news-details

العمل من البيت في زمن الكورونا، تحدّيات ونصائح

جلب فيروس كورونا المستجد الكثير من العادات "الغريبة" إلى حياتنا، فتحوّل البيت مثلًا إلى صف تعليمي، ومساحة للياقة البدنيّة، ومكتب للعمل... قد يبدو الأمر جميلًا، للوهلة الأولى، أن تفعل كل شيء دون أن تترك سريرك أو غرفتك، وحتى دون أن تضطر لتبديل بيجامتك طيلة النهار.

ولكن الأمر لا يخلو من التّحدّيات والصّعوبات التي تواجهنا مع كل يوم جديد نقضيه داخل جدران بيتنا، التزامًا بالتعليمات ومنعًا للمساهمة في انتشار العدوى.

وبما أن غرفتي صارت مكتبًا، وأصبحت أستيقظ من نومي متجهةً مباشرة إلى حاسوبي الذي لا أتركه غالبًا إلا حتّى خلودي للنوم مجددًا، فأنا واحدة من الأشخاص الذين يواجهون هذا التّحدّي بشكل يومي، يشمل نهايات الأسبوع. رأيت أن أستشير صديقتي في هذا الأمر، كونها تعمل من البيت منذ سنوات، حتّى قبل أزمة فيروس كورونا. 

صديقتي ربى سمعان اختارت قبل ستّ سنوات أن تترك عملها المكتبي، وتفتح مصلحتها الخاصة في مجال الترجمة، وكون عملها لا يتطلب أكثر من حاسوبٍ وهاتف، قرّرت أنها ليست بحاجة إلى مكتب تداوم وتعمل فيه، وهكذا تحوّل بيتها لمكتبها الخاصّ أيضًا.

وتقول ربى أنّ "للعمل من البيت إيجابيّات كثيرة، أهمها المرونة في ساعات العمل، وبالنسبة لي هذا جيّد، فأنا مثلًا أعلم أنني أكون أكثر نجاعة في ساعات المساء، وهذه المرونة تسمح لي بالتحكّم الكامل ببرنامج حياتي".

وتتابع: "ولكنه سيف ذو حديّن، لأن هذه المرونة تخلق تداخلًا كبيرًا بين العمل والحياة الشخصيّة، بحيث يصعب الفصل بينهما، وأشعر أحيانًا أنني كل اليوم "متواجدة في العمل"، بهذا الجانب توجد أفضليّات وإيجابيّات للعمل في دوام ثابت وواضح".

وتضيف حول صعوبات العمل من البيت: "مجتمعنا لم يتقبل بعد فكرة العمل خارج المكتب، فيتعاملون معي وكأني لا أعمل (شو عليك ما انت بالبيت!)، واستصعبت كثيرًا حتى نجحت بوضع حدود واضحة والافصاح بشكل جليّ بأن عملي من البيت لا يلغي التزاماتي تجاه الزبائن والمهام المطلوبة مني".

في نهاية حديثنا سألت ربى ما أهم نصيحة يمكن أن تسديها لي كي أحوّل عملي في هذه الفترة إلى عمل ناجع أكثر فقالت دون تردد: "أهم نصيحة هي تنظيم الوقت، الاستيقاظ باكرًا وكأنك تخرجين للعمل فعلًا، وأعتقد أيضًا أن تغيير الملابس والتحضير كأنك خارجة لدوامك هو أمر في غاية الأهميّة حيث أنه يخلق أجواء عمل وشعور ببداية يوم جديد وفرصة جديدة للإنجاز والإنتاج".

وبما أن عملي المعتاد، ما قبل الكورونا، لم يكن متعلقًا بالكامل بالعمل من المكتب، كوني أعمل في القطاع الثالث، خلقت لنفسي مساحة أسميتها "مكتبي المتنقل" وهي مساحة متنقلة كذلك، أحيانًا أخرج من مكتبي وأذهب إلى مقهى، أتابع العمل خلال تناول الغداء مثلاً. كما أن عددًا لا بأس به من الاجتماعات المتعلقة بالعمل بالإمكان عقدها في المقهى كذلك، وأحيانًا أخرى كنت أعمل من البيت.

ولكن في ظل "الكورونا" تحوّل مكتبي إلى أرضية ثابتة، غير متنقلة، في البيت وفقط فيه، التزامًا بكلّ تعليمات وإجراءات السلامة. الأمر الذي جعلني أفكر بالأشخاص الذين انقلبت حياتهم رأسًا على عقب، المعتادين على العمل في المكتب، وفجأة وجدوا أنفسهم خارج إطار البيئة الطبيعيّة.

أحد هؤلاء الأشخاص هو الرفيق باسل اغبارية، والذي يعمل كمحاسب في شركة خدمات محاسبية عالمية. بدأنا حديثنا عما كان ما قبل "الكورونا"، وصف باسل نهارًا عاديًا في العمل: "العمل في مكاتب محاسبية تمثل شركات عمومية، أسهمها متداولة في البورصات الإسرائيلية او العالمية، يتسم بالموسميّة بناءً على مواعيد نشر التقارير المالية للجمهور. في الأيام العادية، ساعات الدوام تكون بمعدل تسع ساعات يوميًا، غالبًا من الساعة الثامنة والنصف حتى الخامسة والنصف. بالمقابل في الفترة التي تواكب نشر التقارير المالية، عامل الوقت هو أقل حضورًا، والغلبة لسير العمل واتمام المهام، كثيرًا ما نخرج من العمل في ساعات منتصف الليل".

وتابع: "طبيعة مجال عملي هي ضمن طواقم عمل، تقع تحت مسؤولية كل طاقم عدة مهام مشتركة او متشابكة. لذلك هناك حاجة دائمة إلى التواصل. كما لكوننا الآن في خضم فترة نشر التقارير المالية السنوية نتواجد بشكل دوري داخل الشركات التي نعمل معها للتواصل المباشر مع المسؤولين الماليين هناك.

وأضاف: مبدئيًا إمكانية التواصل عن بُعد كانت متاحة داخل نظام الشركة، من مكان وجود عملاء وفروع للشركة خارج البلاد. إذ من الممكن القول ان وجود هذا الشيء سهّل نوعًا ما الانتقال للعمل عن بُعد. ولكن الكثير من العقبات ما زالت تحضرنا، من باب ان طبيعة العمل لا تتيح فعل كل شيء عن بُعد، أو لكون الأشخاص لم يتحضروا ذهنيًا ومهنيًا لهذه النقلة".

تغيّرت بيئة العمل، دون تهيئة مسبقة لعدم توفر الوقت لذلك، ولكن الالتزامات لم تتغيّر، وحول ذلك يقول الرفيق باسل: "كما ذكرت سابقًا، نحن الآن نتواجد في فترة نشر التقارير المالية للجمهور، فعمليًا كان من الصعب جدًا على المؤسسات إرجاء العمل لبعد مرور الأزمة. كونه يترتب على ذلك ثمن اقتصادي عيني وثمن اقتصادي عام. لذلك انتقلنا للعمل من البيت بشكل تام منذ بداية شهر آذار، أستطيع القول أن برنامج العمل أصبح أكثر حزمًا وثقلًا، أنت ما زلت ملزمًا بإتمام العمل ولكن يجب ان تخلق الآن وسائل غير تقليدية لإنجازه".

وحول سؤالي عما يفضل قال: "بدون أدنى شك العمل في مكان العمل. اعتقدت ان للتواصل المباشر مع الأشخاص أبعاد تفوق التواصل عن بُعد. ليس فقط بالبعد المهني انما أيضًا بالبعد الإنساني الشخصي وذلك ينعكس على طبيعة سير العمل. كما ان مجال عملي بالذات لا يتيح إتمام كل المهام عن بعد، كون العمل يتطلب أيضًا تواجدًا في مقرات الشركات التي نعمل معها".

أما نصيحة باسل لتنجيع العمل من البيت بناء على دروسه المستفادة من هذه التجربة القصيرة، فهي لا تختلف كثيرًا عن نصيحة ربى: "واحدة من المشاكل التي واجهتني خلال بداية عملي بالبيت، أن العمل في البيت يبقيك دائمًا في أجواء العمل، مما يؤدي بك لإهمال جوانب حياتية أخرى. برأيي من المهم جدًا تحديد ساعات عمل ووضع بيئة عمل منفصلة عن أجواء البيت والحياة الشخصيّة اليوميّة".

 

خمس نقاط من شأنها تنجيع العمل

ومن تجارب أصدقائي توجهت لسماع رأي المختصين أيضًا، دنيا مخلوف (مستشارة تنظيميّة وتسويقيّة) تشدد على خمس نقاط من شأنها تنجيع العمل من البيت وخلق بيئة إيجابيّة أكثر وزيادة الشعور بالرضا والاكتفاء:

النقطة الأولى، تحديد ساعات العمل وبرنامج العمل، ومن الأفضل بناء برنامج عمل يومي (وليس أسبوعي أو شهري) مع مهام واضحة لكل يوم. وبالإمكان الاستعانة بتطبيقات تكنولوجيّة لإدارة المهام وهي متوفرة في الانترنت والهواتف الذكيّة. ومن المهم تحديد ساعة البداية وساعة النهاية للدوام من البيت وحتلنة الزملاء والعائلة بذلك أيضًا.

النقطة الثانية تتطرق لأجواء العمل، فتقول دنيا أنه من المهم اختيار زاوية واحدة في البيت للعمل (السرير ليس احتمالًا واردًا هنا) وعدم التعامل مع البيت كله كمكتب.

النقطة الثالثة حول أهمية التواصل الإنساني، حتى لو كان عن بُعد. فتؤكد دنيا أن التواصل التزامني -أونلاين- مع الزملاء، خاصة من خلال تطبيقات تتيح محادثات الفيديو، يشجعنا على العمل وينقذنا من الشعور بالوحدة والملل.

رابعًا، بناء برنامج غذائي ملائم، وتحضير طعام لساعات العمل، فالجوع والأكل غير الصحي يضر بقدرتنا على التركيز. لذلك من المفضل تحضير "زوادة" حتى أثناء عملنا من البيت.

النقطة الخامسة والأخيرة في غاية الأهمية، لأنها تتطرق للملهيات. فحياتنا مليئة بالملهيات، وبالأسباب التي تقلل من قدرتنا على التركيز، لذلك من المهم إغلاق تطبيقات التواصل الاجتماعي، كفيسبوك وانستغرام وغيرها، وتأجيل المحادثات العائلية والمحادثات مع الأصدقاء لساعات ما بعد الدوام، أو خلال الاستراحات القصيرة التي يجب أن يشملها برنامجنا اليومي. 

وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية بناء برنامج مواز للأطفال في حال تواجدهم معنا في البيت خلال ساعات الدوام، الأمر الذي يشكل تحدّيًا بحد ذاته، وقد يتطلب منا مرونة وتغيير في ساعات عملنا.

إلى هنا النصائح الخمسة التي خصتنا بها المستشارة التنظيميّة والتسويقيّة دنيا مخلوف، وهي تبدو فعلًا نصائح هامة من شأنها جعل تجربتنا أكثر نجاعة. وعن نفسي سأبدأ بتطبيقها مع بداية الأسبوع القادم، لأنني قررت أن نهاية الأسبوع سيتم إغلاق مكتبي البيتي، حتى لو كان لدي متسع من الوقت لإنجاز ما تراكم من مهام، سأستغل نهاية الأسبوع لعطلة من العمل، كما كان الحال قبل "الكورونا".

وفي النهاية، لا بد من القول انّ هذه الأزمة ستمر، وسنعود لحياتنا وعملنا، ولكن ما بعد "الكورونا" سيختلف عما عرفناه قبله. وفي ظل التقلبات الاقتصاديّة، وعدد المعطلين عن العمل غير المسبوق، والفراغ وعدم الوضوح العام، وفي ظل كل التغييرات التي تهدد ثباتنا، يبقى العمل نعمة، حتى لو كان من البيت...

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب