news-details

إسرائيل الاولى ضد بوتقة الصهر

*مركز الدولة الجديدة يسعى إلى استبدال اساس التضامن لإسرائيل، الذي هو هوية قومية، بعقد اجتماعي، أي عقد قانوني. وشاي نيتسان لم يكن مدافع عن سلطة القانون، بل كان مقاول لتنفيذ العنف المشروع الذي تستخدمه النخبة القضائية من اجل شل قوة المؤسسات المنتخبة*

 

عندما يحققون مع رئيس حكومة في دولة ديمقراطية فإن اصابع القانون تلامس جوهر السيادة: شخصية كبيرة منتخبة من قبل الجمهور. لذلك، من المفهوم لماذا تحقيق كهذا يجب أن يكون نظيف ودقيق ووفقا لما ينص عليه الكتاب، حيث لا يتم تحقيق العدالة فقط، بل ايضا ستتم رؤيتها بصورة واضحة تماما. 

ولكن يتبين أن المدعي العام للدولة الذي في ظل ولايته تم التحقيق، شاي نيتسان، كان يفكر بصورة معاكسة تماما: في الطريق إلى اسقاط رئيس حكومة، كل شيء مسموح. سلوكه وسلوك المدعين العامين والشرطة في هذه التحقيقات سيكون شهادة ظرفية كافية على أن كل شيء مسموح.

ولكن الكشف الذي قام به عميت سيغل بشأن اخفاء الوقائع في أم الحيران، بدد هذه الشكوك. كل خدعة تحقيق قذرة، كل اختصار للطريق وكل مخالفة، مسموحة: اخفاء الادلة، التسريب، مصادرة هواتف المساعدين، تنصت في غرفة التشاور، ابتزاز شهود وتشويش التسجيلات.

وبدلا من أن يجري التحقيق مع رئيس الحكومة من قبل اشخاص لا يتفاخرون، فانه في العالم المعكوس لنيتسان، التحقيق نفسه يطهر المحققين ويمنحهم حصانة. من يتعاملون مع المقدسات يكونون معفيين من القانون لأن الهدف يبرر الوسيلة.

ولكن ما هو بالضبط هذا الهدف المقدس؟ الآن على الاقل اصبح واضحا أنه ليس "سلطة القانون" أو "محاربة الفساد". التحقيقات مع نتنياهو ليست وليدة الحرص على طهارة المعايير أو هي نتيجة ثانوية لفكرة أن "الجميع، بما في ذلك رئيس الحكومة، متساوون أمام القانون". بالعكس، التحقيقات هي دليل على أن القانون لا يسري على الجميع بشكل متساو، خاصة أنه لا يسري على من ينفذونه، حيث أنه يوجد قانون لفرسان الاوليغاركية القضائية وقانون آخر لمن يستحقون الموت.

المؤرخ الامريكي ريتشارد هوبستادتر شرح ذات مرة الصراعات التي تدور في سياسة البلدية المعقدة في مدينة نيويورك على أنها صدام بين مفهومين للاخلاق السياسية: الروح الامريكية الشمالية، البروتستانتية للطبقة الوسطى من جهة، وفي المقابل رؤية المهاجرين من اوروبا، بالاساس من طبقة العمال الكاثوليكية، حيث أن ركيزته في العالم الجديد هي عائلة موسعة وشبكات من العلاقات الأبوية.

الأوائل آمنوا بالمساواة امام القانون وبالقواعد غير الشخصية، والأخيرين "وضعوا الولاء الشخصي القوي فوق الالتزام بالقواعد المجردة". النظام القانوني لقاضي المحكمة العليا، جون مارشال، من ايام الآباء المؤسسين، واجه في العصر الحديث العراب فرنسيس فورد كوبولا. ولكن في نهاية المطاف من غير المحتمل أن المخلوقات سيختلط عليها الامر. الجهاز القضائي نفسه لا يمكنه أن يتبنى شيفرات سيشل، وأن يضع الولاء "لرجالنا" فوق التمسك بالقانون.

ليس من المؤكد أن يكون شاي نيتسان قد فهم هذا. لأنه بدلا من أن يجد طرق لمعالجة النظام، دافع عنه بكل ثمن. فقد منع تشكيل لجنة تحقيق في قضية روت دافيد ونجح في أن ينسينا (بمساعدة صحافة ممتثلة تم تسمينها بالتسريبات) قضية الرشوة التي هي كما يبدو الاكثر خطرا في تاريخ إسرائيل: اختراق، كما يبدو، تنظيم اجرامي لسلطة الضرائب، ومن هناك بواسطة دافيد نفسه ايضا الوصول إلى مدعي عام منطقة تل ابيب.

دافيد اغلقت الملف بسرعة مدهشة، والدلائل على ذلك تم اخفاءها بعد ذلك عن النيابة العامة في ظروف "مجهولة، ولا نريد القول غريبة ومثيرة للدهشة"، حسب اقوال القاضي دافيد روزن. شوكي مشعول، من الذين كشفوا القضية، تمت ملاحقته من قبل النيابة العامة بذرائع ضعيفة.

النيابة العامة برئاسة نيتسان احبطت ايضا محاولة مأسسة جسم للتفتيش لديه قوة برئاسة القاضية هيلا غريستال. بوقاحة مدهشة اعلنت النيابة العامة عن الاضراب، إلى أن تم خصي هذا الجسم وتم اقتلاع اسنانه. نيتسان لعب دور ايضا في تحويل قسم التحقيق مع رجال الشرطة إلى حيوان أليف خانع. اضافة إلى ذلك، قام بالنبش في المعهد الباثولوجي ضد طبيبة رفضت اخضاع حكمها المهني لارادة النيابة العامة.

كما أنه قطع الطريق امام تبديد غيمة الفساد الثقيلة التي تلف اوامر منع النشر والتي يختبئ وراءها المستشار القضائي للحكومة، وكأنه من المعقول أن يكون للشخص المسؤول عن كل النيابة وهو يرتدي قبعتين، التي كان من المفروض أن تكون منفصلة، أن يختبيء في ظل أوامر. وهذا كما هو مفهوم قائمة جزئية.

هذا السياق للتغطية بكل ثمن على أخطاء الجهاز، امام تطهرية شديدة تجاه رجال السياسة، يوضح لماذا كل رؤساء الحكومات عندنا، منذ عقدين أو أكثر، مروا بالتحقيق معهم. لأن الهدف ليس القضاء على الفساد. فساد من ينفذون القانون تقريبا دائما تم غفرانه. التحقيقات هي وسيلة لاخضاع منتخبي الجمهور، أي اخضاع الديمقراطية، لسلطة جهاز القضاء وانفاذ القانون.

بعد كل ذلك، هذا هو معنى روح حراس العتبة، التي تبنتها هذه الاوليغاركية: حسب تصورهم الذاتي هم الخط الاخير من التحصينات الذي سيدافع عن مراكز صنع القرار من الجمهور الضعيف الذي يسعى إلى وضع اصابعه الخشنة عن طريق ممثليه المنتخبين.

لذلك، فإن د. افيشاي بن حاييم محق في الادعاء بأن الامر لا يتعلق هنا بحرب على العدالة، بل بصراع على الهيمنة. وتقنين السياسة لا يستهدف الدفع قدما بسلطة القانون، بل الدفع قدما بسلطة من ينفذون القانون، المعفيون هم انفسهم من عقابها. ودور التقنين هو تعزيز سلطة الاقلية المتنورة في مواجهة الجمهور الجاهل.

لذلك، تسعى "إسرائيل الاولى" إلى "تحويل جهاز القضاء إلى بؤرة الدولة الجديدة". هذا الجهاز، قال بن حاييم، "ليس جسم محايد في المعركة السياسية، بل مؤسسة تم تعميدها من قبل إسرائيل الاولى، وتم تقديسها كمركز لكونها جهاز دولة، عندما تبين أن الديمقراطية تعرض الهيمنة للخطر".

تحييد القوة السياسية للجمهور هو بناء على ذلك، اسم اللعبة. لذلك، في جانب النشاط القضائي الذي حول المحكمة العليا إلى شبه حكومة عليا، هناك ايضا حاجة إلى اضعاف السلطات المنتخبة.

واستخدام التحقيقات المستمرة مع منتخبي الجمهور هو كما يقول بن حاييم، وسيلة لـ "العنف المشروع" الذي يضمن أن لا ينحرف منتخبو الجمهور عن قيود حكم ارادة النخبة، المسمى الآن "مجمع العقلانية". نيتسان لم يكن حاميا لسلطة القانون، بل كان مقاول التنفيذ النشط للعنف المشروع الذي تستخدمه النخبة القضائية من اجل جعل المؤسسات المنتخبة عقيمة القوة.

بن حاييم محق ايضا في تمييزه أنه يوجد لهذا الصراع على الهيمنة بُعد طائفي. ليس بالصدفة أن من يؤيدون الاوليغاركية من اوساط إسرائيل الاولى يرددون اسماء مثل اوحانا، بيرتس، بيتان، بسخرية واضحة. جميعنا نعرف الشيفرة. هم يقرأون تشيكوف والجمهور يسمع عومر آدم؛ هم لهم آفاق رحبة، عالمية، والجمهور الشرقي هو بدائي، ريفي، قومي متطرف ويكره الاجانب. ومن الواضح ايضا أن هذا الازدراء للجمهور ووصفه بأنه غير مثقف ومليء بالكراهية، هو نوع من المقدمة للادعاء بأنه يجب تقييد قوته.

مع ذلك، أنا اختلف مع بن حاييم حول ما يبدو لي مثل تبني بعيد المدى جدا لسياسة الهوية. تبني من شأنه أن يطمس خطوط مهمة للصراع، الذي يبرع جدا في تحليله. وأنا سأقترح تحفظين قصيرين على هامش هذه الاقوال، وهما يمسان مسألة مكانة القومية.

الاول، رغم أن الخطاب النخبوي لإسرائيل الاولى يشخص ضمنيا الشرقية مع القومية المتطرفة، فإن هذا هو ما تثيره القومية أكثر من الشرقية. خط الصدع الرئيسي ليس طائفيا، بل هو ايديولوجي (في جزء منه هو ايضا طبقي). صحيح أن إسرائيل الاولى، النخبة اليسارية، هي في معظمها اشكنازية. ولكنها تقبل في صفوفها بسهولة، وحتى بسرور، شرقيين "قاموا بالتوبة"، أي أنهم وافقوا على التوجه السياسي للنخبة وانفطموا عن "قوميتهم"، ويفضل القول عن "تدينهم".

الثاني، إسرائيل الاولى محقة في تشخيص إسرائيل الثانية مع القومية. ايضا بن حاييم يعتقد ذلك: إسرائيل الثانية كما يصفها لا تؤيد قطاعية تنقسم على اساس طائفي، بل تؤمن ايديولوجيا موحدة على اساس قومي.

لذلك فإن تبني شبكة مفاهيم سياسة الهوية يخدم بصورة افضل اهداف إسرائيل الاولى في سعيها ضد القومية اكثر مما يخدم اهداف إسرائيل الثانية التي تريد تعزيزها. من السهل على هذه النخبة، صاحبة الأفق العالمي، استكمال انتقادها للقوميات "من اعلى" باسم حقوق الانسان الدولية والمؤسسات الدولية، بمساعدة تفكيك القوميات حتى "من اسفل" بواسطة رؤية متعددة الثقافات للمجتمع كمجموعة من "القبائل".

أنا أتفق مع بن حاييم في أن محاولة قطع رأس نتنياهو السياسي غير موجهة لنتنياهو الشخص فقط، بل هي ايضا خطوة لالغاء، عملي ورمزي على حد سواء، لقوة معسكر السلام الديمقراطية. ولكن يبدو لي أنه اذا قمنا بوصف الدراما بمفاهيم سياسة الهويات فإن هذا الامر سيبعد إلى الهامش أحد العناصر الرئيسية: ليس المهاجرين من المغرب أو من العراق هم الذين نريد اقصاءهم هنا، بل المعسكر القومي، الذي يحمل راية الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، وهو الطابع الذي تسعى النخبة المذكورة اعلاه أكثر فأكثر بشكل علني، إلى استبداله بوهم دولة مدنية نقية.

من الجدير الذكر بأنه ليس صدفة أنه ليس فقط رئيس المعسكر القومي تمت دعوته للمثول أمام القضاة. ايضا قانون الاساس: القومية، تم جره إلى قاعة محكمة العدل العليا (رغم أنه من غير الواضح بأي صلاحية يقوم رؤساء المحكمة العليا بمناقشة قانون اساس). لا يوجد هناك رمز بارز أكثر من ذلك، كدليل على ما يحدث: مركز الدولة الجديدة يسعى إلى استبدال اساس التضامن لإسرائيل، الذي هو الهوية القومية، بعقد اجتماعي. أي عقد قانوني.

هكذا، فإن انعكاس المبدعين هو أمر يحبس الانفاس: لقد انقلبت النخبة على بوتقة الصهر، واصبحت إسرائيل الثانية هي الآن الحامية لها.

هآرتس- 18/9/2020

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب