news-details

احتفاءً بيوم التضامن العالميّ مع الشّعب الفلسطيني: التضــامن ليس قـــنــاعًا

الوطن هو ذاك المكان الذي يسكن فيك أنّى تذهب، المكان الذي تعيش فيه ذكرياتُكَ، نشيدكَ وموروثكَ الثقافي.

الوطن اسمك الذي يختبىء في جنبات هويتك، الوطن وجودك، والأغنية التي تكبر فيكَ وتكبر فيها. الوطن هو الجرح الذي ينزفُ حبًّا وحنينًا، فتكبر في جرحه وتحمل في صوتك أنينه وتحارب.

 الوطن انتماءٌ وهُوية.

ليس الوطن أرضًا، بل الأرض وطن؛ الوطن أرضٌ وشعبٌ؛ والأرض بداية القضية التي لم تنته بعد. 

"لم تكن فلسطين صحراءَ قاحلةً، بل ازدهرت فيها الحياة"، قال الدكتورإميل توما يعارض المقولة الصهيونيّة: "أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض".

لقد وقع الشّعب الفلسطينيّ بين فكيّ السياسة الاستعماريّة بالتعاون مع الرجعيّة العربيّة وبين المشروع الصهيونيّ، وما زال يرضخ تحت الاحتلال، يناضل من أجل حقوقِه التي انتهكتها السّلطات الإسرائيليّة، ويواجه سياسة حكومات الاحتلال الإسرائيليّ.

ما زلنا، كأقليةٍ قوميّةٍ، تعاني من براثن الاحتلال ومن جَلْد الجلاّد، نصارع أمواج العنصريّة ونعي جيّدًا دورنا في الحراك السّياسي بهدف الحفاظ على كياننا، على وجودنا وعلى لغتنا.

ولا يكون هذا النّضال مثمرًا إلا بوحدة الشّعب الفلسطيني، الوحدة النضاليّة أمر ضروريّ للوقوف في وجه سياسة الاحتلال. فإذا أكلتنا الخلافات والانقسامات نصبح لقمةً سائغةً في فم الجلاّد. إنَّ الانقسامات لا تخدم أحدًا سوى دولة الاحتلال وتهيّء لها الطريق لفرض سيطرتها.

إسرائيل، ذلك الكائن الذي لا يشبع، ما زال ينهش جسد الأرض الفلسطينيّة بأنيابه السياسيّة السّافرة التي تحمل سمّ التمييز، الاضطهاد، الإرهاب الاحتلاليّ والهيمنة على الأراضي الفلسطينيّة.وما زال يصفعنا، نحن، أبناء الشّعب الفلسطينيّ، في الدّاخل وفي المناطق المحتلة، بسوط الفاشية الآخذة بالتكاثر.

إنَّ الاحتلال الإسرائيلي مزّق النسيج الاجتماعيّ، قبض على دموع الأطفال الحائرة، اغتال الحاء من الأحلام وزرع الراء بين الحاء والباء؛ فجّر هدوء السّماء بضجيج الطائرات وزرع الموت في أرضنا.إنَّ الاحتلال الإسرائيلي وسياسته الفاشية رسما هذه الصّور البشعة بألوان الحرب والعنصريّة، بدعم وتأييد بعض الدّول الأجنبيّة والعربيّة.

لكننا، لم ولن نستسلم، نكافح من أجل تغيير ألوان هذه اللّوحة، من أجل استعادة الحقوق المسلوبة، ومن أجل اقتلاع الأشواك من أرضنا. وفي هذا اليوم، يوم التضامن العالميّ مع الشّعب الفلسطيني، نؤكّد ذلك، ونستمرّ في زرع بذور العزيمة، إشعال نار المقاومة ورفع شعلة الحريّة.

التضامن ليس قناعًا تضعه متى تشاء، إنّما فكرٌ وانتماء. والانتماء هو الشّرارة التي تُشعل بكَ روح النّضال؛ النضال في وجه الظّلمة التي تفرشها السياسة الاسرائيليّة، والتصدّي لجميع ألوان التحريضوالعنصريّة التي تلوّن هذه البلاد. الانتماء هو الشّرارة التي توقد فينا نار المواجهة ونور الشّمس الغائبة.

التضامن مع القضية الفلسطينيّة والشّعب الفلسطينيّ، يعني أنترفض الحكومات الإسرائيليّة الفاشيّة؛ أن تقف في وجه الاضطهاد والظلم؛ وأن تكافح من أجل اقتلاع السّلطة الإسرائيليّة من المناطق المحتلة، من الأراضي الفلسطينيّة.

التضامن مع القضية الفلسطينيّة يعنيأن تتضامن مع حلمٍ يرفرف على جناح سحابةٍ تحمل أملا وتعِد بربيع مُزهر؛ أن تتضامن مع سرب طيورٍ يخبّىء في عينيه دمعة، ويغني أغنية العودة؛ أن تتضامن مع صوتٍ مخنوقٍ يجلجل على صدر الأرض.

يوم التضامن مع الشّعب الفلسطينيّ هو تضامن مع الذّات.

وهل تنكر أوراق الشّجرة الواحدة بعضها بعضًا؟!

هل تنكر خيوط المطر رفيقاتها؟!!

شعبٌ واحدٌ، وطنٌ واحدٌ، وهذا الوطن هو شجرة النّضال التي تحمل أسماء شهدائنا وأسماءنا.

إنَّ اليومَ العالمي للتضامن مع الشَّعب الفلسطيني إنَّما هو تضامنٌ مع الذّات، مع الشّعب الفلسطيني وحقِّه في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة. 

في اليوم العالميّ للتضامن مع الشّعب الفلسطينيّ نرفع تحيةً لجميع شهدائنا، تحيةً لجميع مناضلينا ونحني رؤوسنا أمام شعبٍ ما زال يتوجعُ ويناضلُ، شعبٍ حمل قضيّته وتحدّى فحملته الأرض على أكتافها وفي أحشائها، وسافر مع رحيق الأزهار كما يسافر الوطن في عروقنا.

    نحن الشّعب الذي لم ينس أمّه الأرض؛ من شمسها تعلّمنا أن نشرق كلّ صباحٍ مهما جار الظّلم علينا؛ من أشجارها تعلّمنا أن نجعل نضالنا دائم الخضرة؛ ومن بحرها تعلّمنا أن نبتلع جروحنا ونسير.

     نحن.. نحن جنود هذه الأرض؛ نحن ملح هذه الأرض. 

     نحن الدّمعة التي تستحمّ بها الأرض، نرتاح في أحشائها ونغادر فيها كما يغادر المطر السّحاب، نحترق في أحشائها بذور حبّ ونتفجّر على جبينها أزهارًا تحمل في جيوبها صورًا وذاكرةً لا تموت.

 

(نص الكلمة التي أُلقيت احتفاءً بيوم التضامن العالميّ مع الشّعب الفلسطيني، يوم الخميس 28/11/2019 في مجد الكروم)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب