news-details

ناس" أمل مرقس.. "خلطة" موسيقيّة جديدة من "الجاز الفلسطيني"

استطاعتْ المطربة الفلسطينية أمل مرقس، تثبيت نفسها، ليس صوتاً له حُضوره الخاص فحسب، بل صاحبةُ رؤية فنيّة، قادرةٌ على عَلك الزمكان في فمها، قبل أن ينطلقَ إلى حنجرتها ومنها، على شكل أغنياتٍ تُوائم ما بين أصالة الانتصار إلى الفنّ بتقاليده الراسخة، ومعاصرة الكلمة واللحن وتنويع طبقات الصوت انحيازاً للفرح والعمق، وللتلوينات الجديدة في عالم رقمي يستقبل فيه اليوم، المليارات من أصحاب الآذان والهواتف النقالة، آلاف الأغنيات بلغات عدة يومياً، ما من شأنه أن يجعلها ذاتَ روح موسيقية متجددة، وهو ما انعكس، في أغنيتها الجديدة "ناس"، وأطلقتها مساء أمس، من كلمات وتوزيع وألحان ابنها فراس زريق، الذي نجح بشكلٍ كبيرٍ على مستوى الموسيقى، وبدرجة أقل على مستوى الكلمة، التي كان يمكن أن تلامس الجدّة (من التجديد والجدية)، بشكل أكثر عمقاً، حتى عند محاولة التعبير "الحداثي" أو ما بعد "الحداثي" عن العشق المتجدد والمتدفق فينا، وتحديداً في الربع الأخير من العام 2020، عام تدشين العصر "الكورونيالي"، فالكلمة لم ترق للصوت المحافظ على رشاقته وعبقريته، كما حال الموسيقى إلى درجة كبيرة، فمرقس حملت الأغنية، وليس العكس، وكأنها "حدود تضيق عليّ"، أو عليها، لكنها تبقى أغنية مختلفة، مع فتح التأويلات على مفهوم الاختلاف.

 وقالت مرقس: لا يزال الوقت مبكراً كي نقول عن الأغنية إنها مختلفةٌ أو علامةٌ فارقةٌ.. "ناس" أغنيةٌ خاصةٌ جداً برأيي.. ولا تُشْبِهُ أغانيَ أخرى، ولا تُقَلِّدُ مغنّيات "جاز" عالميات.

وأضافت: صحيحٌ أن "الهارمونيا" من أسلوب الجاز إلا أنها جديدةٌ وبأسلوبٌ خاصّ من فراس.. أصيلة، "ستايل جديد" ومُمَيَّز، و"هارمونيا" غير تقليدية، في الوقت ذاته.. تستطيع تسميتها جاز فلسطيني أو "بالد" (Balad) فلسطيني، حيث سَخَّرَ الملحِّنُ الآلاتِ الغربيةَ والهارمونيا لخدمة النَّصِّ العربيِّ دون انتقاصٍ أو انتزاعٍ لأصالة الهارمونيا أو أصالة الكلام.

 وتابعت مرقس حديثها عن موسيقى "ناس": الهارموني من الجاز؛ لكنَّهُ غير التقليدي. هو غناءُ وصوتُ وأسلوبُ "أمل" نفسها؛ لكن بنوعٍ موسيقيٍّ مُغايرٍ. الذي سيحكم إن كانت مختلفةً أو علامةً فارقةً هو جمهور المستمعين والمتابعين لأغنياتي ولمشروعي الفني الثقافي، علماً أن ألبوم أمل الأول وأغنية "رسالته الأخيرة" تحمل هذا النوع من الأجواء.

 

وردة جديدة في مشوار أغنياتي

وشدّدت: عندما عمِلْنا على الأغنية لم نفكر أننا نريد أن نُحْدِثَ علامةً فارقةً أو مختلفةً في مسيرتي، نحن نعيش الموسيقى والشِّعر، ونحب أن نُنْتِجَ -أكثر ما يكون- أغانيَ ومقطوعاتٍ موسيقيةً أصيلةً وجديدةً.

 ووصف مرقس الأغنية بأنها "وردةٌ جديدةٌ إضافيةٌ أو شجرةٌ نضِرَةٌ في مشوار أغنياتي، زرَعَها ابني الغالي الموسيقي فراس زريق، عُمْرُ فراس (24 عاماً)، وفراس عازفُ قانون وملحنٌ وكاتبُ كلماتٍ وموزعٌ. أنجَزَ دراسَتَهُ في بيركلي بوسطن بالعزف  (Performance)، وبالتلحين والتوزيع والجاز المعاصر.

 وتابعت: دخلتُ إلى أغنية فراس أو هو أدخلني إليها، فأسَرَتْني منذ الاستماع الأول عندما عزَفَها لي أول مرةٍ وردَّدَ كلماتِها الدافئة بجانب البيانو.. شعرتُ فوراً أن اللحن دخَلَ قلبي وأنني أرغب في غنائها، وشعرتُ بشيءٍ مُغايرٍ ومحفِّزٍ للحواس وجديد. تردَّدْتُ قليلاً من بعض الكلمات؛ لكن سرعان ما تأقلَمْتُ معها لأنني وجدتُها تَصِفُ الواقعَ ببساطةٍ وعمق.

 

اختلاف.. ربّما

"ربما الاختلاف يكمُنُ بالنَّصِ المباشر والكلام الوجودي العاطفي والذي ينزع للتهكُّم أحياناً، وأيضاً أقل طرحٍ أنَّهُ سيكون على ما يُرام وسننتصر (مع أنني مؤمنةٌ بذلك). وإنما الكلمات تصف حالةً ومشاعرَ وأفكاراً مناقضةً للعلاقات التي نحياها بالزمن المعاصر، عن الهروب من مواجهة الهَمّ الأساسيّ وإزاحة النظر عنه".

بالنسبة لِلَّحن وأسلوب الأغنية؛ ووفق مرقس، فهو من مدرسة الجاز المعاصر، وتُرافِقُ الغناء بتوزيع فراس؛ آلات: البيانو الكونتراباس والدرامز والساكسفون.. هذا نمَطٌ دَرَسْتُهُ في معهد المسرح، وغنَّيْتُهُ كمادةٍ كلاسيكيةٍ فنّيَّةٍ مُهِمٌ للفنان أن يتعلَّمَها ويعرفها.

 واعترفتْ مرقس: أُحِبُّ موسيقى الجاز وأستمع كثيراً لمغنّيات ومغنييّ وعازفي الجاز؛ لأنني أشعر أنهم شفافّون وواضحةٌ مشاعرهم وشغفهم وقت الغناء، ولديهم شخصيةٌ واضحةٌ بالغناء، وحريّةُ تصرُّفٍ جسديٍّ وموسيقيٍّ جريئةٌ ومتصلةٌ بالجذور عميقاً. هذا الأسلوب الذي يميل للارتجال والطرب -نعم الطرب- موجودٌ بالجاز، مضيفة: أنضج مع السنين، والنضوجُ ينعكِسُ بانفتاحي الفنّيّ وبمرونة أدائي وتقبُّلي لأفكارٍ جديدةٍ، ورغبتي في أن أُعَبِّرَ عن نفسي بأي نمطٍ يُناسِبُني. أتمنَّى أن يشْعُرَ المستمعون مشاعرَ طيبةً خلال سماعهم الأغنية، وأن تُناسِبَ روحَهُم ومشاعِرَهُم.

 

خلطة

وحول "الخَلْطَة" التي تمَّ الاعتمادُ عليها للخروج بأغنيةٍ كهذه، والمواءمة بين الأصالة والمعاصَرَة، أجابت مرقس: "الخلطةُ" أوّلها الصدق، وكلامٌ ناتجٌ من القلب ومن الواقع، أعدَّها الفنان فراس زريق.. هو كَتَبَ الكلمات واللحن والتوزيع، وأشرَفَ على التسجيل وإنتاج هذا العمل. تدرَّبْتُ معه على الأغنية قبل الإغلاق في أزمة الكورونا، وقبل سَفَرِهِ وعودَتِهِ لعَمَلِهِ في نيويورك.

ومن هناك قام بتسجيل الأغنية مع الموسيقيّين؛ كُلٍّ في بلدِهِ في أنحاء العالم. وخلال الإغلاق في (نيسان-أيار) من هذا العام؛ أرسَلَ لي فِراس اللحن مسجّلاً ( playback ) وغنَّيِتُ وسجَّلْتُ بصوتي في استوديو في الجليل، بينما أشرَفَ على التسجيل عبر "زووم" من نيويورك.

"الخلطةُ" مهنيَّةٌ عاليةٌ، حسب مرقس، وفيها احترامُ للعمل الموسيقِي وجمهور المستمعين. كذلك مقدِرَتي على غناء أنماطٍ وأنواعٍ موسيقيَّةٍ متعددةٍ وواسعةٍ. لا شكَّ طبيعةُ أننا أمٌ وابنٌ؛ وعلاقتنا العائلية والمهنية جميلةٌ وصريحةٌ وبها تقديرٌ وتفاهمٌ متبادلٌ وحنانٌ؛ كل هذا أضاف لـ"الخلطة" بُعْداً آخر. كذلك الوفاء لـ"الستايل".. للأسلوب الموسيقِي، مع خصوصيةِ وتَفَرُّدِ الأغنية. . هذا ليست المرة الأولى التي أتعاونُ فيها وفِراس؛ لحَّنَ لي أغنية "أجمل البحار" وكَتَبَ كلمات "ثوروا كَتشي جيفارا".

 

 

طريقٌ بين الكم

وحول الكيفيّة التي يمكن أن تَشُقَّ الأغنيةُ طريقَها وسط هذا الكَمّ اليومي من الأغنيات، أجابت صاحبة "ناس": حُبُّ الناس وتماهيهم مع الأغنية، لحنها، كلماتها، وإن أحبوا أدائي والموسيقيين، وإن خاطَبْتَ مشاعرَهم وفِكْرَهم، وحرَّكْتَ لديهم معانيَ من حياتهم وتجاربهم، وعَكَسْتَ ما يّمُرُّ عليهم.

وأضافت: كذلك الأغنية ستكون متوفرةً في كل المنصّات الرقمية وقناة أمل مرقس يوتيوب الرسمية، وباستماعها بالإذاعات؛ لا شَكَّ سيألَفُها الناس. نحن نُطْلِقُها، نُحَرِّرُها منّا بعد أن كانت معنا وحْدَنا وقتاً طويلاً، والآن هي حُرَّة.. تَشُقُّ طريقَها بقوَّتِها ومِهَنيَّتِها وصِدقها.

وأخيراً.. كان السؤال: كيف يُمْكِنُ أن تنتشر الأغنيةُ لدى اليافعين والشباب من ذوي الذائقة المختلفة، وكانت الإجابة: أعتَقِدُ أنَّ الأغنيةَ ستَلقَى أُذُناً صاغيةً عند اليافعين والشباب، هي منهم واليهم؛ كاتِبُها ومؤلِّفُها شابٌّ يافعٌ ومتطلِّعٌ للحياة، وأنا بأغنياتي أُخاطِبُ معظَمَ الشرائح وأفكِّر بها. كما أن كثيرينَ من مُتابِعِيَّ وجمهوري من شريحة الشباب والصبايا، ويُراسِلونني وألتَقيهم في حفلاتي. لستُ بعيدةً بأغنياتي عنهم أبداً، بل أغنياتي لهم ومنهم، وهذه الأغنية ستُعَبِّرُ عنهم كثيراً.

وختمت مرقس حديثها: أحتَرِمُ اختيارات الناس وأذواقهم، لكنني أعتَقِدُ أن هناك هيمنةَ مالٍ على إنتاجاتٍ غنائيةٍ معينةٍ، بحيث يوجد استثمارٌ بأسلوبٍ تجاريٍّ بشكلٍ يُقارب العنف، من بَثِّ وترويجِ أموالٍ يَجْعَلُ التنافُسَ معها أشْبَهَ بالمستحيل، لذلك نحنُ لا نُنَافِسُ؛ نحن نصنع فنّاً وموسيقى وثقافة. وفنُّنا لا يعتَمِدُ على قوة المال؛ وإنما على قوة الموهبة والمِهَنيَّة.

*نشر الحوار في "منصة ألاستقلال الثقافية" رام الله

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب