news-details

الصدام العتيد مع النهج الجديد| رجا زعاترة

المطلوب هو الالتصاق بالناس وتثويرهم وليس التنظير عليهم و"تنويرهم" من عليائنا المتخيّلة

 

"من حيث المبدأ تحافظ ككال على سنة الإبراء ولا تقوم بغرس (الأشجار) هذه السنة. لدينا تصريح خاص من الحاخامية لغرس الأشجار كما فعلنا اليوم في الجنوب. حيث أنها تعتبر نشاطات زراعية تهدف إلى الحفاظ على أراضي أرض إسرائيل. الأرض التي تم غرسها اليوم كان قافرة منذ قيام الدولة، ولم يقم البدو باستعمالها بتاتًا".

ينضمّ هذا التصريح - الذي أدلى به رئيس "ككال" أبراهام دوفدفاني هذا الأسبوع - إلى المعطيات التي تؤكد أنه في النصف الثاني من العام 2021، أي منذ دخول "الموحدة" إلى الحكومة، تم هدم 1800 منزل ومنشأة في النقب، مقابل 1200 في النصف الأول. أي 3000 منزل بالمجمل عام 2021، مقابل 2000 منزل عام 2019، و2500 منزل عام 2020. كما ينضمّ إلى استثناء البلدات العربية مسلوبة الاعتراف من "قانون الكهرباء"، بعد رضوخ صناديد "النهج الجديد" ليس فقط لسيطرة شاكيد "بالقطارة" على تراخيص الكهرباء، بل للغة ورواية ومنطق السلطة الحاكمة وعنصريتها التخطيطية، بأنّ عرب النقب "غزاة" "يستولون على أراضي الدولة" التي أحيتها الدولة بعد أن كانت قفرًا وقبل أن يخلّصها شعب الله المختار من النواطير العرب!

 

  • لا حياء لمن تنادي

هذه هي دولة إسرائيل التي "ولدت يهودية وستبقى يهودية"، حسب تصريح رئيس القائمة العربية الموحّدة: دولة نووية تأتمر بأوامر الشريعة اليهودية - "من حيث المبدأ" - إلا إذا كان الأمر متعلقًا بتخليص أرض إسرائيل من أيدي الغزاة، فعندها كل شيء حلال "كاشير". ويمكن الغرس في سنة الإبراء ويمكن الهدم يوم السبت ويمكن القمع يوم السبت. ويمكن القتل يوم السبت أيضًا، إذا اقتضت الحاجة. وقد تقتضي أحيانًا! ألم تقل جولدا مئير يومًا: "لن نسامح العرب أبدًا على أنهم يضطروننا لقتل أولادهم"؟!

في مثل هذه الأيام قبل سنة، أطلق أصحاب النهج الجديد شعار "صوت واقعي، مؤثر ومحافظ". وقد تبيّن اليوم أنّ الواقعية، في عرفهم، تعني الإذعان للأمر الواقع: الإذعان للاحتلال والاستيطان، لسيطرة شاكيد وعنصريتها المفضوحة، لمنع لمّ الشمل، لإنكار مجزرة كفر قاسم. أما عن "المحافظة" فحدّث ولا حرج، فلا حياء في ضخ الملايين لصالح المثليين ("الشواذ" الذين أقاموا عليهم الدنيا ولم يقعدوها) ولا حرج في تحليل "الكنابيس" لعدم تعكير مزاج الائتلاف، وطبعًا لا حياء ولا حرج ولا خجل ولا وجل في التصويت مع ميزانيات تهويد القدس والحفريات تحت المسجد الأقصى واقتحامه والتخطيط لإقامة "الهيكل الثالث" على أنقاضه. أولم ينهركم القائد المجدِّد: "نبخل على الأقصى بصوت؟!".

 

  • تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها

وقد يقول قائل: حسنًا يا أخي؛ ولكنّهم حصّلوا ميزانيات.. بالمليارات! ولنفترض للحظة أنّهم حصّلوا فعلاً. فهل يبرّر هذا كل هذه التنازلات السياسية الخطيرة؟ فلنأت إذا بمخمّن ليشور علينا: بكم من المليارات سنقبل للتنازل عن الأقصى؟ وماذا عن القيامة؟ ما هو المبلغ المرضي لتقاسم الحرم الإبراهيمي؟ بكم مليون سنبيع كل شهيد في غزة؟ كيف نسعّر اعتقال طفل في النقب؟ كم نطالب مقابل "التطنيش" على اعتداءات المستوطنين على الشيوخ والنساء في الخليل وفي بيتا وبرقة؟

وبالعودة إلى الميزانيات "غير المسبوقة"، فقد أجمع القاضي والداني – وعلى رأسهم رئيس الحكومة بينيت – أن القرار 550 هو استمرار للقرار السابق 922، الذي انتزعته "القائمة المشتركة" دون أي تنازل سياسي، ودون التراجع قيد أنملة عن أية قضية جوهرية. صحيح أنّ هناك كمًا أكبر من الميزانيات اليوم، وإن كانت على الورق حتى الآن. ولكن لا يوجد أي إنجاز نوعي جدي واحد يمكن الإشارة عليه في القرار 550 قياسًا بالقرار 922.

 

  • ما العمل؟

يحظى هذا النهج بقوّة دفع لا يستهان بها، بفعل رياح التطبيع الإقليمية وحالة الجمود الفلسطينية وتغلغل الثقافة الاستهلاكية وانهماك الناس بالهم اليومي المعيشي والأمني، وبفعل الترويج والتلميع الإسرائيلي الذي يتماهى معه بعض أبناء جلدتنا، كما يحدث للمقهورين في كل مكان. إنّها معركة على الوعي أولاً وأخيرًا، قد تستغرق وقتًا ما. ولكنّ المشكلة هي أننا لا نوظف كامل طاقاتنا في الاتجاه الصحيح، بل نهدر كثيرًا منها جُفاءً.

فالمواجهة لا يمكن أن تتأتى من خلال التمترس في الطهرانية والتشبث بالنقاء الثوري باسم "المبدئية". المطلوب هو تعميق التواصل اليومي مع الناس. المطلوب هو الالتصاق بهم وتثويرهم وليس التنظير عليهم و"تنويرهم" من عليائنا المنقطعة عن نبض الجماهير.

مواجهة هذا النهج تستوجب تقليص الفجوة بين الشعار والممارسة، كما يقول لينين: "ليست نظريتنا بدوجما، بل مرشدًا للحركة. وطالما كان ماركس وأنجلز يسخران من تكرار الصيغ المحفوظة عن ظهر قلب، والتي في أفضل الأحوال لن تكون قادرة سوى على رسم إطار للمهمات العامة، تلك المهمات التي تتغير بالضرورة بتغير الظروف الاقتصادية والسياسية لكل فترة في العملية التاريخية (...) أي قاعدة تاريخية عامة تُطبّق على حالة معينة من دون تحليل خاص لظروف هذه الحالة المعينة لن تغدو سوى أن تصبح عبارة فارغة".

في الصورة: قوات الاحتلال تقتحم المسجد الأقصى، أيار 2021

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب