news-details

"خلافات المستوطنين": تقاسم أدوار في مسرحية إسرائيلية قديمة تافهة| برهوم جرايسي

الزوبعة الدائرة في الحلبة الإسرائيلية، وفي وسائل الإعلام، حول مزاعم وجود "خلافات" بين عصابات المستوطنين وزعيمهم الجالس على رأس سدة الحكم، رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، حول شكل فرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات ومناطق شاسعة في الضفة المحتلة، ما هي إلا تقاسم أدوار في مسلسل مسرحيات تعيد المؤسسة الإسرائيلية صياغتها وعرضها من جديد، كما هو حال العقود الثلاثة الأخيرة؛ ظنّا منها أنها بذلك تحيّد النظر والاهتمام عن القضية الجوهرية: الاحتلال، مقابل الانشغال بخلافات الداخلية المزعومة.

واضح أن الحركة الصهيونية الاستعمارية الاقتلاعية العنصرية، أنشأت على مدى عقود أجيالا من التطرف، وكل جيل يسجل ذروة أشد شراسة في التطرف، في جميع الاتجاهات، ولكن تبقى الضحية الأساس لهذا التطرف، الشعب الفلسطيني المستهدف في وطنه.

ولذا فمن البديهي أن تكون عصابات مستوطنين تطالب بأكثر مما تطرحه المؤامرة الصهيو أميركية، المسماة "صفقة القرن"، خاصة وأن هناك أحزاب ممثلة في الكنيست، تطالب جهارة باقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه، فيما ممارسات حكومات إسرائيل، وخاصة الأشد تطرفا في السنوات العشر الأخيرة، كل سياساتها تصب في ذات الهدف.

ولكن "الخلاف" المزعوم، بين زعماء عصابات المستوطنين، ورئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، لا يصب بالجوهر، ولا يمكن أن يكون عائقا أمام بنيامين نتنياهو وفريقه، ومعه كحول لفان، لفرض ما تسمى "السيادة" على الضفة.

وأكثر من هذا، فإن كل ما يظهر من عوائق مزعومة، أو لربما بشكل محدود حقيقي من واشنطن، أمام تطبيق المخطط، فإن أقصى ما يمكن أن يتسبب به، هو زحزحة الجدول الزمني، لا أكثر، ولربما أن يضطر نتنياهو إلى تطبيق تدريجي "للضم"، ولكن لن يقبل بأي شكل من الأشكال أن يغلق هذا الملف دون أن يسجل لنفسه "إنجازا".

لن تكون هذه نظرية مؤامرة، إذا قلنا وأكدنا أن نتنياهو يستدعي هذا الخلاف المزعوم، خاصة وأنه يبادر بنفسه لعقد جلسات متلاحقة مع عصابات المستوطنين، لتصبح قضية "الضم" هي مفاوضات بين اتجاهات هذه العصابات، وليس أنها جريمة حرب أخرى ترتكبها الصهيونية، برعاية وكر الإرهاب العالمي، المسمى "البيت الأبيض".

بمعنى أن رسالة نتنياهو للعالم الداعم له، هي أنه "حتى هذه الخطة التي ترفضونها، ليست مقبولة على الإسرائيليين الذين يطالبون بأكثر، وهذا يخلق له أزمات، وعلى العالم أن يتفهمها". فكثيرا ما سمعنا على مر السنين، زعامات الصهاينة يكررون مقولات "تنازلات مؤلمة"، وقصدهم تنازلات كهذه: بأن يتركوا للشعب الفلسطيني مجموعة من الغيتوات والكانتونات المحاصرة، في وطنهم التاريخي، ليطلقوا عليها كنية "دولة".

هذا الاستنتاج قائم على تجارب العقود الثلاثة الأخيرة، منذ انطلاق مؤتمر مدريد في خريف العام 1991، إذ سعت إسرائيل طيلة الوقت لإشغال العالم بقضاياها الداخلية، وكأن القضية ليست قضية احتلال واستبداد شعب وحرمانه من حريته واستقلاله وسيادته، وعودة المهجّرين من وطنهم وفي وطنهم، وإنما هي قضية إسرائيلية داخلية يتفاوض حولها الإسرائيليون بأنفسهم، وما على الشعب الفلسطيني إلا أن ينتظر الفتات الذي "ستتكرم" عليه به الصهيونية العالمية ووليدتها إسرائيل.

هنلك سلسلة محطات في العقود الثلاثة الأخيرة، من شأنها أن تدعم هذا الاستنتاج، كي لا نغرق في أوهام، وكأن هناك أزمة جدية في إسرائيل. فمنذ خريف العام 1991، موعد مؤتمر مدريد، وحتى يومنا، شهدت إسرائيل 12 جولة انتخابية برلمانية، واحدة منها لرئاسة الحكومة، جرت في شتاء العام 2001.

وحينما كانت موازين القوى العالمية مختلفة نوعا ما، مقارنة مع الوضع الأشد بؤسا في هذه المرحلة، وكانت ضغوط على الحكومات الإسرائيلية، كي تتقدم في المفاوضات على المسارات المختلفة، وخاصة الفلسطيني، كانت تطلب كل واحدة من هذه الحكومات، فترة زمنية تبدأ من يوم حل الكنيست وحتى تشكيل الحكومة، وفي كل واحدة منها يجري الحديث عما لا يقل عن 7 إلى 8 أشهر. وواضح أنه منذ العام 2009، بدأ هذا يتراجع، مع وقف المفاوضات كليا.

ولكن ليس هذا فقط، بل كانت إسرائيل تطلب وقف كل مفاوضات، عند نشوب كل أزمة داخل الائتلاف الحاكم. وفي حين كانت تتوقف المفاوضات والوساطات الدولية، فإن ماكينة الاستيطان لم تتوقف للحظة، ولا حتى في فترة التجميد المزعوم لعشرة أشهر بين العامين 2009 و2010، لأن التجميد في حينه، كان للشروع بمشاريع جديدة، بينما المشاريع القائمة كانت تواصل عملها.

في سنوات الألفين الأولى، ظهرت بقوة مسألة البؤر الاستيطانية التي بلغ عددها في ذلك الحين قرابة 100 بؤرة، وكان العالم يطالب حكومات الاحتلال بإزالة هذه البؤر التي تناقض اتفاقيات أوسلو، التي كانت ما تزال تلفظ أنفاسها الأخيرة. وتعهدت حكومات إيهود باراك وأريئيل شارون وإيهود أولمرت بإزالتها، وهذا التعهد كان بطرف اللسان، في حكومة نتنياهو، ولكن شيئا من هذا لم يتم، حتى حلت حكومة نتنياهو الرابعة في العام 2015، وكان في صلب برنامجها تثبيت كل البؤر الاستيطانية، وتحويلها الى مستوطنات، أو دمج بعضها كأحياء تابعة لمستوطنات صغيرة.

وهذه ليست "بؤرا عشوائية" كما تسميها وسائل إعلام، منها عربية بدرجة عالية من الغباء السياسي، بل كل بؤرة، وحتى الأصغر منها، استولت على نقطة جغرافية استراتيجية للاحتلال، لتمزيق الضفة كليا، ومنع أي تواصل بين مناطق الضفة المختلفة.

في خلاصة القول، فإن كل هذه الزوبعة الدائرة في حكم الصهاينة لا تعنينا، وعلينا التركيز فقط في الجريمة المقبلة، وكيفية مواجهتها.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب