news-details

"القائمة المشتركة" بعد تجربتين تثبت حاجتها السياسية والشعبية

إعادة تشكيل القائمة المشتركة، يأتي بعد تجربتين في غضون أربع سنوات، ليكون الاستنتاج الأساس، في هذه المرحلة: أن القائمة المشتركة حاجة سياسية وشعبية، ماسة، في ظل التحديات المتصاعدة على جماهيرنا العربية وشعبنا الفلسطيني ككل.

فحقا أن مخاض تشكيل القائمة كان قاسيا، وخلق أجواء ليست مريحة، إلا أن هذا مخاض طبيعي يجري في كل الأوساط السياسية، حينما يكون الحديث عن شراكة سياسية مُلحة، بين أطراف بينها اختلافات في التوجهات، ولكنها تلتقي عند ما هو أهم؛ عند الأهم: مواجهة العدو الواحد الذي يستهدفنا كلنا، يستهدف وجودنا في وطننا، وحقنا بالعيش الكريم.

فقد كانت التجربة الأولى في العام 2015، حينما أقيمت "المشتركة" لأول مرّة. وعلى مر أربع سنوات، شهدنا الكثير من المطبات في سياق العمل البرلماني والسياسي. ورغم ما حمل هذا من سلبيات، إلا أنها كانت التجربة الأولى، التي يستفاد منها الآن. والتجربة الثانية، حينما تم حل القائمة المشتركة في انتخابات نيسان، وتبين للجميع أي خسارة كانت.

وأكثر من هذا، هو أنه على الرغم من كل السلبيات التي شهدناها في التجربة الأولى، إلا أن المشتركة بقيت خيار وإرادة شعب، ولهذا، فإنها تأسست من جديد، وهي تستحق الآن الدعم الأكبر من الجماهير الواسعة، لزيادة التمثيل، حتى أكثر مما كان في العام 2015، وهذا احتمال قائم. والكثير من المؤشرات الميدانية تساعد على تحقيق الإنجاز.  

 

استنتاجات من انتخابات نيسان

الاستنتاج الأول من انتخابات نيسان، في العام الجاري، كان أن تراجع نسبة التصويت بين العرب من 62% في العام 2015، الى 53% في نيسان، من أهم أسبابه، هو عدم استمرار القائمة المشتركة، ما خلق أجواء احباط، استفادت منها جهات معادية لشعبنا، وتتمنى استبعاده عن الحلبة السياسية، وأن لا يكون له وزن سياسي في الحلبة البرلمانية؛ لأن هذا الوزن يقوّض خيارات تشكيل الحكومات. وكلما زاد تمثيلنا، ازدادت بالتالي أزمة الحكم واستقراره.

فمن ناحيتهم هم، فإن غياب التمثيل الفلسطيني الوطني في الكنيست، ومعه القوى التقدمية الديمقراطية الحقيقية في الشارع الإسرائيلي، سيعيد توزيع المقاعد من جديد، ما يعني تلقائيا، أغلبية فورية لليمين الاستيطاني بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي يستشرس في مخططاته السياسية لتصفية القضية الفلسطينية.

ولا نقول هذا، ليعني أن البديل لحكم نتنياهو المطروح حاليا، هو أفضل منه. فنحن نرى قائمة جنرالات الحرب المسماة "كحول لافان" تتوغل في سياساتها اليمينية الحربية الدموية. فهام هم قادة هذه القائمة، تجولوا قبل أيام في غور الأردن المحتل، ليعلنوا أنه جزء من إسرائيل، كما أن برنامجهم السياسي يشير بشكل واضح الى نيتهم ضم مستوطنات الضفة، الى ما تسمى "السيادة الإسرائيلية".

وتبع ذلك تصريحات لرئيس قائمة "كحول لافان" بيني غانتس، بأنه إذا ما ترأس الحكومة المقبلة، فإنه "يعدنا" بحرب طاحنة على قطاع غزة، ليعيد ما يسميه عسكر الاحتلال "قوة الردع".

ولكن في ذات الوقت، فإن وزنا كبيرا للقائمة المشتركة، يتيح لها المجال للاستفادة من الصراعات البرلمانية، وتستغلها بحسب اللعبة البرلمانية، في محاولة لكبح سياسات متطرفة. وبموازاة ذلك العمل على طرح قضايا جماهيرنا العربية اليومية، في مواجهة المؤسسة الحاكم مباشرة. فوجودنا في الكنيست، هو بالأساس حلبة مواجهة صدامية مباشرة مع مؤسسة الحكم، ويبقى النضال الأساس هو الميدان.

ولذا فإن رفع نسبة التصويت بين العرب، إلى أعلى مما كان في انتخابات 2015، من شأنه أن يحقق تمثيلا أكبر للقائمة المشتركة، ما سيقض مضاجع كافة الأحزاب الصهيونية.

 

 

لا مكان للأحزاب الصهيونية

والاستنتاج الثاني من انتخابات نيسان، يجب أن يستخلصه من لجأ في انتخابات نيسان للتصويت للأحزاب الصهيونية، ومنهم من كان هذا من ناحيته تصويت احتجاج على عدم قيام القائمة المشتركة.

وهنا علينا أن نضع الأمور في نصابها، فما جرى هو ارتفاع نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية، ولكن من ناحية عدد الأصوات، فإن الزيادة كانت أقل من حجم ارتفاع النسبة المئوية. لأنه في تقديرنا أن تراجع نسبة التصويت بنسبة 9%، جاء على حساب التصويت للقائمة المشتركة. ولذا فإن رفع نسبة التصويت في انتخابات 17 أيلول المقبل، يجب أن يصب كله في صالح القائمة المشتركة.

وهنا يجب طرح السؤال: هل الأحزاب الصهيونية، هي "الخلاص" لمن يبحث عنه. فلنقرأ المشهد السياسي:

لقد سجل حزب "ميرتس" أعلى ارتفاع من بين جميع الأحزاب الصهيونية في الشارع العربي، من 14 الف صوت في انتخابات 2015، الى 37 الف صوت في انتخابات نيسان. ولكن ها هو الحزب المحسوب على ما يسمى "اليسار الصهيوني"، وحينما رأى نفسه في دائرة خطر نسبة الحسم، بسبب تلعثمه السياسي، لجأ لمجرم الحرب إيهود باراك، وتحالف معه، ليضمن استمرار وجوده في الكنيست.

لقد أقدم ميرتس على مسرحية هزلية سخيفة، يقال إنها من تأليف نائبه العربي، بأن دفع باراك ليقدم اعتذارا على جريمة واحدة من سلسلة جرائم الحرب التي ارتكبها في حياته العسكرية والسياسية، مجزرة هبة القدس والاقصى (هبة أكتوبر). وكان الصوت الوطني الواحد والموحد، لجماهير شعبنا والقوى التقدمية، هو رفضها الكامل لهذا الاعتذار، الذي جاء لاحتياجات حزبية انتخابية.

والجزء الثاني من المسرحية، هو أن باراك أبعد نفسه عن مقدمة القائمة واحتل المقعد العاشر، ولكن في المقعد الثالث سيكون مرشحه، نائب رئيس اركان جيش الاحتلال السابق يائير غولان، الذي خلع بزته العسكرية في العام الماضي. ما يعني أن سياسات باراك الدموية، ستكون هي الصوت والقرار السياسي الطاغي في هذا التحالف. فكل صوت لحزب ميرتس منذ الآن، هو "صوت صاف" لإيهود باراك، وكل ما يمثله مجرم الحرب هذا.

والحال ذاته عند حزب "العمل". ففي اليوم التالي لانتخابه رئيسا للحزب، ركض عمير بيرتس الى أنصار حزبه من العرب وعقد لهم اجتماعا، معلنا "غزوا" للشارع العربي ليقتنص الأصوات، وقال في اجتماعه ذاك، كلاما "عذبا" يتقنه جيدا ساسة المعراخ، واضعو كل سياسات التمييز العنصري ضد جماهيرنا العربية، وهم من قاد أخطر الحروب التوسعية الإسرائيلية.

ولكن في اليوم التالي للقاء عمير بيرتس مع "عربه"، شرع بحملة دعاية أفلام قصيرة في شبكة الفيسبوك باللغة العبرية، يتباهى فيها بالحربين اللتين قادهما على غزة ولبنان، حينما كان وزيرا للحرب، في حكومة إيهود أولمرت في صيف العام 2006.

وأكثر من هذا، فإن بيرتس يلمح بشكل واضح لاستعداده للانضمام الى حكومة نتنياهو، "في حال لم يتم تقديم لوائح اتهام ضده بقضايا الفساد"، كما قال.

من وقع في شرك التصويت لقائمة جنرالات الحرب "كحول لافان"، فإن ما سبق ذكره هنا، يؤكد حقيقة هذه القائمة، التي لا تبتعد كثيرا عن اليمين الاستيطاني، لا بل فيها من عقليتهم لا تبتعد عن عقلية حركة "كاخ" الإرهابية، أمثال جنرال الحرب الدموي موشيه يعلون.

فهل هذه الأحزاب تستحق صوتا واحدا من جماهيرنا؟

 

تحالفنا وأنظارنا الى الأمام

"القائمة المشتركة"، هذا التحالف القائم بين قوى مختلفة أيديولوجيا وفكريا وسياسيا، كما هي الشراكة الكفاحية في لجنة المتابعة، تثير انتباه شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، ومعه الشعوب العربية، والقوى التقدمية في العالم، لأنه تحالف كفاحي، عرف كيف يُدرج الأولويات بالشكل الصحيح.

فكل الخلافات، وهي ليست قليلة، ولها أهميتها وخصوصيتها، تبقى في مرتبة ثانية أو أقل، أمام التحديات الخطيرة التي تواجهنا كجماهير فلسطينية مترسخة في وطنها، وشعبنا ككل، ومعه القوى الديمقراطية والتقدمية الحقيقية في الشارع الإسرائيلي.

فالعقلية المسيطرة على مؤسسة الحكم الإسرائيلي هي ذات العقلية التي قادت جرائم النكبة، لا بل هي اليوم أشد شراسة، لأنها تطمح الآن بالسيطرة الكاملة على فلسطين التاريخية. وفي ائتلاف حكومات نتنياهو، هناك من يدعو جهارة لطرد جماعي لشعبنا الفلسطيني من وطنه، مثل حزب "هئيحود هليئومي" الذي يتزعمه الآن المستوطن العنصري الشرس بتسلئيل سموتريتش، والذي عينه نتنياهو وزيرا للمواصلات في حكومته الانتقالية.

فإذا كان سموتريتش وحزبه قد جاهر علنا بهذا المخطط، فإن الكثير من ساسة أحزاب اليمين الاستيطاني، وخاصة الليكود، وحتى في كحول لافان من لديهم ذات العقلية والهدف.

هذا هو الوقت للرد على كل هذه الأخطار التحديات، لنلتف مجددا حول القائمة المشتركة، ونضمن لها أكبر تمثيل، والتدفق على صناديق الاقتراع، لنطلقها صرخة مدوية، بأننا هنا، وسنبقى هنا، ونتحالف لنكون أقوى في وجه كل من يخطط لاقتلاعنا.

وما فشروا.

 

الصورة: "سنبقى هنا، ونتحالف لنكون أقوى في وجه كل من يخطط لاقتلاعنا"

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب