news-details

فخورٌ بأهلي|  د. إلياس زيدان

حيفا الوطن – 16.5.2021

 

يُختَبر الإنسان وتُختَبر المجتمعات المحلّيّة والشعوب والأمم في أوقات الشّدائد. وما أشدّ هذه الأيّام علينا جميعًا في الوطن الكبير كما في الوطن الصّغير "حيفا". أودّ مشاركتكم أيّها الأعزّاء والعزيزات بعض ما أشاهد بعينيّ وأسمع بأذنيّ وأجرّب مع أهلي هنا. عصابات المتطرّفين من داخل حيفا ومن خارجها ضدّنا، الشرطة و"قوّات الأمن/العنف" ضدّنا والإعلام العبريّ ضدّنا... وحدّث ولا حرج!

من معنا؟ نحن معنا. في هذه الأيّام طَفَت على السّطح، بكلّ قوّتها وجمالها، لُحمة الأهل من نساء ورجال، من شباب بالسّنّ وشباب بالرّوح من الحارات المختلفة ومن الطوائف المختلفة، مجتمعين تحت سقف حيفاويّتنا وتحت سقف فلسطينيّتنا وتحت سقف عروبتنا وتحت سقف إنسانيّتنا. في هذه الأيّام جلجلت، ولا تزال، المروءة والشّهامة والعزّة والنّخوة والشّجاعة العربيّة. انطلقت من مستوى الأقوال إلى مستوى الأفعال.

على الرّغم من الهجمات علينا في الحيّز العامّ كما داخل بيوتنا وعلى ممتلكاتنا من طرف العصابات اليهوديّة و"قوّات الأمن/العنف" الإسرائيليّة، وقفنا وما زلنا وقفة إنسان واحد. في حيفانا كما في حيّنا "وادي الجمال" المُطِلِّ على بحرنا (الذي قال فيه الدّرويش "أحبُّ البحار التي سأحبُّ/ أحبُّ الحقول التي سأحبُّ/ ولكنّ قطرةَ ماءٍ بمنقارِ قُبَّرة في حجارة حيفا/ تعادلُ كلّ البحار"). قرّرنا أنّ "ما حكّ جلدك مثل ظفرك". أيقنّا أنّ الطّرف الآخر المهاجِم ضعيف بأسلحته الثّقيلة والخفيفة، وبأنّنا أقوياء بعدالة قضيّتنا وبحقّنا في الحياة وبصمودنا السّلميّ. هم لا يدرون أنّ أسلحتهم وعنفهم تدلّ على ضعفهم وجبنهم الدّاخليّ، وأنّ وقفتنا الشّجاعة-السّلميّة هي دليل على قوّتنا وشجاعتنا الدّاخليّة. نعم، فجذور الشّجاعة والجُبن والقوّة والضّعف مغروسة في النّفوس.

في وطني الكبير كما في وطني "الحيفاويّ" أشرقت روح التّكافل بأوجهها الجميلة. والمجتمع المتكافل من جهة، وصاحب القضيّة الأخلاقيّة العادلة من أخرى، منتصر. هذا ما نتعلّمه ونُعلّمه للعالم من تجاربنا، وهذا ما تعلّمناه من نضال إخواننا السود في أمريكا وفي دولة الأبارتهايد جنوب إفريقيا، وفي غيرها من الأماكن. تعلّمنا أنّ الغلبة في نهاية الأمر لصاحب الحقّ الأخلاقيّ والخسارة لصاحب السلاح والعنف والشّراسة. نعم، عنفهم يُلحقُ الأذى بنا كأفراد وكأُسَر وكمجتمع. وكلّكم ترون بأمّ العين، ومن خلال شبكات التّواصل الاجتماعيّ، عنفهم. لكنّهم لا يدرون أنّه "لا يزيدنا العنف إلّا عنفوانا".

وإلى شبابنا بالسّنّ أقول شتّان ما بين "الخوف" وبين "الجبن". الخوف ظاهرة إنسانيّة طبيعيّة وصحّيّة. وعليه، فالخوف شرعيّ والمجاهرة به شرعيّة والتّعامل معه بمساعدة صاحبات وأصحاب الاختصاص شرعيّ. الإنسان السّويّ يخاف في مواقف معيّنة. الوعي لهذا الخوف والمجاهرة به ومحاولة معالجته عند الضرورة قد تمنع الفرد والمجتمع من التّدهور إلى حالة الشّلل. عندما هاجمتنا عصابات المتطرّفين في "وادي الجمال" قبل ليلتين تتقدّمها سيّارة "رجال الأمن/العنف"، خِفتُ. وقفنا مع بعض الأهل وقفة سلميّة ووصلوا مدجّجين بأسلحتهم. لكنّ الخوف لا يعني الجبن. الجبان هو الإنسان الأنانيّ غير المتكافل مع أهله صاحب المقولة "أنا ومن بعدي الطوفان". الشّجاعة والخوف توأمان سياميّان. في الموقف الذي نحن فيه في حيفا على وجه التّحديد قمّة الشّجاعة تتجلّى بوقفتنا الأهليّة في الشوارع والبيوت وعلى شبكات التواصل الاجتماعيّ معزّزين بقيمنا وبعدالة قضيّتنا. نقف وقفة الشّجعان مع بعضنا البعض ويساورنا بعض الخوف، ولكنّ الجُبنَ غريب عنّا.

يزيد فخري في هذه الأيّام بأنّني ابن لحيّنا وادي الجمال ولحيفا ولشعبي الفلسطينيّ ولأمّتي العربيّة. في هذه الأيّام يدبّ فيّ الأمل بأنّ لا بدّ لهذه الأمّة أن تنهض.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب