news-details

الحب في زمن الكورونا: " خارطة طريق"| يوسف حيدر

من آذار ونيسان لأيار 2020 ؛ (6)

 

 ما جلبه فيروس الكورونا لنا "تسونامي" من عدم اليقين في أن نشعر بالحياة الطبيعية في المنزل أو في مكان العمل. وما نتج عن هذا الوباء العديد من التغييرات في فترة زمنية قصيرة. فهذا الوضع أوقعنا في دوّامة الأخبار السّلبية الّتي تحيط بالوباء، والشّعور المخفي بالعجز العام لعدم إيجاد اللّقاح المطلوب والتخلّص من هذا الارتباك المستمر. ولكن في الأوقات الصعبة تبرز قوّتنا الداخلية التي تعطينا الإرادة لتجاوز الأزمة. فالأسئلة الصعبة والمهمة التي تسأل في هذه الحالة، هل باستطاعتنا أن نأخذ المبادرة في امتلاك حياتنا ورفاهيتنا بعد هذا التوقف في حياتنا الطبيعية؟  وهل نحن قادرون على التكيف للتبدّل والتغييرات؟ وهل الوباء غيّرنا جميعًا؟ وهل نحن بحاجة إلى خارطة طريق مُحكمة؟ حتى لا يصيبنا فيروس الاستسلام والّلجوء إلى عامل الصدفة. وهل نحن بحاجة للتأمّل الذّاتي والعميق للتّوافق مع هدفنا الأسمى؟ ألّا نستسلم ونترك الأمور تنحو بداخلها ونكون نحن ردّة الفعل.

 مع أنّنا دائما نذكر مساوئ الوباء، لكن تبدو هنالك للوهلة الأولى فوائد، وأوّلها أنّ الطبيعة بدأت تتنفس أخيرًا بعد توقف الطائرات عن الطيران والمصانع من تلويث الجو، والأرض جددت شبابها، وأصبح هذا الوباء منعشًا للطبيعة. وتمّ استعادة التنوع البيولوجي للأرض من خلال الاستهلاك الأقل بالحد الأدنى، وتحمل المسؤولية الكاملة في الادّخار من أجل مستقبل مستقر ماليًا وتناول وجبات مغذية، وعدنا للاكتفاء الذاتي من خلال التقليل من الاعتماد على الآخرين أو الأشخاص أو الشركات. وغدونا نتحمل المسؤولية الذاتية الكاملة على صحتنا.

صحيح أنّ الحياة الآن تضعنا في خضمّ التغييرات التي نحتاجها لنكمل مشوارنا الحياتي، فهل نحن مستعدون لإعادة الحب والمحبة لحياتنا؟ بعد التباعد الاجتماعي، يصح القول كما عبر عنه زميلي الكاتب نادر أبو تامر في إحدى تغريداته "كان البعد جفاء. صار البعد شفاء"، والذي أدى بنا إلى الخوف حتى من القبلات "والضمات " والعناق. هذه الجائحة اللّعينة قوّت فينا الفراق على العناق. وهذه هي الحركات والعادات الأولى في الحبّ.

وحتّى لا أطيل عليكم بأسئلتي لا بدّ من التساؤل ماذا ستحوي "خارطة الطريق"؟، وهي الكلمة المرددة كثيرًا في المدة الأخيرة للخروج من الأزمة والعودة للحياة الطبيعية. وهل في فحوى الخارطة سيكون لدينا لقاح وعلاجات جديدة معتمدة؟ وهل لدينا بروتوكولات علمية جديدة للصحّة العامة ولكيفية منع كارثة أخرى من هذا الحجم؟ وهل خارطة الطريق التي ستطرح مليئة بالمعلومات حول وباء كوفيد -19 بعد أن تأكد انخفاض الحالات في بلدان عديدة وبدء التفكير في رفع عمليات الإغلاق الخاصّة بها تمامًا وكليًا؟ مع أنّ الأمر المؤكد أيضا هو أنّ الحياة التي سنعود إليها ستكون مختلفة بشكل كبير عن تلك الّتي كانت قبل تفشّي الوباء. وسنتذكّر مشاهد اضطرار المرضى النوم على الأرض في المستشفيات. عندما طغى الوباء وانكشفت أزمة الصحّة العالمية. وازداد الخوف من أن نكون بالقرب من الآخرين.

 وممّا ذكرته سابقًا فهل سيفرض على واضعي الخطط التأكيد على أهمية وجود نظام "رعاية صحية" قوي. فمهم في جوهر خارطة الطريق أن نؤكد على ضخ وتوفير وظائف أكثر من أطباء وممرضين وممرضات، وعلى استثمار المال في الصحة بدلًا من استثماره بالصواريخ والطائرات، وبالاحتلال والغزوات. وبالطبع توفير معدات الحماية الشخصية للعاملين والمختصين في مجال الرعاية الصحية العامة، لنصل إلى وضع يعرف فيه المُعالج أنّه في أمان من خطورة الوباء، وذلك عندما يقوم بعمله والذي يمثل تحديًا كبيرًا له. هذا وقد قُدر قبل جائحة الكورونا أنّ نصف الأطباء في العالم والبالغ عددهم 10 ملايين يعانون من أعراض الإرهاق، فما بالكم الآن بعد الكورونا.

وهل في خارطة الطريق ستوضع الحلول للسؤال المهم الكبير: هل سنبقى نثق بالعالم المعولم؟ فقد كنا قبل الكورونا نتمتع بمستوى معين من الثقة، وقد أمكننا السفر من التعرف على الأشخاص بدون قيود تذكر. وهل سيتغير هذا الأمر بعد أن بقي مليارات الأشخاص محتجزون في منازلهم لأسابيع، وأدى الوباء إلى تفاقم علامات القلق الاجتماعي لدى الناس؟

باعتقادي بعد قراءتي لبعض الأبحاث وما نشر في الصحف والمجلات في الأمر للرد على السؤال: ما يمكن أن يتغير؟

إننا سنحمل من الآن ولاحقًا، وثيقة سفر جديدة أو ما يسمّى جواز سفر محصن ضد الفيروس، وهذا ما ستحذوه الدول لاحقًا (وعلموا على كلامي) وستجري الفحوصات في الجو وستحصل على نتيجة فحصك سريعًا. وإذا لم تحصل على هذا الجواز المحصّن ستبقى محتجزًا في بيتك وعاطلًا عن العمل. وستزيد المراقبة علينا فنتنياهو رئيس الحكومة المتهم والمشبوه بالفساد   كما نشر تواق لاستمرار هذه المراقبة من قبل الشاباك). في بلادنا توخّيت خيرًا من هذه المراقبة في أن تقلّل فيروس العنف في مجتمعنا العربي ويصلوا للجناة سريعًا ويحلّوا ألغاز جرائم القتل والغدر والانتقام وينزعوا السلاح المرخص وغير المرخص المنتشر بيننا.

وهل هذا الاستثناء سيغدو القاعدة المستقبلية؟ تحت حجة الطوارئ (بطاقة الخصوصية) كما جربتها الصين وكوريا الجنوبية على مواطنيهم جميعا بكشف المعلومات الشخصية صورة وأسرار.

وهذا ينقلنا إلى تحديد موقفنا من تقنية أي "تكنولوجيا" الذكاء الصناعي، تقنية ترسل التنبيهات الأولى من تفشي المرض، واستخدام الخوارزميات للمساعدة في فحص الأشخاص المحتمل تأثرهم. إلى جانب الحاجة لهذه التقنية في كيفية إدارة المستشفيات وإدارة مواردها. واستخدامها أيضا لتسريع أبحاث اللقاحات، مع أنّ هذه الوسائل ليست حلولًا بحد ذاتها، بل هي أدوات تساعد المختصين على إتقان حرفتهم وتخصصهم.

وهل سنشهد مستقبلًا وتطورًا في استخدام الطب عن بعد وتغيّر أنماط الرعاية الصحية في العالم وتقل زيارة الأطباء لمرضاهم، ويقل الحنان والحب.

أنا واثق من أنّ "ملحمة الكورونا" ستنتهي بلا شك، وسنعود إلى حياتنا الجميلة، وسنتجول في بلادنا الجميلة، مع أننا رصدنا جمالها وربيعها الساحر الأخير من شبابيك وشرفات وأبواب بيوتنا. وواثق أنّنا سريعًا لن نقبل بكل القيود التي ستمنعنا من الحب، في أن نلتقي بالأصدقاء والأصحاب والأحباب. وسيكون زماننا طبيعيًا بما سيأتي من لحظات الفرح ونجد من يهنئنا، وفي الحزن نجد من يواسينا ومن يمسح لنا دموعنا بلا توجس وخوف.

وللحبّ بقية...

(يتبع)

 

الصورة: شارة النصر وسط الربيع رغم الكمامات – هينان، وسط الصين (شينخوا)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب