news-details

التزام اسرائيل بالخط الرسمي قاتل

*لم يظهر أحد في عصرنا الحالي ليقول لا لما يجري ويتمرد على الاجماع الرسمي مثلما حدث اثناء غزو لبنان*

 

30 آذار 2018 لم يكن يوما اسرائيليا استثنائيا في التاريخ الجغرافي لهذا المكان. معظم اليهود في اسرائيل لن يتذكروا بأنه حدث شيء ما استثنائي في ذاك اليوم. دون صلة بالذاكرة أو غيابها، هذا اليوم يدلل، وربما افضل من أي يوم آخر، على أنه يوجد شيء ما في هذا المكان يقتل روح الاشخاص الذين يعيشون فيه ويحولهم الى روبوتات لها وعي مقلص وخاضع، وعي يتم تحديد آفاقه حسب المصالح السياسية السائدة.

في ذاك اليوم بدأت مسيرات العودة في قطاع غزة باطارها الجديد: عشرات آلاف الفلسطينيين الذين اقتربوا من الجدار في احتجاج تاريخي على المظالم التي ارتكبتها الصهيونية ضدهم، بدء من النكبة وحتى الوقت الحالي. يمكن الافتراض أنه بين المتظاهرين كان هناك اشخاص من نشطاء حماس، لكن لم يتم اطلاق أي رصاصة من غزة على القوات الاسرائيلية، ولم يصب أي جندي اثناء نشاط المتظاهرين الفلسطينيين. رغم الطابع غير العنيف الواضح للاحتجاج الغزي، فان الجيش رد بعنف شديد جدا – مئات الفلسطينيين أصيبوا باطلاق النار وتم احصاء 16 قتيل في الطرف الفلسطيني.

المظاهرات على حدود القطاع استمرت. وبعد شهر ونصف، في 16 نيسان، قتل 61 فلسطينيا واصيب أكثر من ألف شخص. خلال فترة المظاهرات العاصفة استخدم الجيش القبضة الحديدية واصبع خفيفة على الزناد: 187 فلسطينيا قتلوا حتى الآن في هذه المظاهرات، والآلاف اصيبوا نتيجة اطلاق النار الحية من قبل جنودنا. لذلك، يجب عدم الدهشة: اسرائيل تتعامل مع الحياة والكرامة والممتلكات الفلسطينية باستخفاف، وبغطرسة شعب من السادة، منذ سنوات كثيرة. قتل الفلسطينيين لا يعني كثيرا الاسرائيليين.

لكن الامر المفاجئ والمسلي الذي حدث في 30 آذار 2018 هو أنه نتيجة لاطلاق النار بهذا القدر الكبير على الناس، لم يقم أي ضابط اسرائيل بترك الجيش احتجاجا على ذلك، ولم يترك أي جندي قناص وظيفته. في كل الجيش الاسرائيلي، وهو المنظمة التي تشمل مئات آلاف الاشخاص، لم يكن هناك أي شخص قال "أنا لم أعد أحتمل اطلاق النار الجماعي على متظاهرين غير مسلحين".

الغياب المطلق للمعارضة كان مخيب للآمال ليس أقل من ذلك وربما أكثر، من استعداد الكثيرين للقيام بالفعل بأعمال وحشية وقاتلة كهذه. احد الاشخاص القلائل، ربما شخصين، عميد منفرد لو أنه قام وانسحب بألم لكان سينقذ أرواحنا، لكن لم يتم العثور على أي شخص كهذا.

اسرائيل هي دولة الالتزام الرسمي الدائم الذي فيه لا يوجد أي شخص ولا في أي مرة لا يقوم ضد النظام أو يتنازل عن موقع قوة، وعن مزاياه باسم موقف ضميري. علينا أن نذكر أنه كانت هناك ايام مختلفة: في حرب لبنان أكثر من ضابط رفضوا القيام بالمهمات. والمشهور من بينهم هو ايلي غيفع، قائد لواء 211 في المدرعات، الذي رفض الدخول الى بيروت وقال لرئيس الاركان في حينه إن "الدخول الى بيروت هو قتل لعائلات".

في اسرائيل الحالية مكبس الوعي للصهيونية، الليكود والمستوطنين والحاخامات، ثقيل ومنغلق جدا الى درجة أنه لا يوجد بيننا اشخاص سيرفضون المس بالأبرياء. نفس الصمت الخانق هو الروح الاسرائيلية في ايامنا – ايام موت الروح الفردية، لذلك ايضا موت الاخلاق. نفس الصمت يرافق الدوائر التي تحافظ على عائلة نتنياهو وتخضع لكل نزواتها رغم أن ادانة افعالها مفهومة ومعروفة لهم جيدا.

نفس الصمت ايضا رافق الشباب في قبرص، الذين لم يظهر أحد منهم الندم أو دعا اصدقائه للتوقف اثناء الفعل. جميعهم حتى آخر واحد منهم ذهبوا الى الجرف واجتازوه. الاساس هو عدم كسر الصف والمبنى. أحد الامور التي يحب الاسرائيليون أن يعتقدوها عن انفسهم هو أنهم وقحين وشجعان وكاسرين للاطر والقوانين. عندما ينظرون اكثر قليلا في العمق وباستقامة اكثر قليلا في اللحظات والمسائل الحقيقية التي يتم فيها فحص البشر، يكتشفون أن اسرائيل هي مجتمع يلتزم جدا بالخط الرسمي الى درجة مخيفة وجماعية مثل أسوأ الديكتاتوريات.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب