news-details

ارتباك فائض القوة الاسرائيلية وغياب الأفق السياسي| أمير مخول

تقديم:

انزاح جدول اعمال الاعلام الاسرائيلي بشكل واضح نحو عمليتي القدس يومي 27و28 كانون ثان/يناير الجاري. ولم يجد وزير الأمن القومي بن غفير غير التصعيد اللفظي والتهديد بإجراءات تصعيدية خطيرة، يمكن إدراجها في إطار التكتيك الأمني، لكن بعضها قد يفضي الى نقلة نوعية، مثل النوايا بهدم بيوت جماعي في بلدة سلوان في القدس المحتلة، وتسهيل إجراءات تسليح السكان اليهود بشكل واسع، وكذلك هدم بيوت الفلسطينيين غير مرخّصة اسرائيلياً في القدس الشرقية.

ولتسهيل مهمته، صبّ وزير الأمن القومي جامّ غضبه على المستشارة القانونية للحكومة ووصفها بأنها تعوّق تنفيذ قراراته وقرارات الحكومة (قبل الاجتماع الأمني الوزاري المصغر (.

من جهته دعا الوزير في وزارة الأمن سموتريتش الحكومة إلى البدء فورا بخطة إسكان منطقة E1 والتي تشمل تهجير سكان الخان الأحمر الفلسطينيين، وتوسيع الاستيطان في القدس، وإلى معاقبة السلطة الفلسطينية.

في مستهل الاجتماع الطارئ للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الامنية شكر نتنياهو الرئيس الامريكي بايدن ووصفه بالصديق، على وقوف الاخير الى جانب اسرائيل وكذلك موقف فرنسا وألمانيا وقادة العالم وقادة عرب وتركيا على مساندتهم لإسرائيل، كما وربط تزامن العمليتين في القدس باليوم العالمي لإحياء ذكرى المحرقة/الهولكوست وبقرب الحدث من منطقة كنيس يهودي.

ودعا نتنياهو الاسرائيليين الى الامتناع عن تجاوز القانون و”أخذ الأمور والقانون بأيديهم” واعتماد اجهزة الأمن لتقوم بدورها بشكل صارم ودقيق.

التطور اللافت في هذا السياق، دعوة عدد من المحللين والإعلاميين الإسرائيليين الى اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي جبهة أساسية، تستوجب مراقبتها وتتبعها وكذلك حجبها، في مواجهة احتمال عمليات مستوحاة من عمليات سبقتها.

معظم المحللين يؤكدون أن العمليتين الفدائيتين في القدس تندرجان في إطار العمليات الفردية، وهي الاصعب بالنسبة لأجهزة الأمن في رصدها والحيلولة دون وقوعها.

دورة العنف الجديدة، وسط تهديدات من الائتلاف الحكومي بتغيير جذري في الوضع القائم، استدعت تدخلا أمريكيا عاجلا بدا بزيارة مستشار الامن القومي جاك سوليفان، ثم الزيارة المفاجئة لرئيس جهاز المخابرات “السي أي ايه” وليم بيرنز ثم الزيارة المقررة في الثلاثين من يناير لوزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن.

 

تحليل:

ثمة تجاهل مطلق سواء في المستوى السياسي ام الاعلامي بما في ذلك المعارضة، للربط بين مجزرة جيش الاحتلال في جنين صباح يوم 27 يناير، وعمليتي القدس الفدائيتين. فالاستراتيجية الاسرائيلية تعاني من فائض القوة في التعامل مع عمليات تحدث في القدس تحديدا، فهي مناطق تحت النفوذ الامني الإسرائيلي المطلق، التي يتحكم بمفاتيحها اليوم بن غفير ورؤية تياره الصهيو – ديني.، فقد جربت الحلول الأمنية على مدار عقود الاحتلال الطويل في ظل غياب الحلول السياسية. تجلى عجز وزير الأمن القومي عندما حاول توجيه الغضب الشعبي نحو المستشارة القانونية للحكومة، خدمة لمصالحه الحزبية والسياسية. فيما استعاد نتنياهو صفة الشخصية الأمنية، أمام الرأي العام الاسرائيلي، وبدلا من الانشغال بمواجهة الضغوطات الشعبية بشأن المخاطر الكبرى من محاولاته تقويض سلطة المنظومة القضائية. واستقلالها، وجد ضالته ولو مؤقتاً في محاولة كسب الشرعية الدولية لحكومته المأزومة، ومتابعة مخططه لتفكيك الجهاز القضائي.

التخبط وأزمة الحكم في إسرائيل في التعاطي مع عمليات القدس ظهرت أيضا في توزيع الاتهامات، بدءا بالسلطة الفلسطينية واتهامها بالمسؤولية عن التحريض وليس انتهاء بحركة حماس، حين لم يستبعد تصريح نتنياهو أية وسيلة بما في ذلك تصفية قيادات عسكرية وسياسية في غزة، والتهديد بوقف تصاريح العمل لحوالي العشرين ألفا من غزة في المرافق الإسرائيلية، على الرغم من انضباط حركة حماس والتزامها الجوهري بالتفاهمات الضمنية والتهدئة.

الحدث الأهم الذي قد يضبط رد الفعل الاسرائيلي المتهور هو زيارة انطوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، فالحفاظ على العلاقة المتطورة مع واشنطن، يعد انجازا استراتيجيا لنتنياهو بحسب التقديرات الإسرائيلية، ويعول على الإدارة الامريكية كثيرا للحيلولة دون اشتعال الجبهة الفلسطينية، ما قد يؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية.

في حال أخفق بن غفير وسموتريتش بفرض جدول أعمالهما على الحكومة، تبرز الى السطح مخاوف جدية من ان يكون التصعيد ميدانيا ومن خارج إطار منظومة القوة الرسمية من خلال الميليشيات المسلحة التي انشأها الحزبان في جانبي الخط الأخضر، وهو ما يفسّر تشديد نتنياهو على أهمية عدم تجاوز القانون.

يأتي استمرار المظاهرات المناوئة لحكومة نتنياهو، والتي شارك فيها يوم 28 يناير أكثر من ستين ألفاً، كمؤشر على أن الصراع السياسي الاسرائيلي لم يتوقف بسبب الوضع الامني ورغم الإجماع في الموقف من عمليتي القدس ومن تجاهل اجتياح مخيم جنين. إلا انه كان لافتا تصريح رئيس المعارضة لبيد الذي أدان فيه بن غفير وعدم أهليته، كما وطالب بسحب صلاحيات سموتريتش فيما يتعلق بالتحكم بالإدارة المدنية الاحتلالية

 

خلاصة:

على الرغم من تحذيرات بعض الدول الأوروبية من مخاطر التصعيد، إلا أن الموقف الدولي والإقليمي والبعض العربي الداعم لإسرائيل والصمت على جرائم الاحتلال وآخرها في مخيم جنين للاجئين. الأمر الذي يعزز حالة الإحباط واليأس لدى الفلسطينيين، فالمسألة لم تعد فقط ازدواجية في المعايير، والأخذ بالرواية الإسرائيلية، بل وتعداه الى تحميل الفلسطينيين المسؤولية عن دورة العنف الجديدة وليس دولة الاحتلال. وتصوير الصراع كما لو كان بين طرفين متنازعين متكافئين وليس بين دولة احتلال وضحاياها.

تؤشر قرارات المجلس الوزاري الأمني المصغر إلى أن الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل ، لم يعد أمامها سوى المزيد من القمع والترهيب الاحتلالي والتصعيد الشامل مع الفلسطينيين ، في ظل تغييب كامل لأي افق سياسي، واحتمال تقويض السلطة الفلسطينية ومؤسساتها وصولا الى التصفية الشاملة، وهو ما قد يخلق واقعا جديدا، أبرز سماته ليس فقط الضغط الشعبي نحو “وحدة الجبهات” لحركات المقاومة الخارجة من رحم فصائلها التقليدية، انضمام فئات جديدة من الشباب للمجموعات الفدائية وتطور الحواضن الشعبية المثقلة بالحصار والقهر والتهديد اليومي من جماعات المستوطنين لأرواحهم وممتلكاتهم وكرامتهم .

لم تذكر مخرجات اجتماع الوزاري المصغّر الموقف من مطلب سموتريتش بشأن تهجير أهالي الخان الاحمر الفلسطينيين واقامة مستوطنات في المنطقة. إذ يوحي الأمر بتردد نتنياهو في التورط في مسألة استراتيجية وتتعارض مع الموقف الامريكي، الا ان الاجواء الاسرائيلية توحي بتصعيد كبير، وبالذات بعد انتهاء جولة بلينكن، ولا يوجد من يكبح جماحها.

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب