news-details

هكذا تخلق وسائل الاعلام العنصرية

*خلافا لما نتحدث به بين أنفسنا فان اغتصاب الطفلات يهمنا مثل قشرة الثوم. وهو يهمنا فقط اذا تبين لنا بأن الشخص المغتصب هو عربي أو من اريتيريا. وعندما تتم تبرئتهم فان القصة تنتهي*

 

ثلاثة عناوين كبيرة في مواقع الاخبار الرائدة من الاسبوع الماضي. عنوان "يسرائيل هيوم" كان "أمر صادم: أحد الرعايا الاجانب (47 سنة)، متهم باغتصاب طفلة إبنة 4 سنوات في تل ابيب. المغتصب هو أحد معارف العائلة من اريتيريا، الذي اغتصبها كما يبدو عندما كانت في شقة والدها".

وعنوان موقع "واي نت" كان "مشبوه عمره 47 سنة، قام باغتصاب طفلة إبنة 4 سنوات في تل ابيب. وحسب اقوال الشرطة، الشخص الذي تم اعتقاله في الاسبوع الماضي هو من اريتيريا".

وعنوان موقع "واللاه" كان "أحد الرعايا الاجانب، من سكان تل ابيب، تم اعتقاله للاشتباه باغتصاب طفلة في شقة والدها. محققو الشرطة قاموا باعتقال شخص يبلغ 47 سنة بتهمة أنه اعتدى جنسيا على طفلة كانت تعيش مع والدها في شقة توجد في المدينة".

هكذا الصورة واضحة، أليس كذلك؟ متسلل من اريتيريا قام باغتصاب (مرة اخرى كعادته) طفلة يهودية طاهرة، إبنة 4 سنوات، خلال استضافته في منزل والدها. الامر الذي يثبت كما يعرف معظمنا أصلا، أن جميع المتسللين من افريقيا هم قتلة ومغتصبون. ولكن هل هذا صحيح؟ في موقع "كان" تم نشر الخبر بدون ذكر قومية المشبوه. وفي موقع "هآرتس" لم يتم ذكر الجنسية في العنوان. ولكن في المقال كتب بأن "أبناء العائلة والمشبوه هم مواطنون من اريتيريا".

هل يمكن أن تكون هذه القصة ليست بالضبط مثلما رسمتها "واللاه" و"واي نت" و"اسرائيل اليوم"؟ المشبوه هو حقا من اريتيريا، والطفلة ايضا من اريتيريا. والجريمة ليست اذا حدثت، أقل فظاعة من ذلك، لكن هذا ليس اغتصاب آخر ليهودية من قبل متسلل من افريقيا، كما رسمت المواقع الثلاثة، سواء بشكل خاطئ أو بشكل متعمد.

بشكل عام، لماذا اعتادت وسائل الاعلام الاسرائيلية (ليس جميعها ولكن معظمها) الاشارة الى جنسية المشبوهين بجرائم خطيرة عندما يكونون من الرعايا الاجانب أو الفلسطينيين، لكنهم لم يكتبوا في أي يوم، لنفترض "يهودي من اصل مغربي أو روسي أو بولندي، مشبوه بقتل عنيف لزوجته"؟

اذا كانت توجد صحيفة أو موقع ما يتجرأ على نشر عنوان بهذه الصيغة، لكان كل اليهود من المغرب ومن روسيا ومن بولندا ومن اسرائيل بشكل عام، سيخرجون عن اطوارهم من شدة الغضب على هذه الشتيمة العنصرية الفظيعة، أليس كذلك؟ اجل هذا صحيح وبحق. ماذا كنتم ستقولون لو أنهم كتبوا في خبر في الصحف المحلية عن اشتباه بالاغتصاب مشابه في فرنسا أو كولومبيا أو سنغافورة، بأن يهودي عمره 47 سنة تم اعتقاله للاشتباه باغتصاب طفلة ابنة 4 سنوات؟

والاسوأ من ذلك، اذا اشارت صحيفة "اسرائيل اليوم" وموقع "واي نت" وموقع "واللاه" الى جنسية المشبوه بالاغتصاب الاجنبية فلماذا لم يشيروا ايضا الى جنسية الطفلة التي تم اغتصابها؟ لماذا نشروا بأن المهاجم كما يبدو هو من الرعايا الاجانب من اريتيريا ولم ينشروا بأن الطفلة التي تمت مهاجمتها هي مثله من اريتيريا. فهل فعلوا هذا بشكل متعمد لخلق نبأ عنصري مثير وكاذب ومحرض، أم أن هذه العنصرية تخرج منهم بشكل طبيعي؟

في الغد، بالمناسبة، تم اطلاق سراح المشبوه الذي اتهم باغتصاب الطفلة بشروط مقيدة بعد أن لم تثر شهادة الطفلة أمام محققة الاطفال "أي شك ضده"، هذا ما كتب في موقع "هآرتس". وفي موقع "كان" كتب ايضا خبر عن اطلاق سراح الشخص، حيث أن "الطفلة اجتازت تحقيق في نهايته تولد لدى الشرطة الانطباع بأنه لا يمكن دعم الشكوك ضد المشبوه". ولكن فقط في هذين الموقعين اللذين يبدو أنهما، ليس صدفة، الموقعين اللذين لم يذكرا جنسية المهاجم اثناء الاعتقال، نشر بشكل عام خبر عن اطلاق سراحه. في المواقع الثلاثة الاخرى، التي نشرت الخبر عن الاعتقال بالصورة العنصرية المحرضة، لم تنشر ايضا واقعة اطلاق سراحه. الخبر العنصري عن اعتقاله بقي لديهم كما هو، يعزز ويرسخ لدى آلاف القراء مواقفهم العنصرية – القومية المتطرفة المسبقة.

إن الامر الذي بالطبع يرسلنا الى الفرية الفظيعة التي تم عرضها في وسائل الاعلام الاسرائيلية فقط قبل بضعة اشهر (ربما نسيتم ذلك) عن فلسطيني باسم محمود قطوسة. لقد اعتقل مدة شهرين، وحتى تم تقديمه للمحاكمة بتهمة "اغتصاب وحشي"، فعله بطفلة (يهودية، أليس كذلك؟) إبنة 7 سنوات. وفي نهاية المطاف أطلق سراحه بدون تهمة وبدون أي شيء. حينها، للتذكير، في ليلة في منتصف شهر حزيران افتتحت النشرات الاخبارية الثلاثة في القنوات الرئيسية دفعة واحدة، وكأن الأمر بتعليمات موجهة من أعلى، مثلما في كوريا الشمالية أو ايران، بنبأ صارخ عن فلسطيني يعمل في مؤسسة تعليم في مستوطنة، تم نشره اسمه بالطبع، قام باغتصاب طفلة يهودية بصورة وحشية إبنة 7 سنوات.

في الايام التالية انضمت ايضا الصحف ومواقع الاخبار الى الاحتفال العنصري – القومي المتطرف الهستيري. "الطفلة بكت، الفلسطيني اغتصب واصدقاءه ضحكوا"، كتب في "واي نت"؛ لائحة اتهام مخيفة: "فلسطيني قام باختطاف طفلة إبنة سبع سنوات واغتصبها"، كتب في "اسرائيل اليوم". وشرحت "لقد اقتادها بالقوة الى مبنى وهناك اسقطها على الارض ومس بها جنسيا وهي تصرخ طالبة المساعدة". الموقع الصهيوني – الديني "سروغيم" أصيب بالذهول "البطن تتلوى، طفلة إبنة سبع سنوات تم اغتصابها بشكل وحشي من قبل فلسطيني". ايضا صحيفة "هآرتس" سقطت في الشرك، على الاقل في البداية، وكتبت "فلسطيني متهم باغتصاب طفلة إبنة سبع سنوات، في الوقت الذي كان فيه اصدقاؤه يمسكون بها"، واضافت "على ضوء صوت ضحك اصدقائه".

السياسيون الكبار والكاذبون والمحرضون العاديون قفزوا على الفور وانقضوا على هذا الاكتشاف. رئيس الحكومة نتنياهو كتب في تويتر "الاغتصاب الصادم لطفلة صغيرة يؤلم قلوبنا. أنا أطلب دعم العائلة. ويجب على المحاكم تطبيق اقصى العقوبة على المسؤول عن هذا العمل الفظيع". الليبرالي الكبير افيغدور ليبرمان كتب "حادثة اغتصاب الطفلة إبنة السبع سنوات من قبل فلسطيني تسببت لي بالصدمة العميقة. هذا ليس مرض حب الاطفال، بل هو ارهاب خالص. هذه عملية مخططة بشكل جيد ضد طفلة صغيرة وبريئة وعاجزة. هذا بالضبط حالة من الحالات التي لم أكن لأتردد وأطلب من المحكمة فرض عقوبة الاعدام على الارهابي المقيت". وسعادة الوزير بتسلئيل سموتريتش اضاف "لو كان بالامكان فرض عقوبة الاعدام على هذا الشخص الحقير. هذا الوحش لا يحق له التنفس في عالمنا هذا".

هنا تبين أنه لا يوجد أي شيء. ربما أن الطفلة تم اغتصابها، وهذا ايضا لم يتضح بعد تماما، لكن ذلك لم ينفذ من قبل الفلسطيني محمد قطوسة، الذي تم اطلاق سراحه وعاد الى بيته. وما الذي حدث بعد ذلك؟ هل أحد رجال الاعلام أو السياسيين القوميين المتطرفين والعنصريين والمحرضين الذين شاركوا في هذه الفرية تراجع عن اقواله واعتذر وطلب العفو؟ وهل قال أي شيء عن ذلك في يوم الغفران؟ لا شيء.

منذ اللحظة التي تبين فيها أن من اغتصب الطفلة ليس فلسطينيا، فان وسائل الاعلام بشكل عام فقدت الاهتمام بالقصة، لأنه خلافا لما نتحدث فيه بين أنفسنا، هذا ليس لأننا مصابين بالصدمة من عملية الاغتصاب لابنة الاربع أو سبع سنوات، بل اغتصاب الطفلات يهمنا مثل قشرة الثوم. وهو يهمنا فقط اذا تبين أن المغتصب هو عربي فلسطيني أو زنجي من السودان. لماذا؟ الاجابة بسيطة وهي لأننا عنصريين، ببساطة.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب