news-details

"رائحة نتنة تفوح من المملكة"| يوسف حيدر

صواريخ

لم يفاجأ أحد بإعلان خبر زيارة ولقاء نتنياهو رفقة العراب الراحل بومبيو، الملك غير المتوج بعد محمد بن سلمان، لتبرز للسطح وبشكل علني شبكة العلاقات الممتدة منذ زمن بعيد بين إسرائيل ونظام الملوك البائدة واللاحقة من آل سعود، فهذه العلاقة كما كشفها ويكشفها العارفون والهامسون وقد تم تسريبها إلى العلن. لقد نشر سابقًا أيضا أن الأمير غير المتوج ملكًا حتى الآن قد زار تل ابيب قبل عدة شهور، خاصة بعد إنشاء وبناء محور التطبيع الجديد الرياض - أبو ظبي، وأضيفت إليهم البحرين والسودان وعُمان، في الانتظار لانضمام السعودية. إن هذا التنسيق الجديد كما ذكرت آنفا لم يكن الأول والوحيد بين تل ابيب والرياض، بل يحظى الطرفين بتاريخ طويل من التعاون السري في جميع المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية. بعد سيطرة الملك الراحل عبد العزيز على أراضي الجزيرة العربية، منع بأوامر القائد العسكري البريطاني غلوب باشا من المضي نحو الأردن وفلسطين، حيث كانت هناك الحرب مستعرة بين عصابات الهجاناة الإسرائيلية والفلسطينيين، بل أيضًا اختار عبد العزيز التنازل عن المطالبة بكافة الجزر التي تقع على خليج العقبة تجنبًا للمواجهة مع إسرائيل، وأغلقت المملكة وانشغلت ببناء دولتها الوليدة عن مواجهة إسرائيل.

لم يعد الملك السعودي ثورة الضباط الأحرار في مصر ضد الملك فاروق في عام 1952 التي خلقت عدوًا مشتركًا جديدًا بين البلدين، والزعيم الخالد جمال عبد الناصر الذي استطاع إنهاء الحكم الملكي المريض في مصر، والذي حلم أيضا بإنهاء وإسقاط النظام الملكي في السعودية، والذي اندحر أيضا في العراق وسوريا، وبعد ان دعم عبد الناصر الثورة على الملك اليمني سنة 1962، وأرسل إلى هناك دعمًا للمنتفضين 70 ألف جنديًا مصريًا للقتال بجانب الضباط اليمنيين.  في المقابل، دعم السعوديون قوات القبائل الموالية للملك خفيةً، وكان لا بد من الاستعانة بخدمات سلاح الجيش الإسرائيلي المتطور حينها، حيث قام سرب الطيران الدولي الإسرائيلي رقم 120 بقيادة الطيار أرييه عوز بأكثر من 14 رحلة، مرورا بالأراضي السعودية وبالتنسيق مع السلطات السعودية التي تولى مهمتها رئيس الاستخبارات آنذاك وصهر الملك فيصل، كمال أدهم. عاد التنسيق بين البلدين اللذين لا يتمتعان بأي علاقات على المستوى الرسمي آنذاك مرة أخرى بعد انتصار الثورة الإيرانية بقيادة الخميني، وظهور مصطلح "تصدير الثورة"، والذي كان يهدف من خلاله إلى تهديد أمن الساحل الخليجي العربي. عمليات التنسيق بقيت محدودة في مناطق الصراع في لبنان وفلسطين والعراق، وبمعرفة أمريكية آنذاك، حتى الغزو العراقي للكويت، حيث عمل السعوديون على إقناع إسرائيل والاجتماع مع مسؤوليها في نيويورك للالتزام بعدم الرد على ضربات الرئيس الراحل صدام حسين إلى حين تحرير الكويت، وتطورت العلاقات لعلاقات تجارية خفية بين رجال الاعمال السعوديين والمقربين من الأسرة الحاكمة وإسرائيل، وغضت المملكة عينها عن بعض المنتجات التي دخلت إليها بسبب حاجتها الاقتصادية لها.

وبعد أحداث 11 أيلول 2001 وتفجير برجي مانهاتن، وجدت المملكة نفسها بحاجة إلى التنسيق مع إسرائيل مرة أخرى، حيث تولى السفير السعودي حينها، الأمير بندر بن سلطان، مهمة التنسيق وربط الأجهزة الأمنية السعودية بالإسرائيلية والأمريكية لمواجهة تنظيم القاعدة والجماعات المدعومة من إيران في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط. ووصلت العلاقات السعودية الإسرائيلية بتنسيق من جانب بن سلطان ذروتها عقب التنسيق الأمني للتعامل مع الملف الإيراني مع رئيس الموساد مئير داغان، لكن هذا التنسيق تعرض لهزّة بوصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، بالإضافة إلى ثورات الربيع العربي وإقالة داغان من منصبه في الموساد. بعد انتهاء الجولة الأولى من ثورات الربيع العربي، وبدء ما سمي بـ"الثورة المضادة" في مصر، والتي انتهت بالانقلاب على نظام الرئيس المعزول محمد مرسي، تقاطعت الطرق الإسرائيلية – السعودية من جديد بالتنسيق حول تحسين صورة الانقلاب وسط دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بعد الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، والذي رافقه صعود محمد بن سلمان نجل العاهل السعودي بتعيينه وليًا للعهد. كان تسريع العلاقات بين البلدين بدعوى مواجهة عدو مشترك يتمثل في إيران، حيث التقى اللواء المتقاعد، أنور عشقي، المستشار السابق لرئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، عددًا من المسؤولين الإسرائيليين المقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وعلى رأسهم المدير العام لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية، دور غولد، ولم تكن اللقاءات العشقية الأولى من نوعها.

أسس محمد بن سلمان جماعة ضغط سعودية في أميركا سميت باسم "سابراك" برئاسة أحد الصحافيين المقربين منه، ويدعى سلمان الأنصاري، والذي نشر على الفور مقالة في صحيفة "ذا هيل" الأميركية قال فيها بأن وجود إيران كعدو مشترك يحتّم على إسرائيل والسعودية أن تعجلا في تطبيع العلاقات، وتأسيس روابط متينة وقوية بينهما، مؤكدًا استعداد ولي العهد شخصيًا لإقامة علاقات دائمة مع إسرائيل.

 

ولم يكتف اللوبي السعودي في واشنطن بمغازلة إسرائيل والتقرب منها علنًا، بل دعا إلى تنظيم ندوات تنسيقية وأمنية بين البلدين، مما يوحي بأن هدف تأسيس جماعة الضغط هذه كان افتتاح قناة تواصل رسمية بين الطرفين في واشنطن، دون التعرض لضغوط شعبية.

أما بالنسبة للضغوط الشعبية من الشعب السعودي برفض التطبيع والتي ذكرها المحلل للشؤون العربية اهود يعاري في إحدى نشرات الأخبار للقناة التلفزيونية الإسرائيلية 12 أن ما نسبته 40 بالمئة ممن استطلعت آرائهم من الشعب السعودي يؤيدون التطبيع مع إسرائيل، وبرأيه هذه نسبة مشجعة وكبيرة ودافعة لمخطط محمد بن سلمان لإقامة حلفه الاستراتيجي القادم مع إسرائيل والدول الخليجية الأخرى المطبعة مع إسرائيل ضد العدو الإيراني، مع انتظارهم لمنة أخرى يمن عليهم بها "الأخ الكبير" في الشرق الأوسط إسرائيل في الملف الفلسطيني الذي اصبح لديهم ثانويًا وليس مركزيًا، كما اعتقدت الإمارات أن باتفاقها قد منعت مخطط الضم لمناطق فلسطينية محتلة أخرى لإسرائيل.

ولا أعتقد أن السب والشتم واللعن والتخوين والتهديد والوعيد والكشف والفضح يجدي مع المطبعين، فلن يستطيع أحد ردع اندفاعهم أو الوقوف في وجوههم، ولا رجاء وخير من هذه الأنظمة التي اعترفت وطبعت، فهم يعتقدون أنهم على حق ويؤمنون بسياستهم، ولا يعترفون أنهم يرتكبون الحرام والإثم، ويخونون أمتهم ويفرطون في حق الشعب الفلسطيني، وقد تخلصوا من الفيتو الفلسطيني على علاقتهم مع إسرائيل، فهذا الفيتو انتهى إلى غير رجعة.

وفي مواجهة كل ما يجري أمام أعيننا جميعًا، رغم عدم تأثرها بالخطاب الفلسطيني الموجوع والمتألم، على ما تبقى من الأمة العربية والإسلامية التي تؤمن وتدافع عن الحق الفلسطيني، وكفلسطينيين خاصة، التصدي لهذه المهزلة والهرولة المخزية للتطبيع ووضع حد لهذا السقوط والانبطاح الاستسلامي بتشكيل جبهة تصدٍ وتحدٍ لهذه المخططات الخطيرة من الأحرار والأشراف الذين لم ينزلقوا ولن ينزلقوا إلى هذه المؤامرة. ولابد من التقاء وتوافق هذه القوى من أجل تدارس ما يحدث والتفكير فيما يجب أن تفعله، واضعة نصب أعينها معركة كسب الوعي العربي ومهاجمة الأنظمة والحكام الغادرين وتخوينهم واستثناء شعوب هذه الدول التي ما زالت بأكثريتها تؤمن وتؤيد تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة العربية الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. آن الأوان للخطاب الوطني والقومي العاقل والواقعي والمبدئي في التصدي ومقاومة مسلسل الخيانة العربي الرسمي.

 

قالت لي العرافة:

رياح عاتية تهب من الربع الخالي.. قاتلة.. فافرد جناحيك للتصدي.. فرائحة الدخان خانقة ونتنة.

أضلوا الطريق ام ضللنا الطريق؟

الشيطان اللعين يجرهم إلى هناك.. ويبخ سمومه في كل الجهات.

وصراخ الولي من هناك، أقهقهات هي أم صرخات؟

ألم وخوف وهجران ويأس وحيرات.

افرد جناحيك وتصدى للريح العاتية بما اوتيت من قوة وبأس.

وخلد صمودك بما هو آت.

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب