news-details

لا يجب على الجماهير العربية أن تنضم للاحتجاجات، بل أن تقودها | نعيم عوني موسى

منذ أن خرج آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع للتظاهر مرة أخرى احتجاجًا على الانقلاب القضائي من قبل نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف، بدت مسألة مشاركة الجماهير العربية الفلسطينية في هذا الحراك المسمى "مناهضا للديكتاتورية" محور الأحداث.

كانت مشاركة المواطنين الفلسطينيين في الداخل غائبة تقريبًا في المظاهرات، خاصة في المظاهرات الرئيسية في منطقة تل أبيب، ولكن هنالك زيادة ملحوظة في مشاركتهم في الأيام الأخيرة. الحقيقة البسيطة هي أن بحرًا من الأعلام الإسرائيلية التي يحملها الإسرائيليون اليهود للدلالة عن دفاعهم عن "الديمقراطية الإسرائيلية" ماهي إلا عبارة عن صفعة للمواطنين الفلسطينيين، الذين لا يرون فيها إلا رمزًا للقمع والظلم.

هنالك اتفاق نوعًا ما في المجتمع الفلسطيني في الداخل هو أن هذه ليست "احتجاجاتنا" وأن "صراعهم ليس صراعنا". هذا صحيح. فالرسائل والصرخات الحالية للمتظاهرين ليست لإصلاح النظام القضائي، ولا حتى الدولة بأكملها، للتخلص من طبيعتها القمعية والاستغلالية، وإنما هم يريدون فقط الحفاظ على الوضع الراهن. وبينما هناك بعض الدعوات الفردية لإنشاء دستور وغيرها من التدابير لإنشاء نظام سياسي وقضائي أكثر استقرارًا، فإن الغالبية العظمى من المتظاهرين يعارضون التعديلات القانونية التي يقودها نتنياهو، ولا يعارضون النظام العنصري في اسرائيل.

لكن من جهة أخرى فإن هذا هو صراعنا أيضًا. وبينما يصعب تقدير تأثير التعديلات القضائية واسعة النطاق وقياسها حاليًا، فإنه لا يوجد شك بأن الفلسطينيين، سواء في إسرائيل أو الأراضي المحتلة، سيكونون المستهدف الأول من هذه التعديلات القانونية.

الأهم من ذلك، فإن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل هم القوة السياسية والاجتماعية الأكبر والأكثر تماسكاً في المنطقة منذ عام 1948. وبعبارة أخرى، فإن كتلة المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل هي القوة المعارضة الأكبر والأكثر صموداً في المنطقة.

لذلك، من الضروري أن يكون المواطنون الفلسطينيون حاضرين في الاحتجاجات. ومع ذلك، فإن ذلك لا يعني أنهم يجب أن يتبعوا أو يتبنوا الدعوات الوهمية واليوتوبيا لـ "الديمقراطية" التي تتغلغل في أوساط الجمهور الإسرائيلي. فهذه المطالب الفارغة والمثالية للديمقراطية وحقوق الإنسان و "التوازنات" تخلو تمامًا من الفهم المادي لوظائف الدولة والدور الذي تلعبه في استمرارية النظام الحالي للاحتلال والاستغلال والقمع.

هذه الأوهام حول الديمقراطية هي نتيجة للتلاعب والخداع الذي تقوم به "المعارضة المزيفة" في إسرائيل. فهذه المعارضة المزيفة، التي يقودها أشخاص مثل يائير لابيد (يش عتيد) وبيني غانتس (همحنيه همملختي) ميراف ميخائيلي (العمل) أفيغدور ليبرمان (يسرائيل بيتنو)، لا تهتم سوى بالتعديلات القانونية لأن ذلك يعني أنهم سيفقدون القوة التي يحتاجونها لدفع أجنداتهم الاستغلالية والقمعية الخاصة. وهم يقدمون وعودًا فارغة بـ "النضال" من أجل الديمقراطية بينما يقومون بعروض تمثيلية لمنع الجماهير من تطوير الوعي الطبقي الذي سيوحد المواطنين ضد الطبقة الحاكمة التي تخدمها هذه الأحزاب.

في الوقت نفسه، أثبت الحزب شيوعي والجبهة أنهما الطليعة الحقيقية للجماهير في النضال ضد الاستبداد والفساد للطبقات الحاكمة، حيث أن كتلة الجبهة البرلمانية وحلفائها في الحركة العربية للتغيير بقوا في الكنيست لأكثر من 24 ساعة متواصلة لتحدي والتصويت ضد جميع المواد المقترحة من الحكومة. وكانت كتلة الجبهة والعربية للتغيير هي الكتلة الوحيدة من المعارضة التي حضرت الجلسة الأولى بالكامل للتصويت على التشريعات المقترحة.

فقط 60٪ من أعضاء الموحدة، نصف حزب العمل، ربع حزب همحنيه همملختي (مع تصويت عضوين منه لصالح القانون!)، وفقط 12٪ من أعضاء يش عتيد حضروا. جميع هذه الأحزاب قد تخلت منذ فترة طويلة عن الشعب الذين يدعون تمثيلهم، ومعارضتهم ليست سوى مسرحية سياسية لاستعادة السلطة وقمع الشعب بنفس الأساليب التي تقوم بها الحكومة الحالية عندما يتصدى الشعب لهم مجددًا.

فقط للتوضيح من أجل التوضيح  أن هذه المعارضة هي مزيفة، فقد دعا زعيم يش عتيد زملاءه في  أحزاب المعارضة (أي المعارضة المزيفة) إلى اجتماع لم يحضره سوى لبيد، وبيني غانتس، وميراف ميخائيلي، أفيغدور ليبرمان، وعندما سألهم الصحفيون عن غياب الأحزاب العربية (التي تمثل معًا ما يقارب ال 20٪ من المعارضة في الكنيست!)، صرح لابيد بأن رئيس القائمة الموحدة منصور عباس تم دعوته في حين لم تتم دعوة رئيس قائمة الجبهة والعربية للتغيير أيمن عودة، مدعياً أن كتلة الجبهة والعربية للتغيير تعاونت مع الليكود لإسقاط الحكومة السابقة! وأن لابيد لن يدعو كتلة الجبهة والتغيير مادامت مازالت تتعاون وتنسق مع الليكود! وهنا يثبت لابيد وحلفاءه مجددًا أن سياستهم وبرنامجهم ليسا مختلفين عن تلك التي يتبناها نتنياهو وحلفائه. كما وتؤكد الجبهة ويؤكد الحزب الشيوعي بسياستهما تمثيل المعارضة الحقيقية والتصدي للنظام الذي يضطهد الناس والهيكلية السياسية والبيروقراطية التي تدعم توسع نفوذ هذا النظام، بما في ذلك الأحزاب السياسية التي تكذب وتخدع الناس.

يجب أن يكون الدور الذي تلعبه الجبهة في الكنيست هو نفس الدور الذي يجب أن تلعبه الجماهير العربية الفلسطينية في الاحتجاجات. لا ينبغي لهم الانضمام إلى الاحتجاجات ومجرد اعتماد رسائلها، كما فعلت الموحدة عندما انضمت إلى الإئتلاف الحكومي الذي أدت سياساته إلى قتل 231 من شعبنا الفلسطيني بما في ذلك 5 من المواطنين الفلسطينيين في الداخل دون أي معارضة من الموحدة. يجب على الشعب الفلسطيني أن يصبح القوة الرائدة في الاحتجاجات، والوقوف في الصفوف الأمامية وتوعية بقية الجمهور الإسرائيلي حول الارتباط المباشر بين الاحتلال والهيمنة الحالية للطبقة الحاكمة عليهم.

بخلاف الجمهور الإسرائيلي، فإن المواطنين الفلسطينيين في الداخل يمتلكون تجربة مباشرة في التعامل مع المنظومة، وعلى المواطنين اليهود الانضمام إلى الجماهير العربية الفلسطينية. إن المواطنين الفلسطينيين تعرضوا للحكم العسكري لأكثر من 20 عامًا، وما زالوا يعانون من سياسات التمييز الممنهجة والاستغلال في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية. والأهم من ذلك، أنهم تعرضوا للظلم من قبل جهاز القضاء الذي ينادي المحتجون اليوم بحمايته.

بمعنى آخر إن أي مظاهرات احتجاجية في اسرائيل يكون في صلبها الجماهير العربية الفلسطينية يكون نضالهم ضد النظام الاقتصادي والسياسي الحالي، وأن تحررهم يمكن أن يأتي من خلال تفكيك الهياكل المؤسسية والبيروقراطية التي تدعم النظام وإعادة بناء وهيكلتها لتكون مؤسسات لجميع المواطنين.

الآن هو الوقت المناسب للمواطنين اليهود للاعتراف بالمشكلة الأساسية في النظام الإسرائيلي والتراكمات التي أدت إلى الوضع الراهن. التعديلات القانونية التي قادها نتنياهو لا تقوم بتفكيك جهاز القضاء ولا الديمقراطية، بل هي تركيز وتوسيع سلطات الأجهزة البيروقراطية التي تشكل الدولة. إسرائيل قبل حقبة نتنياهو والحكومة اليمينية الحالية لم تكن ديمقراطية للشعب. لم تقم بخدمة جميع المجموعات الإثنية أو بحماية حقوقهم. كانت أسس الدولة التي تم بناؤها على الطرد والاستغلال والاحتلال والقمع قد حددت بالفعل المسرحية لحكم متزايد من الاستبداد والتحكم من قبل مجموعة واحدة على الأخرى.

يمكن للجماهير العربية الفلسطينية الانخراط مع الجمهور اليهودي-الإسرائيلي، خاصة الآن حينما يكون هذا الجمهور عرضة لتنامي وازدياد الوعي الطبقي والسياسي، لتعرية وتوضيح كيف أن القمع المنهجي للشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة والقمع وسياسات التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل لا يمكن فصلها عن السيطرة اليمينية المتطرفة والمستوطنين على الحكومة. للاعتراف بأكاذيب الأشخاص مثل لابيد وميخائيلي والصراع بين النخب على السلطة واستخدام نفس الأساليب القمعية. إن الجماهير العربية الفلسطينية الذي طالما كان في طليعة حركات الشعوب التقدمية والعاملة يجب أن يقود النضال ضد اليمين المتطرف والسياسيين المتسلطين.

(الناصرة)

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب