news-details

"الولاية الحمراء" في الهند: القيادة النسويّة الشيوعيّة كبحت الوباء في ذروة تفشيه عالميًّا| ليانا خوري

تعد الهند ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، الذي يصل إلى 1,3 مليار، وتشكل بيئة ملائمة لاحتضان الفيروسات وانتشارها بفعل هذه الكثافة السكانية العالية. ولكن هل تنطبق معادلة تفشي المرض في جميع ولايات الهند؟ أم أن لنظام الحكم دورًا هامًا في كبح تفشي الفيروس وتقليل عدد وفياته اليومي؟

في هذا المقال نتطرّق لولاية كيرلا الواقعة في السّاحل الجنوبي في شبه القارّة الهنديّة، وهي من الولايات الاستوائية الموجودة في الهند والتي تتميز بأمطارها الموسمية التي تتساقط على أراضيها بشكل مستمر، وتتميز كيرلا بطبيعة خاصة وجذابة ومختلفة عن غيرها من الولايات الموجودة في أنحاء شبه القارة الهندية، وكما حال جميع الولايات الهنديّة، فإنّ هذه ولاية ذات كثافة سكّانية عالية تبلغ 0,5%.

أشارت التّقديرات الأوليّة أن معدل الوفيّات في ولاية كيرلا سيتجاوز الـ 20 ألف حالة وفاة يوميًّا، ولكن منذ بداية انتشار الفيروس، لم يتجاوز عدد الوفيّات اليومي نتيجة كورونا الـ 25 حالة، معظمهم من كبار السّن ويعانون من أمراض مزمنة.  

نظرة تاريخيّة عن الحزب الشّيوعي في الولاية:

في العام 1957، وفي أول انتخاباته لبرلمان ولاية كيرلا، فاز الحزب الشيوعي بغالبية مكّنته من تشكيل أول حكومة فيدرالية للولاية، ليصبح حينها أول حزب شيوعي في العالم يصل إلى الحكم بانتخابات ديمقراطية.

مهّدت تلك الانتخابات لمنح كيرلا، التي حكمها الشيوعيون ثلاثة عقود ونيف متقطعة، لقب "الولاية الحمراء". ومع أن الحزب، منذ ذلك التاريخ، تحول إلى لاعب رئيسي في الساحة السياسية الهندية، وشارك في تشكيل حكومات ائتلافية في العديد من الولايات، وفي تشكيل بعض ائتلافات الحكومة الفيدرالية المركزية، بالإضافة إلى حكمه ولايتي "غرب البنغال" و"تريبورا" منفردًا لعقود طويلة، إلا أنه يدين بجماهيريته إلى سجله الاستثنائي في كيرلا تحديدًا. احتلت كيرلا المركز الأول في معايير التنمية البشرية، والنسبة الأعلى للإناث مقارنة بالذكور، وكانت أقل الولايات في معدلات الفساد وحوادث العنف الطائفي بين الولايات كافة، وتم إعلانها أيضًا كأول ولاية بلا أمية في الهند، وسجلت أعلى متوسط للعمر المتوقع بين الولايات الهندية، متجاوزة الدّول الخليجيّة.

عندما أصدرت منظمة الصحة العالمية، أول بيان لها حول انتشار فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية قبل عام، في 18 كانون الثّاني من العام المنصرم 2020، لم تأخذ الحكومات المحليّة في الهند الأمر على محمل الجد، بعكس ك. ك. شاليجه، وزيرة الصحة والعدالة الاجتماعية في ولاية كيرلا بالهند، وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيّوعي الماركسي في الهند.

لدى كيرلا أقوى نظام رعاية صحية في الهند، إلا أنها أيضًا واحدة من أفقر البلدان في الهند، ونسبة كبار السّن فيها من أعلى النسب في الهند. علمت سلطات الولاية أنها لن تكون قادرة على الحفاظ على عزلة جيرانها بسبب اعتماد اقتصادها في الأساس على التجارة.  كما أن محصول كيرلا الأساسي هو جوز الهند، الفلفل الأسود وأشجر المطّاط. وتعتبر المصدر الرئيسي لتوابل الهيل. ومع ذلك، فإنّها تعتمد على الواردات الغذائيّة من جيرانها.

وعلى الرّغم من العوامل التي تزيد من تحدّيات الولاية في التعامل مع انتشار فيروس كورونا، الا أن هذه الولاية اليسارية تمكّنت في الأشهر الأولى من الوباء من تقليل عدد الحالات اليومية الجديدة إلى الصفر تقريبًا، ونسبة الوفيّات هي 0,36% من مرضى كورونا، وهو رقم غير مسبوق مقترنًا بمعدّل التفشي في الهند ودول أخرى. وذلك من خلال الاستجابة السريعة، واختبارات كورونا التي تسفر عن نتائج في غضون 48 ساعة، والتحقيقات الوبائية وشروط الحجر الصّحي.

في 24 كانون الثاني/ يناير، شكلت شاليجه فريق استجابة سريعة، وأنشأت غرفة تحكم وجندت فرق المراقبة.

في 27 كانون الثّاني، عادت المجموعة الأولى من الطلاب الهنود الذين كانوا يدرسون في ووهان إلى البلاد. وبعد ثلاثة أيام، ثبت إصابة أحدهم بفيروس كورونا، وهي أول حالة مؤكدة في الهند. وبعد أربعة أشهر من تحديد الحالة الأولى في البلاد، أبلغت كيرلا، التي يبلغ عدد سكانها 35 مليون نسمة، عن 524 حالة إصابة بالفيروس فقط، وأربع حالات وفاة.

ويتّفق الجميع أنّ الشّخص المسؤول عن هذا النّجاح الباهر، هو وزيرة الصّحة، مدرّسة الفيزياء والاحياء السّابقة، وعضو اللجنة المركزيّة للحزب الشّيوعي الماركسي، الرّفيقة شاليجه.  وفقًا للخبراء، كانت قدرة شاليجه القيادية حاسمة في مكافحة الفيروس. وقال كو شاريناتي ريدي، مدير صندوق الصحة العامة الهندي، لموقع "ساينس": "إنها تستمع إلى الناس، وتزور المستشفيات وتتحدث إلى الأطباء". "إنها امرأة تنعم بالقدرة والتواضع".

كانت استراتيجية شاليجه إعطاء البلاد الوقت للاستعداد. في 23 حزيران/يونيو، أخبرت لجنة من منظمة الصحة العالمية أن هدفها هو الحد من معدل وفيات الحالات إلى أقل من 2%، ومعامل العدوى إلى أقل من 1.

خلال هذا الوقت، تمكنت الولاية من مضاعفة عدد أجهزة التنفس في المستشفيات الحكومية وتوجيه عدد كبير من العاملين الحيويين، المعروفين باسم "لواء كورونا". قام هؤلاء العمال بتفتيش ومراقبة التزامات العزل والإشراف عليها. كما قدموا الدعم النفسي والاجتماعي للسكان، وقدّموا وجبات الطّعام المجانيّة الى ما يقارب الـ 9 ملايين شخص من خلال 1300 مطعم، وقدموا حزم غذائية لأكثر من 8 ملايين أسرة.

وقد آتت هذه الإجراءات، بالإضافة إلى الدعم المالي الذي يقارب 3 مليارات دولار، ثمارها. في 25 اذار/ مارس، فرضت الهند إغلاقًا وطنيًا. بحلول منتصف شهر أيار/ مايو، تمكنت كيرلا من احتواء الموجة الأولى من كورونا. على الرغم من أن معدل الوفيات ارتفع إلى 0,8% في ذلك الشهر، إلا أنه انخفض بمقدار النصف، مقارنة بالمعدل الوطني البالغ 1,5٪.

إنّ كيرلا هي واحدة من الأماكن القليلة في العالم التي انخفض فيها معدل الوفيات في ذروة الوباء. في كل مرحلة من مراحل انتشاره، وتمّ استخدام ربع أجهزة التنفس الصناعي في البلاد. ودخلت الهند في إغلاق كامل في نهاية شهر اذار من العام المنصرم، لمدة شهرين ونصف تقريبًا. وما ميز كيرلا هو أنه حتى عندما بدأت الحكومة الهندية في إزالة بعض القيود، استمرت كيرلا بفرض قيود صارمة.

في الهند، حيث توجد حكومة فيدرالية، كانت سلطة الدولة هي التي تقرر الإغلاق المستمر. كانت كيرلا أيضًا واحدة من الدول التي تطلبت العزلة عن السياح المحليين الذين أرادوا دخولها. كانت الولاية على دراية بالحاجة إلى سياسة منظمة، واتخذت نهجًا أكثر صرامة مقارنة بالولايات الأخرى في الهند. كان أحد العوامل الذي ساعد شاليجه في التعامل مع فيروس كورونا هو تجربتها السابقة مع فيروس "نيباه" الأكثر فتكًا في عام 2018. ثم تم الإشادة بها على استجابتها السريعة والفعالة، وكذلك لزيارتها الشخصية للقرية حيث تفشى الوباء.

كان تراث كيرلا الشيوعي عاملاً آخر ساعد في محاربة الوباء. للشيوعيين في ولاية كيرلا جذور عميقة. لقد فازوا في الانتخابات الأولى عام 1957، وعلى مدى عقود حدثت تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة في البلاد. وتشمل هذه الإصلاحات الزراعية وإنشاء نظام الضمان الاجتماعي المتطور لكيرلا.

نتيجة لسنوات الحكم الشيوعي الطويلة، تمتلك ولاية كيرلا شبكة واسعة ومكثفة من المدارس الحكومية. حتى أن كيرلا أصبحت أول دولة في الهند حيث 100% من الأطفال في التعليم الابتدائي وجميع السكان يعرفون القراءة والكتابة. وهي أكثر الولايات مساواة في الهند اقتصاديًا، عرقيًا، دينيًا وجندريًا.

لدى كيرلا أيضًا نظام رعاية صحية شامل ومجاني. يوجد في كل قرية مركز صحي أساسي، بالإضافة إلى مستشفيات وعشر كليات طبية عاملة في الدولة. نتيجة لذلك، فهي الدولة التي تقل فيها معدلات وفيات الرضع والنساء في الهند، ويعتبر متوسط ​​العمر المتوقع هو الأعلى في الهند.

يعتبر التعامل مع وباء كورونا، مثالاً جيدًا على نجاح ما يسمى "نموذج كيرلا الاشتراكي". انضمت عائلة شاليجه في الخمسينيات من القرن الماضي إلى الحركة الشيوعية المتنامية والنضال ضد النظام الطبقي التقليدي والقمعي في الهند. صعدت إلى صفوف "الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي)" الذي انشق عن الحزب الشيوعي عام 1964. في عام 2016، عندما وصل تحالف أحزاب يسارية إلى السلطة في ولاية كيرلا، تم تعيين شاليجه وزيرة للصحة والرعاية.

من أهم التطورات إضفاء الطابع الديمقراطي على شؤون الدولة. ساعد النظام الديمقراطي الذي تأسس في ولاية كيرلا في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي على التواصل بين الحكومة والجمهور خلال أزمة كورونا. يوجد قدر كبير من التضامن الاجتماعي في المجالس القروية، خاصة في ما يتعلق بدعم النظام الصحي.

إلى جانب النجاح غير المسبوق الذي حققته كيرلا في مكافحة كورونا، في أشهر الصيف، عندما بدأ اقتصاد الهند في الانفتاح، ظهرت حالات جديدة من كورونا، تم تشخيصها بعد عيد الحصاد في نهاية شهر آب/أغسطس. في تشرين الأول/أكتوبر، كانت هناك بالفعل زيادة يومية حادة في عدد حالات الإصابة بكورونا في ولاية كيرلا، وعزاها البعض إلى تهاون الحكومة وقلة عدد الاختبارات. وألقى آخرون باللوم على تدفق العمال المهاجرين من دول الخليج إلى البلاد.

خشيت شاليجه من موجة ثانية، وأمرت بزيادة عدد الأسرة في المستشفيات، إلى جانب توصية بإعادة فرض بعض القيود. وقالت لمجلة "ساينس" في الصيف: "إلى أن يتم التطعيم، سيتعين علينا جميعًا التضحية ببعض ملذات الحياة".

النبأ الجيّد هو أن حكومة الهند أطلقت حملة تطعيم واسعة النطاق في 16 كانون الثاني الجاري. أول الولايات التي حصلت على اللقاحات هي كيرلا، وولاية مهاراشترا، أكبر بؤرة لتفشي كورونا في الهند. وستشمل حملة التطعيمات الأولى في كيرلا نحو 400 ألف عامل رعاية صحية.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب