news-details

إميل حبيبي، السياسي والأديب والخطيب| محمد نفاع

المرة الاولى التي استمعت فيها الى خطاب مطول لإميل حبيبي كان سنة 1965، عندما انشق جماعة ميكونس سنيه فلنسكا عن الحزب الشيوعي واستولوا على الجريدة والنوادي والاسم، وأُعطينا نحن اسم "راكاح" أي "القائمة الشيوعية الجديد"، يومها بكى إميل حبيبي وقال: "إحنا جْداد يا إخوان"!!

كنا ننتظر اسبوعيات إميل حبيبي في الاتحاد بتوقيع جهينة، لو بالإمكان اصدار هذه الاسبوعيات في كتاب لما فيها من قدرة ونكهة سياسية أدبية.

كان إميل حبيبي اول من طرح في اللجنة المركزية اقامة لجنة ثقافية فنية وتأسيس "اتحاد كتّاب".

بالإضافة الى بعض القصص القصيرة التي نشرها، لكن رواية "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" كانت قمة عطائه الأدبي، وهو من القلائل الذين فضلوا التفرغ للأدب على عضوية الكنيست.

كان هذا الرجل رمزًا من رموز السياسة والأدب، ومن مآثره الإصرار على جعل جريدة الاتحاد يومية، اشغل نفسه ووقته بهذه الخطوة الجريئة، كانت الظروف غيرها اليوم، لم يكن يترك الجريدة إلا بعد مراجعة وتمحيص كل مادة ستنشر في الجريدة، جمع تبرعات من البلاد وخارج البلاد، من جمعيات وأشخاص ذوي قدرة واستعداد لشراء مطبعة حديثة، كان موقفًا مؤثرًا عندما كرّم حزبنا في بيت جن جريدة الاتحاد لموقفها المثابر والمبدئي مع الدفاع عن ارضنا في الزابود سنة 1987. وأقيم معرض لجريدة الاتحاد على جدران مجلسنا المحلي، غصّ يومها ببكوة الفرح في مقر الاتحاد شارع الحريري.

كان حساسًا الى حد كبير، أحيانًا كان سريع الغضب، وسريع التسامح.

يوم جنازة القائد الفذ إميل توما وقف على شرفة الاتحاد وهتف: من الورد الى الورد يعود!

ورد إذا ورد البحيرة شاربا

 ورَد الفرات زئيره والنيلا

 

//رُلى ورولى

في قصيدة عليا وعصام، البيت الأول:

رُلى عرب قصورهم الخيام

  ومنزلهم حَماة والشآم

وقد أصر يومها إميل حبيبي على – رولى وليس رُلى، والحقيقة ان العربان البدو يلفظون بعض الاسماء بهذا الشكل رْوَلِه وعنزِه وزلمَه، عن رُلى وعنْزة وزلمة، ورَوله وعنزه قبائل عربية عاشت في سوريا، وكان لقبيلة عنزه سوق عامرة بالعديد من البضائع والمنتجات، أقمشة ونحاس وفواكه، ومواشي.. وهناك في السوق حارس مع السيف، يدور ويقول:

اللّي بحطّ الحق أنا خويُّه – أي أخوه.

 

//تَطابا وتباطبا

سلّم إميل حبيبي أحد فصول المتشائل للشاعر سميح القاسم واستعمل معنى التّربيت على الكتف – تَباطَبا. ضحكنا سميح وأنا فصلّحها سميح "تطابّا وليس تباطبا، لم يستسغها إميل حبيبي وقبلها على مضض.

زرته في المستشفى النمساوي قبل وفاته بأيام، وكم تأثر ورغرغت عيناه بالدموع وهو يقول: أنا شيوعي يا رفيق محمد، وهكذا كانت جنازته في الناصرة.

أهداني القائد الشيوعي نبيه رشيدات كتابه القيّم "مذكرات ليست شخصية" يذكر فيها كيف جاءه إميل حبيبي الى دمشق وطلب منه إيصاله الى بيروت سيرا، وقام الرفيق نبيه رشيدات بهذا الدور الخطير، ومن لبنان وبمغامرة عاد إميل حبيبي الى أرض الوطن.

حضر إميل حبيبي اجتماعًا شعبيًا في دارنا، في الغرفة والشرفة، سوية مع سميح القاسم وسلمان ناطور، وكعادته أبدع في كلمته، والناس يذكرون بعض كلماته التهكمية لليوم. بعث رجل المهمات الخاصة في شرطة كرمئيل واسمه "أبو سرور" أحد البسطاء لحضور الاجتماع ونقل ما ومَن فيه اليه. كنت عريف الاجتماع وقدمت الرفيق إميل حبيبي، والرفيق سميح القاسم، والرفيق سلمان ناطور، وأشار إليّ الرفيق إميل حبيبي في كلمته، الرفيق محمد نفاع. فما كان من هذا الساذج الذي أرسله أبو سرور إلا أن قال يحدث نفسه بصوت عال، "كل الشيوعية اسمهن رفيق، شو بدّي أقول للزلمة".

وكيف جلجل إميل حبيبي في ضحكته المعروفة.

في أحد مؤتمرات الحزب قال إميل حبيبي، لو نجد أحدا يهدينا ضمة من زهرة عصا الراعي، او الزقوقيا او الخرفان، فما كان منا إلا ان مشينا الى وعر الكرمل وأحضرنا له باقة من هذا الزهر الذي أحبه، ظل لحظات ينظر اليه بمنتهى التأثر والتقدير وهم يشم الزقوقيا.

في سنوات مبكرة من عمر مجلة "الجديد" التقى إميل حبيبي وخالد بكداش في موسكو، ناوله إميل مجلة الجديد فرفضها ورماها على الارض، فقال له، سيأتي يوم وتنتظرها لتقرأها، وهكذا كان.

بعدها صار يُعلم المترجمات الروسيات كلمات نابية جدا ومسبّات لقادة الاحزاب الشيوعية العرب في موسكو ومنهم خالد بكداش فيقولون: إميل حبيبي هنا، وتجري اللقاءات الرفاقية الحميمية الصادقة.

أما كلماته النابية والمقبولة في الاجتماعات الشعبية في مجد الكروم عن "الولد وسِنُّه" وفي الرامة عن العلاقة بيننا وبين الحزب الشيوعي الفلسطيني "طـ... في لباس واحد" فهي معروفة.

 

//عيد النصر على النازية

في التاسع من أيار سنة 1945، أعلن عن انتهاء الحرب، وسحق النازية بعد ان رفع الجنود السوفييت اعضاء الكومسومول العلم الأحمر على الرايخ، وانتحار هتلر، وفي الساحة الحمراء تكوّمت الاعلام الفاشية ومختلف رايات الاقسام العسكرية من طيران ودبابات وهندسة ومشاة – وديس عليها بالأقدام.

كانت الجحافل النازية قد هاجمت الاتحاد السوفييتي في فجر الـ 22 حزيران سنة 1941، بمئات طائرات "الميسرشميت" والمدافع والدبابات، واستطاعت التغلغل حتى مشارف موسكو. وقد تحمل الشعب والجيش السوفييتي العبء الأكبر من الحرب، وفقد أكثر من عشرين مليون شهيد من النساء والأطفال والجنود. في ليننغراد مقبرة جماعية لـ 600 ألف شهيد، والتي شهدت حصارًا قاسيًا قاسى فيه السكان الجوع والبرد، يومها اعترف قادة الولايات المتحدة وبريطانيا بمأثرة وبطولة الجيش الاحمر، ومع ذلك جرى تزييف التاريخ من قبل هؤلاء وصنائعهم، وان "الجنرال البرد والثلج" هو الذي ساعد في سحق النازية.

لكن ومنذ بداية الهجوم الغادر، عرف النازيون ان الحرب ضد الدولة الاشتراكية ليست نزهة وليست سهلة ابدًا مثل احتلال فرنسا وعدد من الدول المجاورة لألمانيا النازية، مع ان القسم الاكبر من الفِرق الالمانية والسلاح وُجهت الى الجبهة الشرقية الى وطن الاشتراكية، ومعروفة مأثرة "ابطال قلعة بريست"، التي صمدت في وجه الغزاة حتى آخر جندي، بعد ان رفعوا كل ما وجدوه باللون الاحمر، من شراشف وبطانيات، وحتى غلاف كتاب، وقد ظن القائد النازي انها راية استسلام في الفجر الأغبش، وعندما أشرقت الشمس ظهرت باللون الأحمر. وهنالك كتاب بعنوان "ابطال قلعة بريست". ومئات الكتب التي تصف معاناة وبطولة السوفييت – ومنها "في خنادق ستالينغراد".

ونرى الصهيونية تشير فقط الى الضحايا اليهود، وهي من اكبر المحرضين على الشيوعية ووطن اكتوبر، مع العلم ان الشيوعيين ومنذ ثورة اكتوبر هم الذين حموا اليهود من "قطعان البيض" بقياد بلتيمورا، الذي اجتاح الاحياء اليهودية وقتل ونهب. وفي كتاب "كيف سقينا الفولاذ" وصف دقيق لذلك. ونعرف موجة التحريض مثلاً عندما أعاقت السلطات السوفييتية هجرة شيرانسكي الى اسرائيل، وكانت حملة شعواء ضد الاتحاد السوفييتي شارك فيها الغرب وبعض النظم العربية لأن الاتحاد السوفييتي سمح لشيرانسكي بالهجرة الى اسرائيل، اما نظم اليمن والمغرب والعراق وتونس يومها والتي طردت اليهود من بلادها او باعت هجرتهم الى اسرائيل كما حدث مؤخرًا في السودان واثيوبيا – فهذا شأن آخر.

من النادر ان نرى اية فِرية صهيونية استعمارية إلا ووقفت الرجعية العربية معها، وكلما تضايقت اسرائيل ينقذها "الفرَج العربي" كما قال إميل حبيبي، إما بلاءات الخرطوم، "لا اعتراف، ولا صلح، ولا مفاوضات مع الكيان الصهيوني" او ببصمة عبد العزيز آل سعود على وعد بلفور سنة 1923!!

والسؤال، كيف سمح الحزب الشيوعي السوفييتي وكان عدده 27 مليون بالإضافة الى الكوسومول، بهذا الانحراف والبيروقراطية والتي ضربت اطنابها زمن قيادة خروتشوف، والذي تلهى بالتحريض على ستالين، ودوره في الخلاف بين الصين والاتحاد السوفييتي، بعدها كيف سُمح لغورباتشوف وشفرنادزه ويكوب ليف، ويلتسين بخيانة الوطن الاشتراكي!!

واليوم كم من الضروري العودة الى الاحتفال بعيد النصر على النازية في غابة الجيش الاحمر، وبجماهيرية اكثر، حزبنا قادر على ذلك، وكانت مظاهرة اول ايار في الناصرة بهذه الحشود دلالة على قدرة وجماهيرية هذا الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني العريق والباقي.

وبالمناسبة أتساءل: لماذا لا تقوم القوى السياسية والاحزاب العربية هنا بالاحتفال بأول أيار، فجمهورها من العمال والموظفين المستغلين المضطهدين، تمامًا كما تجري الاحتفالات بمناسبات دينية او اجتماعية!!

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب