news-details

"الرأسمالية تَضُر أكثر مما تَنْفَع"

المؤسسات العولمية وإعادة دور الدولة

البروفيسور غاي موندلك المحاضر في كلية الحقوق ومسار علاقات العمل في جامعة تل أبيب، أكد في محاضره هامة له امام المشاركين في "مؤتمر إيلات لعلاقات العمل" نهاية الاسبوع الماضي، أنه ووفق تقارير مؤسسات العولمة العالمية هناك إتجاه واضح، ألا وهو إعادة دور الدولة في علاقات العمل والإقتصاد، وأنّ الإتجاه يسير نحو العودة الى العمل المُنَظَم، وأضاف: "مفهوم الخصخصة الذي هيمن منذ عدة عقود بدأ يتصدع، حيث بدات مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، الذي كان يمثل جناح اليمين للنيوليبرالية، يطرح اليوم برامج تتحدث عن كيفية تنظيم سوق العمل، لأن عدم التنظيم لسوق العمل يزيد من عدم المساواة".

واضاف: "في جميع التقارير نشاهد مفهوما مثير للإهتمام، إعتقدنا انه تم إخفاؤه في العالم المعولم، الا وهو إعادة دور الدولة، أي على الدولة تنظيم سوق العمل..." كما واكد بروفيسور موندلك، أن هذه المؤسسات العولمية كانت قد حاربت تدخل الدولة في عالم العمل والإقتصاد وفرضت سياسات الخصخصة، هي نفسها، تُطالبها اليوم بأن تتدخل، وأن تضع حد أدنى للجميع والإهتمام بوجود جهاز ضمان إجتماعي حكومي والقيام بالتشجيع على الإنضمام لتأمين الضمان الإجتماعي وتنظيم سوق العمل.

أقوال بروفيسور موندلك هذه تعبر عن إنقلاب في سياسة المؤسسات الراعية والداعمة للسياسة النيوليبرالية، وهي التي كانت نزعت الصلاحيات من الحكومات بما يتعلق بالتدخل في سوق العمل والضمان الإجتماعي وفرضت على الدول القيام بالخصخصة، فهل الموقف الجديد لهذه المؤسسات هو نوع من بداية الإعتراف بفشل اقتصاد السوق؟؟"

لكننا نعي جيدًا أن "سادة الكون" لن يُهزموا بهذه السهولة، والسؤال الذي يطرح نفسه إزاء هذا التغيير هل نحن نتواجد على عتبة تغير أو بداية تحطم لما سُمي "إرادة المال" وعدم تمكنها من مواصلة سياساتها بأن :" تقرر من له الحق بالوجود أو العدم".

يرتبط هذا بنتائج الإستطلاع السنوي وما يكشف عنه  "مقياس إيدلمان ترَست 2020" أي مقياس الثقة، من شعور عالمي يتعلق بالأمن التشغيلي وهيمنة الراسمالية وغيرها.

 

هل هي بداية تصدع العولمة؟

تُصدر شركة، أو مؤسسة "إيدلمان " نتائج الإستطلاع السنوي الذي تجريه على عينات من سكان الدول المتقدمة او المتطورة على حد تعبيرها تحت عنوان "مقياس إيدلمان ترست" (مقياس الثقة)، هذا "المقياس" تعمل هذه الشركة على إصداره منذ عقدين من الزمن، وإصدارها هذا العام هو الإصدار الـ 20، وكما اشرنا سابقا يحمل عنوان: "مقياس إيدلمان ترست 2020"، مختلف المعطيات التي جاءت هذا العام نستطيع ان نقول وبحذر ربما تحمل لنا عددا من سمات بداية تصدع العولمة وسياساتها، بما في ذلك الخصخصة وفتح الاسواق، بل عودة الدولة لتأخذ دورها من جديد في تنظيم سياساتها الاقتصادية والإجتماعية.

 

الرأسمالية تَضُر ولا تَنْفَع العالم

 

مؤسسة "إيدلمان" هي شركة للدعاية، مقرها الولايات المتحدة الامريكية، ولها فروع في مختلف انحاء العالم، يعمل فيها اكثر من 6000 آلاف موظف، تقوم بإعداد هذا المسح الإستطلاعي حول مختلف السياسات الإقتصادية والتشغيلية والإعلامية وما هو منسوب الثقة بها.

بداية "يكشف مقياس إيدلمان ترست 2020 عن أنه على الرغم من الإقتصاد العالمي القوي والعمالة شبه الكاملة، فإن غالبية المشاركين في كل سوق متطور لا يعتقدون أنهم سيكونون في وضع أفضل خلال خمس سنوات، ويعتقد 56 في المائة أن الرأسمالية في شكلها الحالي هي الآن تضر أكثر مما تنفع في العالم.".

واضح من هذه النتيجة ان هناك قلق وتوجس واسع لدى سكان الدول المتقدمة التي تهيمن عليها السياسات النيوليبرالية - الرأسمالية، بل فقدان الامن والطمأنينة لديهم، بسبب تكدس الثروات عند قلة من الأثرياء وعمق هوة اللامساواة وما يرافقها من فقر وضائقة لدى الاكثرية من المواطنين.

 

فقدان الامن التشغيلي

كما يكشف الـ”مقياس” عن الوضع غير المستقر والمُقلق القائم في عالم العمل لدى سكان العالم، خاصة في ظل ما نلحظه من إتساع دائرة السيطرة للعالم الإفتراضي والاتمتة وغيرها، كل هذا يؤدي على بروز مخاوف " واسعة النطاق وعميقة " لدى جمهور العاملين.

وعليه تؤكد النتائج لهذا الإستطلاع أن "83% من الموظفين على مستوى العالم يشعرون بالقلق من فقدان الوظيفة بسبب الأتمتة والركود الذي يلوح في الأفق، ونقص التدريب، والمنافسة الاجنبية الرخيصة والهجرة." هذا يعني فقدان الأمن التشغيلي وجميع الأسباب التي عبر عنها العاملون لهذا القلق هي سمات العولمة.

هذا وعبّر 57% من المشاركين في الإستطلاع العالمي بأنهم: "يخشون من فقدان الإحترام والكرامة التي تمتعوا بها في بلدهم".

أما بخصوص تسارع وتيرة التغيير التكنولوجي فقد عبّر إثنين من ثلاثة أنهم "يشعرون أنّ وتيرة التغيير التكنولوجي سريعة للغاية." هذا الشعور أدى أن يعبروا في رد على سؤال حول دور المدراء التنفيذيين في العمل، الذين يعملون وفق الأنماط الإدارية العولمية وتسلطهم وانعزالهم، فقد أجاب 92% من العاملين بأنهم يعتقدون بل ويطالبون أنه ينبغي على كبار المدراء التنفيذيين التحدث معهم في القضايا اليومية، بما في ذلك إعادة التدريب المهني والإستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا وعدم المساواة في الدخل " وأن على هؤلاء المدراء أخذ زمام المبادرة لإحداث هذا التغيير. مما يؤكد حقيقة عمق القلق الذي يساور العاملين في العالم اليوم.

 

شعور متزايد بفراغ خلفته الحكومات

لوسائل الإعلام دور في تكوين الرأي العام، خاصة في ظل تسلط أصحاب الثروات على معظمها، وتسخيرها لخدمة مصالحهم المختلفة، وحول هذا الموضوع عبّر 76% من سكان العالم عن قلقهم "بشأن إستخدام أخبار مزيفة كسلاح"، بما في ذلك قيامها بالسيطره على عالمهم من خلال دعايات التسويق لدرجة أن ثلثي  المستهلكين منهم يعرفون انفسهم "كمشترين مدفوعين بالمعتقدات"،

يؤكد الـ”مقياس” أن "النمو الإقتصادي كان المؤشر المركزي في إرتفاع منسوب الثقة، لكن نتائج هذا العام كانت ان قطاع الاعمال حصل على اعلى نسبة من الثقة بلغت 58%، تليه الحكومة، وسبب ذلك هو "الفراغ الذي خلفته الحكومات الشعبوية..."، ولذلك يعود ويؤكد الجميع على ضرورة أن تأخذ الدولة دورها خاصة وأنهم لا يثفون الا بها فيما يتعلق بتقديم الخدمات الصحية والمساواة في الدخل وغيرها من القضايا، مما على ضرورة عودة الحكومات للعمل المنظم وما يرافقه من توفير خدمات صحة وضمان إجتماعي وتعليم وطاقىة وغيرها، ودحر نظام السوق القائم اليوم.

وظهر أيضًا أنّ "73% من الموظفين يتوقون الى المشاركة بتغيير المجتمع"، وهذا المُعطى له دلالات هامة، وهي وجود إستعداد للمشاركة في إحداث التغيير لما هو قائم اليوم في هذه المجتمعات.

يشمل المقياس الكثير من القضايا، قدمنا اهمها، لكن علينا الإشاره هنا الى انه مع فُقدان الثقة ضمن هذا المقياس لقضية "النمو الإقتصادي"، والعودة للثقة بالدولة ودورها،  هذا يعني رفض للسياسة النيوليبرالية، لأنه كما هو معروف "تتميز النيوليبرالية من حيث إيمانها بالنمو الإقتصادي المُستَدام كوسيلة لتحقيق التقدم البشري، وبالأسواق الحرة باعتبارها التوزيع الاكثر كفاءه للموارد والحد الادنى من تدخل الدولة".

هذه المعطيات فيها إشاره هامة للتغيرات الجارية اليوم فيما يتعلق  بالسياسة العولمية لدى الشعوب، وهذا تغيير أو بداية تغيير له دلائل هامة على حاضر ومستقبل عالمنا.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب