news-details

أجهزة الظلام تفرض الظلام داخل جهاز التعليم العربي

بعد كشف القضية في الصحافة بأسبوع، قام جهاز المعارف باصدار بيان حول الاجتماع الذي عقده ممثلون عنه مع ممثلين لجهاز الشاباك، نفى فيه هذا اللقاء وكأن ما نشرته الصحف منها، وان اجهزة الظلام لا ناقة لها ولا بعير بجهاز التعليم العربي في اسرائيل.

من يبني ويدير كل اعماله بأساليب التخويف وحبك الدسائس، لا يصعب عليه اصدار مثل هذه البيانات كل يوم، لأن جهاز المعارف الخاص بالمدارس العربية يخجل ان يعترف بالتدخل السافر من قبل اجهزة الظلام في عمله، وان هذا التدخل الاعتباطي يمنع هذا الجهاز ان يعمل بشفافية وبحرية، وانه من بين اسباب التدني في مستوى التحصيل والتعليم داخل المدارس العربية يعود لهذا التدخل، وان الاعتراف بهذا التدخل كان وسيبقى ادانة، وانه يؤكد بأن الدولة التي تدعي بأنها توازي قواها العسكرية والاقتصادية والعلمية الدول العظمى، تخاف من الأطفال العرب الذين يعتبرون مواطنين فيها.

ان صحيفة "يديعوت أحرنوت" وبقية الصحف الصادرة في البلاد، نشرت في السابق عدة مرات عن تدخل اجهزة الظلام في جهاز التعليم العربي، وقد ابرزته صحيفة "هآرتس" أكثر من مرة، وفي كل مرة كانت تدور حول هذا الوضع المخجل تساؤلات من قبل عناصر وقوى ديمقراطية فيها نوع من الاستغراب وعدم التصديق، و في كل مرة يكون رد المسؤولين الاختباء وراء الاستغراب والانكار. وقد ذكر المؤرخ "هليل كوهين" في كتابه "عرب جيدون" ان قادة الدولة وكان غالبيتهم من حزب "مباي" قد عقدوا اجتماعات مكثفة ومتلاحقة لتحديد طرق وأساليب التعامل مع المواطنين العرب الذين تشبثوا بأرض الوطن، طبعًا كان على رأس قرارات هذه النخبة العنصرية تثبيت الحكم العسكري، بكل بنوده وقسوته وعنصريته، قد كلف هذا الجهاز بملاحقة الشيوعيين والتنكيل بهم كما كلف باستخدام القبضة الحديدية ضد المعلمين داخل المدارس العربية، لأن قادة الدولة كانوا ولا زالوا يعتبرون المعلمين العرب قوة تهديد وتحريض الطلاب وذويهم ضد أمن الدولة، من أجل ذلك فرضوا سياسة الترهيب ضد هؤلاء المعلمين  وتم فصل الكثيرين منهم، كما حذر هؤلاء القادة من الطلاب خاصة وانهم معرضون للتأثير.

عانى جهاز التعليم العربي من هذه الملاحقة، بالإضافة الى شح الميزانيات. لكن المواطنين العرب صمدوا ضد هذه السياسة، وتخرج مئات آلاف الطلاب مع مرور الزمن، أجيالا تتبع أجيالًا، وقد اعترف احد المسؤولين في جهاز الشاباك قبل حوالي عشر سنوات ان انتماء الاجيال المتخرجة الجديدة من المدارس العربية لهويتها الوطنية والقومية أقوى من الأجيال السابقة.

 لا يريد هذا المسؤول ان يعترف بأن الانتماء الوطني القومي بالنسبة لكل فلسطيني هو انتماء عميق بالفطرة، لأننا مرتبطون بهذا الوطن منذ آلاف السنين، لغتنا وتراثنا وتاريخنا ودماء شهدائنا أقوى من كل محاولات اجهزة الظلام، وأننا لسنا بمهاجرين قدمنا إلى هذه البلاد من اصقاع الارض، ومن يحاول وضع الحواجز بيننا وبين هذه المقومات سيفشل لأن الجذور تشدنا وتتشبث في دمنا.

اعتقد المواطنون العرب أن تدخل قوى الظلام في حياتهم سوف ينتهي بإلغاء الحكم العسكري،  لكن نقلت المؤسسة الحاكمة القبضة الحديدية ضد المواطنين العرب، وبصورة خاصة من أيدي الحكم العسكري الى ايدي الشاباك، الذي كلف بالمسؤولية الكاملة عن جهاز التعليم العربي، هذا التدخل يشمل قضاياها هامة وحساسة لا زالت قائمة حتى اليوم، مثل ارغام المفتشين العرب، خاصة الاداريين منهم لكل المخططات التي تفرضها اجهزة الشاباك، و السبب ان المؤسسة الحاكمة منذ قيام الدولة حتى اليوم لا تفصل بين جهاز التعليم العربي وبين الاجهزة الأمنية، هذه الأجهزة لا تزال ترى بجهاز التعليم العربي قضية أمنية.

كما أن هذا الجهاز كان ولا زال يتدخل في صيغة، وكل الابعاد الفكرية والمبدئية والتراثية والأدبية واللغوية الخاصة بمناهج التعليم التي تستعمل في المدارس العربية  هذا هو الجانب الأمني من وجهة نظر المؤسسة الحاكمة في الدولة، هناك قصائد قطع نثرية  وقصص تعتبر حقول الغام يمنع الطلاب العرب من دخولها من وجهة نظر الأجهزة المذكورة، هناك أيضًا مناسبات وطنية تحاول الاجهزة المذكورة حجبها عن عيون وعقول طلابنا، حتى الجانب المضيء من تاريخ الأمة العربية، مثل التطور الحضاري، خاصة زمن العباسيين وفي الاندلس يعتبر من المحرمات بدلًا من ذلك يتعلم الطالب العربي الجوانب المظلمة من تاريخ شعبنا، مثل الحروب الاهلية و الانقسامات الطائفية والعرقية  الاسلامية المختلفة.

الى جانب محاولة التغييب هذه الطالب العربي ملزم بدراسة كل ما يتعلق بالتاريخ اليهودي القديم والحديث، من دفورا وداوود وجليات والاسباط مرورًا باللاسامية  والمبشرين بالصهيونية، من هرتسل والتيارات الصهيونية إلى الاستيطان و الهجرات حتى عام النكبة، جميع هذه المواد الزامية، مصادرها متوفرة جميعها كتبت بروح عنصرية صهيونية استعلائية.

واذا قارنا بين ما يتعلمه الطالب العربي من لغات، خاصة المقارنة بين اللغة العربية والعبرية، نجد ان هناك بون شاسع بين المواضيع الخاصة في اللغة العبرية، ففي اللغة العربية يُلزم الطالب العربي بتعليم مواضيع خالية من كل الصور الشعرية الوطنية في القصائد المخصصة له، فعناصر الشاباك كما يبدو هي من تختار هذه القصائد فتكون جرداء خالية من الروح الوطنية، كذلك في القطع النثرية وفي قواعد اللغة  جميع الامثلة جوفاء، يشعر الطالب بالاغتراب اللغوي عندما يتناولها، هذا يجبر الطلاب على الهروب من التقدم لامتحانات البجروت بخمس وحدات تعليمية، أما اللغة العبرية فحدث ولا حرج فغالبية القطع النثرية والشعر لها علاقة بتراث اليهود وتاريخهم، ومنها من يتناول اشتياقهم وحلمهم للعودة الى ارض الوطن، مثل اشعار بيالك وتشرنخوفسكي وغيره.

رغم هذا الحصار الفكري إلا أن اجيالنا الصاعدة متمسكة بترابها وتراثها وحضارتها لكن هذا يزيد من العزلة بين الشعبين ويزيد من النفور والعداء لحكومات الابرتهايد المتعاقبة.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب