news-details

عباس قرأ "هآرتس" ورفع السماعة فردوا عليه: هنا مجلس المستوطنات

هآرتس- 1/7/2020

 

*الكاتب ينتقد مقال رئيس تحرير هآرتس، الذي دعا الرئيس أبو مازن، لمفاوضة إسرائيل على أساس "خطة ترامب"، ويقول: بدلا من انتقاد رفض محمود عباس للخضوع لاملاءات خطة ترامب، يجب تأييده وتعزيز التفاهمات مع الشركاء التقليديين لحل الدولتين*

 

 

الرئيس الفلسطيني قام بطي الصحيفة وتنهد ووضعها جانبا. لقد فكر كثيرا. فقط الآن أنهى قراءة مقال عاموس هارئيل ("هآرتس"، 26/6)، الذي طلب منه رفع السماعة لرؤساء البيت الابيض والتناقش معهم حول تفاصيل الخطة التي قاموا بطبخها. وقد تذكر أن الوف بن، محرر الصحيفة التي يحرص على قراءتها كل صباح، أوصاه باتباع تكتيك مشابه.

هذا كان أمرا صعبا، مر مثل اللعنة، لكن في نهاية المطاف عرف أنه ليس لديه مناص. عباس حمل الجهاز المشفر وضغط على زر الاتصال السريع. وبعد رنتين أجابه صوت لطيف قائلا: "مجلس (المستوطنات) ييشع، مرحبا، كيف يمكن مساعدتك؟".

هارئيل مثل الوف بن، توسل لعباس كي يحل لنا عقدة الضم. وتوجههما اليه يقوم على افتراضين. الاول، أن استعداد الفلسطينيين لاحياء المحادثات مع الادارة الأميركية سيرجح الكفة ويؤدي على الاقل الى تأخير دعمها لخطوة تشكل العمود الرئيسي في خطتها. والثاني يفترض أن رفض الفلسطينيين يتعلق بالكرامة. عباس "يتمترس خلف اهانته ويرفض التنازل عن كرامته"، قال هارئيل؛ وقف المحادثات ينبع من الخوف من "اهانة وطنية فظيعة"، كتب الوف بن.

أنا لست معنيا بالمس بكرامة المراسلين المحترمين، لكن يبدو لي أن تفسيرهما يتجاهل لب الموضوع. والأخطر من ذلك جوهر الخطة التي طبختها الادارة الأميركية.

إن الطابع الشرير للخطة لا ينبع من مسألة الضم، بهذا الحجم أو ذاك، بل لأنها منبر للانتقال من نموذج حل الدولتين الذي يقوم على قرارات الامم المتحدة والاجماع الدولي الواسع الى تطبيق لا عودة عنه لحلم سيطرة اسرائيل على جميع الفضاء الذي يقع بين النهر والبحر، وتثبيت مكانة الفلسطينيين كرعايا ليس لهم حقوق.

الخطوة الرئيسية لصائغي الخطة والذين يدفعون بها قدما هي اختطاف عنوان حل الدولتين وافراغه من المضمون وتنفيذ نقيضه. "الدولة الفلسطينية" التي يدعون اليها ستكون تجمع مناطق معدومة التواصل والسيطرة على دخول الاشخاص والبضائع وعلى المجال الجوي والحقول الالكترومغناطيسية، وستكون خاضعة لسيطرة امنية اسرائيلية كاملة. هكذا، في غطاء الدولتين تريد الخطة تجنيد الدعم الدولي من اجل تثبيت جزر كانتونات فلسطينية محاطة ببحر من السيطرة الاسرائيلية الدائمة.

لذلك، المفاوضات التي سترتكز عليها ليس فقط لا يمكنها أن تدفع قدما باتفاق سلام مأمول، بل تأثيرها سيكون له أضرار بالضرورة وهي ستساهم في تخليد الاحتلال. في الوقت الذي في هذه الكانتونات ايضا، التي تسمى "دولة" في الخطة، ستحصل السلطة الفلسطينية فقط اذا لبت الشروط غير الممكنة مثل سيطرة كاملة على قطاع غزة ونزع سلاح حماس ووقف كل ما تعتبره اسرائيل تحريض، في حين أنها مسموح لها حسب الخطة أن تضم نحو 30% من الضفة، خلافا للقانون الدولي والمعايير الاساسية.

احتمالية أن الادارة الأميركية الحالية ستوافق على اجراء مفاوضات ليس على اساس خطوط الخطة التي عملت عليها في السنوات الاخيرة، والتمسك بالخطوط الاساسية القائمة على القانون الدولي أو المخطط المتماهي مع ادارة كلينتون، تشبه احتمالية أن ترامب سيساعد على ازدهار اصلاحات "اوباما - كير". وتوقه الى ترك ارض محروقة في الحقل الذي حرثه سلفه، والتصميم الايديولوجي لمقربيه، فان أي مكالمة هاتفية من عباس لن تقضي على هذا التوقف.

ورغم ذلك، القيادة الفلسطينية تدرك بأن رفض الجلوس على طاولة مفاوضات منحازة جدا، يشكل العائق الوحيد أمام استسلام اللاعبين الآخرين لنزوات الرئيس الحالي. ودخول الفلسطينيين ودول اوروبية ودول عربية الى عملية ترتكز على خطة ترامب ستحدد موقفها كعملية ذات صلة. وبهذا ستحولها الى ارضية سترتكز عليها المحادثات المستقبلية. وفي المقابل، رفض الخضوع للاملاءات السياسية الجديدة سيمكن الادارة القادمة من العودة وبلورة رؤيتها حسب المبادئ المقبولة عليهم.

افتراض آخر خفي يقف في اساس تحليلات الوف بن وهارئيل هو أن ضم جزئي هو الامكانية الاسوأ التي توجد على الاجندة. لذلك، فان استبدال النظام القائم في الضفة بسلطة ابرتهايد بصورة قانونية هو تطور فظيع، سواء بسبب جانبه الاعلاني أو بسبب تداعياته الفعلية. وضد ذلك يجب علينا النضال بجميع السبل تقريبا.

ولكن استبدال ضم أحادي الجانب الآن بضم بعد ذلك، الذي الى جانب الموافقة الأميركية سيرافقه ايضا الاضرار بفرصة البديل – هو خيار اكثر سوءا. لأنه يسرق من الفلسطينيين ومنا امكانية الاحتجاج مستقبلا على الوضع القائم والعودة الى الخطوط الاساسية التي تقوم على قرارات الامم المتحدة.

ايضا من يؤمن بأنه يجب انهاء الاحتلال الآن، يجب عليه الاعتراف بأن هناك فترات لا يكون فيها خيار عدا عن لعبة القبو. بدلا من انتقاد رفض الفلسطينيين والخضوع للاملاء الأميركي من انتاج مجلس "ييشع"، يجب علينا دعمه وفي نفس الوقت تعزيز التفاهمات مع الشركاء التقليديين لحل الدولتين.

يجب القيام بذلك ليس من خلال السعي لحل الدولة الواحدة مثلما رمز الوف بن، بل من خلال الالتزام العميق بالواقع الذي سيمكن من وجود مساواة في الحقوق لكل انسان يعيش في هذا الفضاء. وهذا الوضع يمكن الوصول اليه فقط عندما تقوم هنا دولتان مستقلتان وآمنتان حقا جنبا الى جنب.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب