news-details

المراقِب: ثغرات للاحتيال والاختلاس في "سلطة أراضي إسرائيل" | هشام نفاع

ما زالت السلطة الإسرائيلية المسؤولة عن حيازة وإدارة الأراضي المسماة "أراضي دولة" تحتل مواقع متقدمة في عناوين التحقيقات الصحافيّة الاستقصائية وتقارير الرقابة والفحص الرسمية، بوصفها مؤسسة رسمية تتضمن عمليات احتيال واختلاس متعلقة بأراضٍ يفترض أنها المسؤولة عن حراستها وإدارتها. وقد كان عنوان هذا البند في التقرير السنوي الصادر عن مراقب الدولة واضحاً إذ جاء فيه حرفياً: "منع الاختلاسات وعمليات الاحتيال في سلطة أراضي إسرائيل".

وفقاً لتعريف وظيفتها على موقعها الإلكتروني "تقوم سلطة أراضي إسرائيل بإدارة غالبية الأراضي الموجودة ضمن حدود دولة إسرائيل. السلطة تقدم خدمات في مجال نقل الحقوق السكنية والحقوق العقارية، تغيير تخصيص الأرض وتصديق إضافات بناء، عقود الاستئجار وتأجير أراض زراعية".

يشير التقرير الرسمي إلى أن "سلطة أراضي إسرائيل" هي "المسؤولة عن إدارة أحد أهم موارد الدولة – الأراضي - والتي تشكل ما يقارب الـ 90% من الأراضي". على نحو عام، فإن فرضية العمل هي أن أي نشاط يجري على الممتلكات، بما في ذلك الأرض، يحمل خطراً، داخليا أو خارجياً، سوف يتسبب في أضرار، بما في ذلك الخسائر المالية، ويضعف قدرة المنظمة على تحقيق أهدافها وغاياتها. تشمل المخاطر في إجراءات "سلطة أراضي إسرائيل" المفصلة في هذا التقرير، على سبيل المثال لا الحصر، مخاطر الإجراءات المتعمدة أو الناجمة عن الأخطاء في إجراءات نقل الملكية ونقل الحقوق وتقييم الأرض، تقديم تعويضات زائدة عن استرداد الأراضي، التقارير المنقوصة حول الرقابة على الأراضي ومنع السيطرة غير القانونية عليها (يصفها بـ"غزو" هذه الأراضي)، باستخدام نظام المعلومات من قبل موظف غير مصرح له.

 

كمية هائلة من الأموال تديرها الهيئات الرسمية المسؤولة عن الأراضي

 

أقيمت "سلطة أراضي إسرائيل" العام 1961 بموجب "قانون أساس: مديرية أراضي إسرائيل" في الكنيست، 19 تموز 1960. ووفقاً لنص القانون، من أبرز أهدافه الحفاظ على الأراضي التي تمكن "الصندوق القومي الإسرائيلي" من شرائها والاستيلاء عليها لمنع بيعها بالمطلق.

المهام الأساسية لهذه السلطة هي كالتالي: القيام بتخطيط وتطوير احتياطي الأراضي في إسرائيل وذلك بواسطة وضع مخططات هندسية تفصيلية وتنفيذ مشاريع تتعلق بالبُنى التحتية والتطويرية. مصادرة أراض استناداً إلى "قانون المصلحة العامة"، وهي تسيطر أيضاً على أملاك للفلسطينيين اللاجئين والمهجرين الذين تعتبرهم المؤسسة الرسمية الحاكمة "غائبين" وفقاً لـ "قانون أملاك الغائبين"، وتملك هذه السلطة حق استصدار أمر بإخلاء أرض تراها مناسبة لمشروع معين أو لهدف مستقبلي.

من المهم ملاحظة أن الأراضي التي تديرها سلطة أراضي إسرائيل هي بملكية ثلاث هيئات: (1) دولة إسرائيل التي تسيطر على 69% من الأراضي، وهي أراض "أخذتها" من حكومة الانتداب أو تم الاستيلاء عليها بادعاء أن لا مالك لها أو تلك التي تمت مصادرتها، (2) "سلطة التطوير" التي تسيطر على 12% من الأراضي، وهي أراض نُقلت إليها مما يسمى "الوصي على أملاك الغائبين" أي أراضي لمهجرين فلسطينيين، (3) "الصندوق القومي الإسرائيلي" وتبلغ نسبة ما يسيطر عليه من أرض 13% وهي أراض تم شراء قسم قليل منها قبل إقامة دولة إسرائيل أو تمت مصادرتها لكن غالبيتها هي أملاك لمهجرين فلسطينيين.

وفقًا لموقع مركز "عدالة" فإن قانون أملاك الغائبين يعرّف من هُجّر أو نزح أو ترك حدود دولة إسرائيل حتى تشرين ثاني 1947، خاصةً على أثر الحرب، على أنّه غائب. وتعتبر كل أملاكه (يشمل الأراضي، البيوت وحسابات البنوك وغيرها) بمثابة "أملاك غائبين" تنقل ملكيّتها لدولة إسرائيل، ويديرها وصيّ من قبل الدولة. قانون أملاك الغائبين هذا هو الأداة الأساسية لدى إسرائيل للسيطرة على أملاك اللاجئين الفلسطينيين وكذلك أملاك الوقف الإسلامي في الدولة.

لقد سبق للمراقب الكشف في تقرير سابق له عن حجم الأموال الهائلة التي تديرها الهيئات المسؤولة عن الأراضي. فمثلا، في منطقة وسط البلاد، حيث سعر الأرض هو الأعلى نتيجة للطلب عليها لأغراض السكن والتجارة والمال وغيرها، يسيطر "الصندوق القومي الإسرائيلي" على ثلث الأراضي وكان المدخول من "إدارة الأراضي" في السنوات 2011 – 2015 حوالي 7 مليارات شيكل؛ وهي ميزانية تفوق ميزانيات مخصصة لوزارات بأكملها.

الضرر السنوي الناتج عن مخالفات الاختلاس في إسرائيل 6 - 9 مليارات شيكل

 

يفتتح التقرير بتعريف هذه المخالفات بالقول: يعتبر الاختلاس والاحتيال أفعالاً غير قانونية ذات منفعة شخصية من خلال إساءة الاستخدام على نحو غير لائق ومتعمد لموارد التنظيم والإخلال بأصول عمله. من المعتاد في إسرائيل التمييز بين الاختلاس - فعل قام به شخص داخل التنظيم، وبين الاحتيال - فعل قام به شخص من خارج المنظمة. وفقاً للنموذج الذي نشرته منظمة COSO، وهي منظمة أميركية تعتبر رائدة صفة مرجعية في مجال "إدارة المخاطر"، والذي تم اعتماده من قبل العديد من المنظمات حول العالم، يتعين على المنظمات اتباع نهج نشط لمنع الاختلاس والاحتيال بشكل منهجي، بما في ذلك القيام بتقييم المخاطر والرقابة الداخلية. وفقاً لذلك، فإن أحكام اللوائح المالية والاقتصادية لدولة إسرائيل المتعلقة بالمخاطر التشغيلية، بناءً على نموذج COSO المذكور، والملزمة للوزارات الحكومية والوحدات التنفيذية المعتمدة في هذه الوزارات، ذكرت أيضاً مخاطر الاختلاس والاحتيال كجزء من مخاطر العملية التشغيلية التي يجب التقليل منها.

ينوّه المراقب إلى أنه فحص للمرة الأولى موضوع منع أعمال الاختلاس في المكاتب الحكوميّة وفي الشركات الحكوميّة. ويفسّر أنه بفعل نطاق النشاط المالي للمكاتب الحكوميّة والشركات الحكومية، طابع هذه الهيئات، تركيبها، وعدد العاملين الكبير فيها - كلّ هذه العوامل تُعرّضها لمخاطر الاختلاس. ويُقدَّر الضرر السنوي الناتج عن مخالفات الاختلاس في إسرائيل بنحو 6 - 9 مليارات شيكل. بينما تشكل 80% منها اختلاسات منسوبة إلى مسؤولين كبار. تُشير نتائج هذه الرقابة إلى عيوب في مجال منظومة إدارة المخاطر لمنع الاختلاس ومجال نُظم المعلومات. كما يظهر وجود عيوب في تطبيق ضوابط تشغيليّة في هذه المجالات: الموارد البشريّة والأجور، المشترَيات والمخزون، الجباية ووسائل الدفع.

ومما تبيّن، أنّ 82% من المكاتب الحكوميّة والشركات الحكوميّة (بالمتوسط) لا تستخدم تقنيّات مبتكَرة لمواجهة أعمال الاختلاس. لمنع أعمال الاختلاس، ثمّة حاجة إلى تطبيق إجراء شامل ومُركَّب يتضمّن ترسيخ ثقافة تنظيميّة لائقة، رفع الوعي حول الموضوع بين العاملين في المؤسّسة، التشخيص المبكّر للمخاطر ونقاط الضعف في أنظمة المؤسّسة، بلورة برنامج متكامل لمنع أعمال الاختلاس وترسيخ نُظم رقابيّة ومنظومات خاصّة لتقليل المخاطر. يُعتبَر هذا الإجراء جزءاً من المعايير المُتعارَف عليها، والتي طُوّرت في العقود الأخيرة لغرض إدارة المخاطر على مستوى المؤسّسة. ويتوجّب على الوزارات والشركات الحكوميّة، وكذلك المحاسب العامّ وسلطة الشركات الحكوميّة، تقديم الردّ على الاستنتاجات والتوصيات المطروحة في هذا التقرير، وعليها أيضاً استخلاص العِبر من العيوب المذكورة فيه، والعمل على تصحيحها. من الجدير بالذكر أنّ التقرير يتضمّن أيضاً أعمال رقابة عينيّة لموضوع منع الاختلاس في دائرة أراضي إسرائيل.

تراخيص لدخول منظومة المعلومات المحوسبة بدون مبرّرات واضحة

 

فحص مكتب مراقب الدولة من شباط إلى أيلول 2021، آليات منع وقوع مخاطر الاختلاس والاحتيال في "سلطة أراضي إسرائيل"، بما في ذلك إجراء إدارة المخاطر التنظيمية الذي يتضمن إجراء مسح للمخاطر، وتحديد آليات للحد من مخاطر الاختلاس والاحتيال وتنفيذها. بين المعطيات ذات الصلة بمخاطر حدوث مخالفات احتيال واختلاس، يورد التقرير أن 3% فقط من موظفي "السلطة" مروا بدورات تأهيلية في موضوع أخلاقيات المهنة لموظفي الجمهور؛ هناك 150 موظفا تلقوا تراخيص تتيح لهم الدخول الى منظومة المعلومات في حواسيب "السلطة" من دون إجراء أي فحص منهجي لمدى حيوية وضرورة دخول المنظومة بما يرتبط بتعريف وظائفهم في المنظمة؛ منذ العام 2013 تقرر دفع علاوات على أجور الموظفين بنسبة 5% من أجل تفعيل نظام تناوب في الوظائف كيلا يستمر موظفون في تولي الصلاحية على مناطق أو مجالات معينة لفترات طويلة، وهو ما يعتبر في الأدبيات المهنية ظرفاً قد يرفع احتمالات التجاوزات. ولكن حتى العام 2020 لم يبدأ تطبيق هذا التناوب، ومع ذلك فقد جرى دفع نحو مليوني شيكل سنوياً طيلة هذه الفترة كعلاوات على الأجور.

في مجال سياسة إدارة المخاطر - لم تكمل "سلطة أراضي إسرائيل" القيام بإجراء منظم لصياغة سياسة على مستوى المؤسسة لإدارة المخاطر التشغيلية. على الرغم من أنها بدأت عملية صياغة سياسة إدارة المخاطر وأجرت دراسة استقصائية للمخاطر و14 من مواصفات الرقابة التي ركزت على عمليات العمل الأساسية - لم يكتمل الإجراء، إذ لم توافق "السلطة" على مسح المخاطر ولم تقم بتحديثه على أساس منتظم؛ لم تقم بصياغة خطة للحد من المخاطر؛ لم تنفذ الضوابط التي خططت لتنفيذها في خطة المراقبة متعددة السنوات، ولم تنشئ وحدة للتحكم قررت هي بنفسها إقامتها ولم يتم تعيين مدير المخاطر التشغيلية. بل تم الكشف عن أن "مجلس سلطة أراضي إسرائيل" لم يناقش بالمرة موضوع إدارة المخاطر في المنظمة خلال السنوات الست الماضية (2016-2021).

في موضوع آليات الرقابة لكشف الإجراءات وأتمتتها - على الرغم من أن أنظمة المعلومات تتيح فحص ومراقبة الإجراءات التي يتم اعتمادها في الألوية المختلفة بشكل منهجي، فإن مديري الألوية لا يبادرون لإجراء عمليات مراقبة بمبادرتهم بناءً على التقارير الذكية ولا يتم أيضاً استخدام تنبيهات المنظومة المحوسبة الذكية (كتلك الموجودة في البنوك لمراقبة إيداع الأموال وتحديد تلك التي تلفها علامات سؤال). لا يفحص المديرون سوى ما يقدم لهم من صفقات لفحصها، علما بأنه منذ العام 2019 وحتى كتابة هذا التقرير تمت المصادقة على تعويضات بمبلغ كبير وصل إلى 370 مليون شيكل.

 

عشوائية وضبابيّة في الفحص المشدد لمسألة تضارب المصالح

 

في مجال منع تضارب المصالح، من بين 122 موظفاً طبقت عليهم "سلطة أراضي إسرائيل" القواعد المعمول بها لفحص الحاجة إلى تسوية تضارب المصالح، وقع 102 موظف على ترتيب لمنع تضارب المصالح، وقام 19 موظفاً بتعبئة الاستبيان في هذا الصدد، ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى ترتيب معهم حتى الآن لمنع تضارب المصالح. ونقطة هامة وحساسة: لا يتم إلزام أعضاء لجنة المناقصات بالتوقيع على تصريح بعدم تضارب المصالح، مرة كل سنة، وهم غير مطالبين بهذا حتى عند تعيينهم في اللجنة.

يكتب مكتب مراقب الدولة في ملخص التقرير أن "سلطة أراضي إسرائيل" مكلفة بإدارة أحد أهم موارد الدولة - الأراضي. وتنطوي إدارة هذا المورد على العديد من المخاطر، بما في ذلك مخاطر الاحتيال والاختلاس. ومن هنا الحاجة إلى تحسين إجراءات العمل وإنشاء آليات إشراف ورقابة تمنع تضارب المصالح وعدم الوضوح في شؤون استخدام المعلومات وإبرام صفقات التعويضات وغيرها. ويشدّد على أنه يتوجب على "سلطة أراضي إسرائيل" أن تكمل صياغة سياسة إدارة المخاطر على مستوى المنظمة، بما في ذلك تحديث واعتماد استقصاءات المخاطر، وصياغة وتنفيذ خطة للحد منها وإنشاء آلية مراقبة لعملياتها وتعيين مدير مخاطر تشغيلية. وجب النظر في إضافة مثل هذه الآليات بناءً على السياسة التي تصوغها.

المراقب يوصي أيضاً بأن تقوم "السلطة" بصياغة مفهوم رقابة شامل ليحدد، من بين أمور أخرى، جميع المسؤولين عن تنفيذ الرقابة، والنشاط أو العمليات التي سيتم تنفيذ الرقابة عليها، ونوع ونطاق الإبلاغ والرصد والاهتمام بالمعايير المناسبة والتوازن والمحافظة على جودة الخدمة المقدمة للجمهور. (ملحق المشهد الاسرائيلي - مركز مدار)

 

الصورة: قرية سعوة في النقب – أرضها ما زالت مهددة بجشع سلطة أراضي إسرائيل (تصوير: أكتيفستلز)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب