news-details

حينما يبدأ العنف في التحقيقات يصعب وقفه

*جهاز الشاباك يرد بدهشة على اصابة المحقق معه في الشاباك، لكن يجب عدم الاستغراب. عندما يبدأون بالعنف يكون من الصعب التوقف. وحيثما يسمحون باستخدام القوة ضد المحقق معهم فسيكون هناك مصابون وحتى قتلى*

يوجد فقط القليل من المحظورات المطلقة في القضاء الدولي. أحدها هو منع التعذيب والمعاملة القاسية وغير الانسانية أو المهينة مع الشخص المحقق معه اثناء ما يريدون انتزاعه من معلومات منه أو نزع اعتراف. خلف هذا الحظر يقف الموقف الذي يعتبر تعريض شخص لقوة جسدية قاسية باسم الدولة من اجل اجباره على فعل ما تريد، هو سحق لكرامة الانسان ومس شديد وأساسي بالانسانية.

خلفه ايضا محاولة تاريخية غنية تدل على أنه دائما يمكن ايجاد مبررات لإقناع رجال العهد باستخدام التعذيب وأنه يوجد لهذا الاستخدام صفة سرطانية للتفشي. كل محاولات تقييده حسب المصلحة أو حسب من يستخدمون التعذيب ضدهم لم تنجح. التجربة تعلم ايضا بأن أكثر مما يعطي التعذيب ثمار بشأن الحقيقة، فانه يعطي اكاذيب هدفها هو أن يقود الى وقف الضغط. كما تم التعلم ايضا أنه في المكان الذي يسمح فيه للمحققين باستخدام الأيدي، تقل الدافعية لاستخدام عقولهم، أي استخدام طرق تحقيق ذكية وراقية، ومستوى المحققين والتحقيق تصاب بالأذى.

دولة اسرائيل تجد صعوبة في احترام هذا المنع. منذ حرب الايام الستة واحتلال المناطق والمواجهة مع الارهاب الفلسطيني، خرق جهاز الامن العام هذا الحظر بصورة منهجية، مصادقة مستوياته الأعلى، خلال عشرين سنة تقريبا. رجاله نفوا ذلك امام المحاكم، ازاء الشكاوى من قبل متهمين بنشاطات ارهابية، التي بناء عليها استخدم ضدهم تهديد وعنف اثناء التحقيق معهم. هذه الحقيقة كشفت امام لجنة لنداو في 1987.

إلا أن اللجنة ميّزت بين شهادات كاذبة لمحققين وبين التحقيقات العنيفة. في حين أن الاولى ممنوعة حسب مقاربتها في كل الاحوال، فقد قررت اللجنة أن الضغط الجسدي المعتدل يقع في اطار الحاجة للمحاكمة جنائية، في الوقت الذي تتحقق فيه شروطها، وليس فقط في حالة قنبلة موقوتة. في ملحق سري لتقرير اللجنة، تم تفسير قواعد بشأن المسموح والممنوع، في الوقت الذي تترك فيه في أيدي الحكومة صلاحية تغييرها وفقا للظروف.

في المحكمة العليا للتعذيب رفضت المحكمة كل اذن باستخدام الضغط الجسدي، على اعتبار أنه يعارض الحظر المطلق في القانون الدولي. وقد قررت المحكمة مع ذلك، أن المحقق الذي استخدم ضغط كهذا يمكنه الادعاء بعد ذلك بأن عمله محمي في ظل حماية الضرورة التي تعفيه في ظل تحقق شروطها من المسؤولية الجنائية عن افعاله.

أي أن العمل بقي ممنوعا، لكن بسبب الظروف الخاصة والاستثنائية التي استخدم فيها، لا يوجد مجال لمعاقبة المنفذ. يمكن مناقشة هل حاجز الحاجة الذي استهدف أن يعفي من المسؤولية مواطنين اضطروا الى خرق القانون في ظروف صعبة بشكل خاص، هو في متناول يد موظف عام يعمل في وظيفته الرسمية. ولكن في صالح المحكمة يجب علينا الاشارة الى أنها منعت روتين وبيروقراطية استخدام العنف، ودفعت نحو تقييد كبير له، لأن المحقق الذي يستخدم العنف يأخذ مع ذلك مخاطرة أن لا يتم قبول ادعاء الحاجة الذي قدمه. لذلك، يمكن الافتراض بأنه يضطر الى استخدام القوة فقط في الحالات الخطيرة جدا.

ولكن الواقع أوجد وضعا مختلفا. عمليا، الحديث لا يدور عن محقق فرد يواجه معضلة اخلاقية شديدة. هذا مواجهة تنظيمية فيها المحققون يعملون حسب تعليمات المستويات الاعلى، في حين أن المستويات الاعلى تعمل حسب توجيهات المستشار القانوني للحكومة. أي أنه يمكن القول بأن عنصر الخطر الذي كان يجب أن يكون موجود لردع الاستخدام المفرط للعنف، تلاشى عمليا.

لذلك، يجب علينا أن نضيف بأنه لا يوجد توثيق كامل للتحقيقات والسياسة هي منع تحقيق جنائي حتى عندما يكون واضحا أنه تم استخدام العنف. النتيجة هي أن ما كان ينبغي أن يكون معفيا من التهمة، اصبح في الحقيقة تصريح مسبق من البداية. مقاربة تقرير لنداو التي اخرجت من الباب عادت من النافذة. لا يمكن تعزية انفسنا بأن هذا السماح استهدف فقط الحالة النادرة للقنبلة الموقوتة، حتى قرار المحكمة العليا لا يقلص الحاجة فقط في حدود القنبلة الموقوتة.

اضافة الى ذلك، دائما يمكن القول، مثلما قيل ايضا في حالة سامر العربيد المتهم بقتل رينا شنراف، إن الضغط كان مطلوبا لمنع عملية في المستقبل. وواهمون ايضا من يميزون بين التعذيب الممنوع دائما، وبين الضغط الجسدي الذي لا يصل الى درجة التعذيب. الفرق هو في نظر المراقب. وهناك فجوة كبيرة بين رؤية المحقق (والجماعة التي يمثلها) الذي يستخدم العنف وبين رؤية المحقق معه الذي يتعرض للعنف.

عندما تحدث "حادثة عمل" ويصاب المحقق معه اثناء التحقيق بإصابة بالغة، مثلما حدث في حالة العربيد، يرد الجهاز باستغراب وكأن ما حدث غير متوقع. صحيح أن هذه الاحداث هي نادرة، لكنها ايضا حدثت في السابق، ويجب عدم الدهشة منها. عندما يبدأون في استخدام العنف يكون من الصعب التوقف، ايضا بسبب أنهم يعملون على أن يخرجوا من المحقق معه المبرر للعنف المستخدم ضده من البداية، أي التدهور يكمن في نفس العملية.

والاخطر من ذلك هو أنه من اجل أن يتمكن المحققون من استخدام العنف ضد شخص لا يمكنه الدفاع عن نفسه، يجب عليهم ايجاد مبرر لأنفسهم، والافتراض بأن الامر لا يتعلق بانسان كامل. اذا كانت اخلاق المحرمات التي تقتضي الدفاع عن الشخص من العنف، فان الحواجز تذوب ايضا من زيادتها. من الواضح أن هذا نتيجة غير مرغوب فيها. شخص محقق معه يحتضر أو فاقد للوعي لا يمكنه اعطاء معلومات. الاسم المهني للتنظيم تضرر ويمكن أن تكون هناك تداعيات على الجنود الذين يوجدون لدى العدو. ولكن لا يمكن التملص من المسؤولية عن هذه النتيجة.

حيثما يسمحون باستخدام القوة في التحقيق، يكون هناك مصابون وحتى قتلى. كل من يشاركون في اعطاء الاذن، في المقام الاول الذين يراقبون بموافقة على المشهد، لا يستطيعون التملص من ذلك. سيكون هناك من يقولون لا يوجد مناص. عندما يتم قطع الاشجار تتناثر شظاياها، لكن هذا التشبيه يدل على مزاج من هم مستعدون لتحمل المخاطرة، هم لا يعتبرون المحقق معهم بشر. حقيقة أنه عندما يتم استخدام وسائل استثنائية اكثر اعتدالا بكثير مع اليهود المشبوهين بتنفيذ عمليات ارهابية، فان الارض تهتز.

يوجد شيء من الرمزية في أن ما حدث وقع في الايام الفظيعة التي هي ايضا ايام فوضى. يجدر بنا أن نجري نقد للذات، هل هكذا يجدر أن يفعلوا باسمنا ولصالحنا؟ صحيح أنه لا يوجد شيء أسمى من هدف انقاذ الحياة، لكن ليس هناك ما هو مرفوض وقبيح اكثر من كسر عنيف لقوة مقاومة الانسان. هل ندرك أن الهدف الاكثر اهمية يشرع كل الوسائل؟ جميعها، وحتى آخرها، التعذيب؟

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب