news-details

شعبنا يُشبه مسيرة العودة

لم يكن فحيح الانتخابات التي عادت وأفرزت المجرم الأكبر بائتلافه الساقط بنيامين نتنياهو، ولم تكن ريح الانقسام الذي ولده تفكك القائمة المشتركة قد عبر، لتأتي ذكرى النكبة وتطرح نفسها، كأنها تخاطر بذاتها... هل تذكرون، أم نسيتم؟

أمام كل التحديات التي تواجه شعبنا في الداخل، والتي تكاد تكون حصارًا مطبقًا، فليس أمامنا سوى عدو فاشي وليس خلفنا سوى البحر، وبين الأمرين نختار مقولة الشّاعر الراحل محمود درويش "حاصر حصارك لا مفر".

كثيرة هي الشّكوك التي أحاطت مسيرة العودة هذا العام خشية أن تخفت أو أن يبرد لهيبها. ومع ذلك، كانت مسيرة هذا العام إلى خبيزه واحدة من أبهى مظاهرات العودة (وأكاد أقول انتصارات)، في زمن تشتّت فيه كل شيء وتشرذم، وهي وحدها سطرت بيانا من أقوى البيانات، التي تدعو للتشبث بالهوية التي أضحت قضية، وبالقضية التي تجذرت هوية.

آلاف الشباب والشابات يرفعون العلم الفلسطيني بقاماتهم الجبارة، التي التحم جبينها وعلمها بسقف السماء.. كبار السن صخور البلاد التي نستل منها ذاكرتنا ونبني على سقفها الحائط تلو الآخر، يغمرهم الحنين، وعيونهم تتلألأ وتشع ابتسامات للجيل الشاب مرسلة التحايا والطمأنينة.

الأطفال كأنهم أزهار وورود نبتت فور سماع هدير العائدين، متناغمة بالمكان وبنسماته وألوانه..مؤكدةً مُتأكّدةً أنُّه الوطن. نساء شعبنا يتألقن شامخات باسلات يمنحن للوطن ما يليق به ليكون وطنًا، ويأخذن منه حبًّا وعطاءً وسلامًا.

تدخل إلى أرض المهرجان فتجد المنصة، مكسوة بصور عشرات المبدعين الفلسطينيين (كتابا وشعراء، ممثلين وادباء وفنانين) منهم من اغتالته أذرع الكيان الصهيوني الاستعماري، ومنهم من انتهت فاتورة أيامه غير العادية تاركين بصماتهم التي لقحت وأبدعت وأرّخت قصة الهوية الوطنية الفلسطينية.

يبدأ المهرجان..عريفة بصوت الشباب والعنفوان وعزة النفس تحيي الحضور، وبجانبها عريف لاحقه المشيب يطلب من الحضور الوقوف دقيقة حداد على شهداء شعبنا، ويمضي مطالبًا في استمرار إنشادنا للنشيد الوطني الفلسطيني غير الرسمي "موطني".

لمى ابو غانم تعتلي المنصّه ويُرافقها عود أشَمّ، تطير بنا فوق قرانا المهجرة حينا، وفوق مدننا وقرانا المنكوبة بأزمة السكن والسير والعنف والاحتقان، بفعل سياسة الخنق والتضييق حينًا آخر، لتعيدنا إلى أصل القصة..إلى خبيزة النكبة والعودة.

يعتلي عجوز وسيم كبير شائب، يروي لنا ذكريات خبيزة بروح طفل لم يبلغ الأربع سنوات، وتكاد لا تمل من حديثه وتتمنى أن تجلس عمرًا في عينيه الغائرتين في شفق الذكريات.

الكلمات والخطابات بالعربية والعبرية تؤكد على ضرورة الاستشفاء من آثار النكبة وهذا يتطلب أن نكون "كأننا عشرون مستحيل في اللد والرملة والجليل"، وبين المأثور والمنثور عشرات الصبايا والشباب ينظمون حتى دقات قلوب الحاضرين بعنفوانهم والتزامهم -كأنما ينفذون وصايا مقدسة- لتنظيم المسيرة وإنجاح المهرجان.

كل ما كان على أرض المهرجان يذكرنا بقصة شعبنا، ويؤكد لنا ضرورة متابعة المسيرة..مسيرة التحرر والعودة، وان لا تحرر بلا عودة ولا عودة الا بطريق التحرر.

لقد سمعنا عن دولٍ وجيوش تخشى دولًا وجيوش، أما أن يخشى عدوك من "هوية" أنت متمسك بل ومتشبّث بها، فهذه سمة عصرنا وقضيتنا وامتحاننا.

اننا ننتصر كل يوم على مجمل المخطط الصهيوني بفكره وسلاحه حين نؤكد بوعينا ولا وعينا "أننا لو جوبهنا بالموت نفسه" لا يمكن أن ننسى أصلنا العريق أننا جزء حي وواع من الشعب العربي الفلسطيني.

مسيرة العودة هذا العام كما كل عام، كانت زاهية ربيعية تربي الأمل على طيات الألم، وتختار لشعبنا الطريق والوجه المناضل المكافح الحضاري القابض على حقه ومسيرته.

لنا في العودة حياة وفي الحياة عودة..

 (طمرة)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب