحكُمُ بيننا

حُكْمُ السماءِ عدالتي ومطيَّتي

 

لقد عبَّرت الشاعرة عن مشاعرها وأحاسيسها بقالبٍ شعري مُشّوِّق، صاغت فيهِ رهافة الشعور، وجمال الفن والحكمة والآمال والرغبات والحب والصدق والكون والوجود والإنسان والروح، فقصائدها غنيّة باللفظ والمعنى والجَرْس والمبنى، فيها غذاء روحي وعُمق إنساني وانصهار ذهني. ونجد كلَّ ذلك مختزَلًا في قصيدة

«وداعًا» (ص141) بنفحاتها وحضورها الأدبي المُمَيّز :

حَدِّقْ بوجهي وارتشفْ من نَظْرتي

وأروِ التَّعَطُّشَ لا تُؤجِلْهُ غدا

سافِر طويلًا في الملامح عُدَّها

فلرُبَّما لن ألتقيكَ مُجَدَّدَا.

 

وبالاستمرار في استعراضنا لديوان الشاعرة د. ميساء الصِّح، فإنّنا نجد أنها برعت في أغراض شعرية شتّى، فالشاعرة صادقة في نظمها، عربية المنزع واللسان. وقد امتازت قصائدها بالإيمان والحس والوجدان، إذ عبّرت تعبيرًا صادقًا عن إنفعالاتها واحساساتها، ونرى في شعرها الطابع التأملي والنبض الوجداني مُسَيْطِرَين على النّص بحيث تغوص الشاعرة في أسرار الحياة والموت وتحاول اكتشاف المجهول والسعي الى ما وراء الطبيعة. والنص التالي يعرض لنا قصيدة «وحدي» (ص138) التي تقول :

وحدي أُصَلِّي والقيامُ نوافلُ

وحدي أُسَلِّمُ والأنامُ تُقاتِلُ

إنّي الغريبةُ عن رتابةِ عالم ٍ

وأنا السنابلُ والزمانُ مناجِلُ

 

وبقراءتنا لقصيدة «شَرَكُ الحبيب» (ص107) نرى أنَّ شاعرتنا بعدَ أن كانت تَتَنَسَّم روح الحريّة والمحبة والانطلاق، فإنّها تستوحي من ذلك نفحات شجيّة وحروفًا مشرقة صيغت بقالب مشوِّق يتخلَّلها دفقات شعرية غنيّة بالصور والأخيلة المتألقة بالروعة والابداع والابتكار والتي تميّزت قوافيها بجَرْس وايقاع وموسيقى، وبالتالي يُدخِل البهجة الى القلوب المتعطشة الى بديع الكلام وروعة السبك وقوة المعنى والمبنى. وقد جاء في بداية هذه القصيدة :

مِنْ بَعْدِ حِرْصي بالسهامِ اصطادني

ووقعتُ في شَرَكِ الحبيب وحُبِّهِ

فَسَلُوا الذي كالإنسِ يبدو حالَهُ

كيفَ استطاعَ غوايتي في حُبِّهِ؟!

وأنا المتينَةُ لا يُفكُّ وِثاقُها

أنسابُ لينًا يبتغي مِن قُرْبِهِ!!

 

مما تقدّم، وبعد أن اطَّلَعْنا على قصائد ديوان «عربيّة وفاكهة الغربة» يمكننا القول أن الشاعرة د. ميساء الصِّح صاحبة موهبة فريدة وقصائدها ذات بُعد انساني واجتماعي ووطني، وهي صاحبة إحساس مرهف، تغوص في تلاوين مختلفة، فالخيال والإنطلاق طريقها الى انفعالٍ حاد يؤديان أيضًا إلى دقّة واصالة وشمولية. ونستطيع القول إنّ شعرَها عامر بالعاطفة والشعور، وهذا يدل على صدق إحساسها ونُبل أخلاقها وصفاتها وما عليها من حكمة وتعَقُّل دونَ زهو ٍ وتباهٍ ودعوة لنفسها، وقد تَمثّلَ ذلك في نظمها في الوصف والوجدانيات والرثاء والاجتماعيات والوطنيات والأخلاقيات بلغة متينة القافية، عامرة المعنى، نبيلة اللفظ، صادقة الوحي، بعيدة الخيال، دافئة العاطفة، وأصيلة الوجدان.

فلشاعرتنا الكريمة أجمل التهاني وأطيب التمنيات بدوام التألُّق والإبداع والمزيد من العطاء المثمر الدافق.

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ_______________________________________

 

 

 

لقاء على هامش الذَّاكِرَة

مارُون سامي عزّام

عندما تبادر إلى ذِهني عنوان "لقاء على هامش الذّاكرة"، تذكّرت لقاءً بفتاة قتلت بعفويّتها وجرأتها ساعات مللي، اجتمعتْ بي في ردهة الصدفة... لذا لجأتُ إلى متصفِّح الذِّكريات، وبدأت أتصفّح صفحاته الملوّنة بالأحداث، حتّى وجدت ذلك اللقاء الهامشي مركونًا في إحدى زوايا الزمن، يعلوه غُبار لامبالاتي. إنّي لا أدري لماذا جعلتُ من فتاة تجاوزت ممر لحظاتي دون استئذان، تخضع مجَدّدًا لإرادة ذاكرتي، التي أعادت استعراض ذلك المقطع القصير العابر، ورغم ذلك لم أعرف اسمها ولا هي عرَفَتْ اسمي، كان لقاءً خاطفًا، استفسرتْ منّي عن بعض الأمور وذهبت.

أنا لم أُوجّه مسار تفكيري نحو تبنّي نظريّة "الحب من أوّل نظرة"، لم أرغب أن أكون لحوحًا لأستدرجها، إنْ كانت على علاقة بشخصٍ ما، ولستُ من الأشخاص المتسرّعين، الذين يُبلورون صورةَ حُبٍّ من لقاءٍ عفوي، مأخوذ من مقتطفات دفتر يوميّاتي... ثُمّ لماذا أجعل من نفسي دخيلاً غير مرغوب فيه في حياتها؟!... وما أدراني بخفايا مشاعر تلك الفتاة؟!

هَمَّشَتْ تلك الفتاة أهمية تلك الدقائق العابرة، وابتعدَتْ، مع أنّي أعتبرها أجمل دقائق عُمري، لأنّها دمَغَت جمالها في ذهني. من تكون يا تُرى؟!... من أين أتتْ؟!... لماذا وجَّهتْ أسئلتها إليَّ دونًا عن الآخرين؟ لا أدري!! لربّما لمحت ظل المعرفة ينعكس منّي، فأحَبّت مخالطته؟!!... كانت أسئلتها قصيرة ومُحدّدة، لا تستدعي منّي كل هذا الاهتمام، إلاّ أنّها بالفعل مُحيّرة، لأني في البداية تحفّظتُ من تلك الفتاة، راودني شكّ أنها تبحث عن لقطة تحرّش، كي تلتقطها عدسة أنوثتها، فتثير عندها بلبلة ميدانيّة أنا في غنىً عنها!!

هطَلَت قطرات الحيرة من غمام ذاكِرَتي، وبدأت تبلّلُ مراح خيالي، فأخذ هطولها يشتدُّ كلما أمعنتُ التفكير بتفاصيل لقاء لا يستحق منّي كل هذه الهيصة التفكيريّة، لأنه كان سريع الذّوبان في كوب يومي، لكنّي أعترِف أنّه تركَ أثرًا جانبيًّا علي، واعتبَرْتُه عارضًا سلوكيًّا عابرًا لا أكثر. رغم الضجّة النفسيّة التي أثَرتها في داخلي هباءً، لكنّني لم أُدرِجها في أولويّات سلَّم تفكيري ولو لثانية واحدة... رميت عقِب سيجارِ ذلك اللقاء، في منفضة النّسيان الذي ما زال ما زال مشتعلًا، ينبعث منه دخان الماضي، واضطرَرت أن أتحمّل رائحته التي لا أطيقها، حتّى ينطفئ رويدًا رويدًا تلقائيًّا...

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب