news-details

أي تضامن يريده الفلسطينيون؟ | باسل ترجمان  (تونس)

مرة اخرى يعود اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني مذكراً العالم اجمع بالظلم التاريخي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، ومازال مستمراً، في ظل متغيرات سياسية دولية يصعب توقع نتائجها، ولكن المؤكد أن مرحلة ما سميت صفقة القرن انتهت، وإن كانت نتائجها ستبقى على الأرض، لا يتوقع ان يتم التراجع عنها.
منذ اعلانه في 29 تشرين ثاني نوفمبر 1977، تحوّل هذا اليوم بمرور الزمن وتغير معطيات الواقع السياسي الفلسطيني، من حدث نضالي إلى ذكرى بروتكوليه أشبه برفع العتب السياسي، تقوم به بعض الدول، حيث تكتفي وزارات خارجيتها بإصدار بيانات، معممة فيها تذكير بمواقفها وتأكيد على حق الفلسطينيين بنيل حقوقهم غير القابلة للتصرف، واستنكار رفض اسرائيل قبول اقامة السلام بحسب القرارات الدولية، أو برسائل يوجهها بعض رؤساء الدول للرئيس الفلسطيني، تتضمن نفس العبارات والمعاني.
بعد هجوم التطبيع وصفقة القرن ونقل السفارة الامريكية للقدس، والمخاطر الجدية لتصفية القضية الفلسطينية، عبر الالتفاف عليها وتجاهل اولويتها، صار لازماً على الفلسطينيين استعادة المبادرة السياسية في الواجهة العالمية لإعادة تفعيل صورتهم وصوتهم، اللذان خفتا بطول المدة والانغلاق على الاوضاع الداخلية، والازمات التي تعيشها تجربة السلطة الوطنية جراء الانقسام، وتنكر المجتمع الدولي لتعهداته والتزاماته بإقامة السلام بحسب قرارات الامم المتحدة.
الاشكال الأساس في استعادة هذه الذكرى، تتلخص في أن هذا الحدث التاريخي المهم تحوّل بطول المدة، وبتغير الاوضاع السياسية، إلى حدث بعيد عن نبض الشارع واصوات المناضلين في العالم، المؤمنين بعدالة القضية وحتمية انتصارها، وهيمنة الظرف السياسي المتغير على واقعية اعتباره نتاجاً لنضال الشعب الفلسطيني، الذي لم يزل يناضل من اجل تحقيق اهدافه بالحرية والعودة، واقامة دولته المستقلة على ترابها الوطني.
من الاهمية بمكان تعديل البوصلة الفلسطينية باتجاه معنى هذا اليوم وابعاده عن مفهوم التضامن السياسي، وابقائه ضمن مشهد العمل الوطني، ومن خلال المساحة الاوسع جماهيرياً بحيث لا يكون عرضة مرة اخرى للتجاهل ويبقى ركيزة من ركائز النضال الدائم من اجل رفع المظلمة عن الشعب الفلسطيني واستعادة كافة حقوقه، ومن الضروري التفكير بآليات جديدة لهذا التضامن بعيداً عن "الإغواء الاعلامي"، الذي يمارس بمحبة بين الفلسطينيين واصدقائهم وبأقل التكاليف السياسية، خاصة وأن الإحساس بالظلم خلق رغبة في تضخيم الانجازات وادعاء البطولات بمناسبة او بدونها، وصار الهدف البحث عن المديح وتبادل عبارات الاطراء والشكر، مما افقد الحدث معناه وجعل الكثير من الأصدقاء يتجاهلونه، لأن من يؤمنون بالقضية وبانتصارها لا يسعدهم ان يشاركوا في هذه الحملات.
يبدو ان هناك فهما جديا لأهمية تغيير المنهجية السياسية التي ثبت فشلها في الاستفادة من هذه الاحداث الداعمة عربياً ودولياً للقضية الفلسطينية، والسؤال المهم الذي يطرح نفسه، كيف ستتم الاستفادة من ذلك وبأي معنى، خاصة وأن تكرار نفس الممارسات السابقة التي ميزت التعاطي مع هذا الحدث وغيره، سيكون تأكيداً على العجز في فهم المتغيرات السياسية التي تعيشها المنطقة والعالم، ومن الضروري اليوم الاستفادة من كل الفضاءات التي اتاحتها التكنولوجيا الرقمية، وسهولة التراسل وتبادل المعلومات لإيصال الرسائل التي تدافع عن الحق الفلسطيني بذكاء ومهنية، وبعيداً عن لغة الخطاب الخشبي الذي تعود عليه العقل الفلسطيني، وأن يكون جهدا اتصالياً وتواصلياً، من خلال التذكير الدائم ليس من مؤسسة او مجموعة، بل من يعتقد انه قادر على دعم هذا النضال، دون الحاجه لمركزية تحرك الفكرة بل لفكرة تجمع المؤمنين بها.
تذكير العالم بما تعرض ومازال يتعرض له الفلسطينيون من إنكار لحقوقهم هو اساس اي حراك إيجابي يخدم القضية، وبعيداً عن الاستعراض او البحث عن وهم بطولات في غير موضعها، سيكتب لهذا التحرك ان يكون مستداماَ، ويشكل رافعة دائمة للنضال المدني السلمي الذي يعطي الكثير من المعاني لحقيقة الفعل الفلسطيني من اجل الحرية.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب