news-details

المنظومة الصينية في امتحان الكورونا: من يتحمل مسؤولية تفشي الوباء؟

اذا كنا سنضع المنظومة الصينية قيد المعاينة والتحليل والمساءلة فيما كشفه عن طبيعتها انتشار فيروس الكورونا الذي خرج من أحد عواصمها الصناعية، ومن ثم طريقة تعاملها معها وكفاءتها في مواجهته واحتوائه، علينا أن نشير أولًا إلى المنظومة الصينية بما هي عليه فعلًا. لا يُمكن التعامل مع ما شاهدناه من نجاح ظاهري للصين في احتواء الوباء مقابل فشل عملي وأخلاقي ذريع للدول الغربية في التعامل مع الوباء على أنه دليل مثلًا، كما يحب أن يصور البعض أو يهتف، على نجاح منظومة اشتراكية مقابل فشل منظومة رأسمالية. 

المنظومة الاقتصادية الصينية هي في طبيعتها وجوهرها منظومة رأسمالية متكاملة حتى لو اختلفت كُل الاختلاف عن تلك الرأسمالية الموجودة في الولايات المتحدة. وان المسمّى الذي تطلقه الحكومة الصينية على طبيعة نظامها "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" هو بحد ذاته مزحة الأيديولوجيا الأكثر حصافة، لأن ذلك الشعار ما هو الا كنية أيديولوجية عن "الرأسمالية ذات الخصائص الأوثوقراطية"، الوصف الحقيقي للمنظومة الصينية المعاصرة منذ بداية تحرير اقتصادها في سنوات الثمانين وتوسيع القطاع الخاص على حساب القطاع العام وخلق منظومة اقتصاد السوق الحر المسيطر عليه والموجه بواسطة الدولة المركزية القوية. إن ما فعلته الصين هو فك التزاوج التاريخي الكاثوليكي بين الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية البرجوازية بجوانبها المتعددة لتخلق رأسمالية تثبت كٌل مرة كما تُثبت اليوم انها أكثر ديناميكية من الرأسمالية في الولايات المتحدة ذاتها. اذا فلتتحدد المقارنة هنا بين كفاءة  مواجهة الصين لجائحة الكورونا أمام فشل الولايات المتحدة مثلًا، بحقيقتها، على أنها ربما دليل على كفاءة رأسمالية أكثر نجاعة، وربما أكثر إنسانية بمعنى ما وفي جوانب معينة.

وإذا كنا نريد أن نستخلص بشكل معمق أي شيء حقيقي حول طبيعة هذه المنظومة ودرجة مسؤوليتها عن تفشي الوباء، علينا أن نتخلص أولًا من كُل المغالطات والتصورات المغلوطة والخادعة التي تم الترويج لها حول علاقة الصين بتفشي الوباء منذ أن رشحت أخبار ظهور هذا  المرض الجديد في مدينة ووهان الصينية نهاية العام، تلك التي تحول دون أن نصل إلى عمق الفهم الحقيقي لطبيعة العلاقة بين المنظومة الاقتصادية والاجتماعية في الصين وبين تفشي الوباء بل ومسؤولية بعض جوانب هذه المنظومة عن تصاعده وتحوله إلى وباء عالمي. 

وتنقسم تلك التصورات المغلوطة إلى قسمين أساسين، الأول هو التصور الاستشراقي العنصري الذي يربط بين ظهور الفيروس في الصين وبين "الطبيعة الثقافية والحضارية" للشعب الصيني فيما يتعلق بعاداته الغذائية التي تُصَور على أنها "غريبة"، وطبيعة استهلاكه للحوم حيوانات برية وخاصة بعد أن أشارت الأبحاث العلمية إلى أنه من المرجح أن الفيروس قد انتقل من حيوان بري إلى الانسان وحقيقة أن التحقيقات الرسمية ترجح أن الانتشار الأولي للفيروس حصل في سوق لبيع اللحوم في مدينة ووهان. أما المغالطة الثانية فهي البروباغندا الأمريكية التي تزعم أن الصين تتحمل المسؤولية لأنها أخفت حقيقة هذه الفيروس والمرض عن العالم لمدة طويلة وقمعت خروج معلومات حيوية حول الفيروس إلى العالم كان بإمكانها لو خرجت في الوقت المناسب أن تجعل باقي الدول أكثر استعدادًا لاحتواء الوباء.

اما فيما يتعلق بالادعاء العنصري واللا-علمي بشأن مسؤولية العادات الغذائية للشعب الصيني في تفشي الفيروس. هنا لا بد أن نعود إلى واحد من علماء البيولوجيا اليساريين، روبرت.ج والاس الرائد في فهم الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية التي تكمن وراء تطور الفيروسات وتفشي الأوبئة. يقول والاس أن الرأسمال يقود عمليات الاستيلاء على الأراضي في آخر ما تبقى لنا من غابات مطرية وعلى أراضي الحيازات الصغيرة في جميع أنحاء العالم. وأن هذه الاستثمارات تقود إلى إزالة الغابات ويقود تطور الأمر إلى ظهور الأمراض. حيث يتم إزالة التنوع الفاعل والمعقد في هذه المساحات الهائلة من الأراضي التي كانت تحتجز داخلها المرض فيما قبل، فيتسرب المرض إلى الماشية المحلية ومجتمعات البشر. أي باختصار إلى مراكز رأس المال، أماكن مثل لندن ونيويورك وهونغ كونغ. ويضيف والاس أن كوكب الأرض هو الكوكب الزراعي في هذا اليوم، وذلك من ناحية الكتلة الحيوية والأرض المستخدمة. قطاع الأعمال الزراعي يهدف إلى حصار سوق الغذاء. المشروع النيوليبرالي شبه المكتمل منظم حول فكرة دعم جهود الشركات القائمة في أكثر الاقتصادات الصناعية تقدماً كي تسرق الأرض والموارد من الدول الأضعف. وكنتيجة، فالكثير من هذه الأمراض التي كان متحكماً بها من قبل النظام البيئي للغابات باتت حرة بالانتشار، مهددة العالم بأكمله. 

ولا يقتصر الأمر عند والاس على الصين أو الدول المشابهة لها. فالولايات المتحدة وأوروبا قد خدمتا دور أرضية إطلاق أنواع أخرى من الإنفلونزا أيضاً، انفلونزا ال H5N2 وH5Nx قد دفعت عبر الشركات المتعددة الجنسيات ووكلاء الاستعمار الجدد إلى ظهور إيبولا في غربي إفريقيا وزيكا في البرازيل. لقد قامت وكالات الصحة الرسمية في الولايات المتحدة بالتغطية على دور الأعمال الزراعية خلال تفشي انفلونزا H1N1 وH5N2. طبيعة عمليات الاستثمار الزراعي والحيواني في العالم الصناعي، حيث تقوم الشركات الكبرى باحتكار الحيوانات من الحقول وصغار الفلاحين وانتزاعها من بيئتها الطبيعية لجمعها بأعداد كبيرة في مكان واحد لرعايتها ودراسة إمكانية تغيير بعض السلالات وتهجينها بالهندسة الوراثية. وعليه، لضمان تضخم أرباح الشركات مقابل أموال افقار للفلاحين، أدت في النهاية إمكانية دائمة لظهور الفيروسات التي تحولت بعد ذلك إلى أوبئة تصيب الآلاف. 

اذًا بناءً على ذلك يمكن اعتبار الأوبئة ومنها الكورونا على انها بالأساس ظل للتصنيع الرأسمالي ولا يوجد ببساطة شيء صيني فريد أو خاص حول تفشي فيروس كورونا. التفسيرات لسبب ظهور الكثير من الأوبئة في الصين ليست ثقافية، إنها مسألة جغرافية اقتصادية. ويتضح هذا إذا ما قارنا الصين بالولايات المتحدة أو أوروبا عندما كانت الأخيرة محورًا للإنتاج العالمي والعمالة الصناعية الضخمة وهذا ما تحولت اليه الصين على مدى العقود الماضية منذ الانفتاح. وبالتأكيد لا يعود سبب تفشي الوباء لعادات الصينيين الغذائية باستهلاك لحوم الحيوانات البرية-وهي صورة تم تهويلها لا تتصل بواقع الاستهلاك الغذائي للصينيين حقًا- لأن أغلب الأوبئة التي ضربت البشرية والتي يمكن أن تضرب البشرية في المستقبل تأتي من المزارع الكبرى والسوق الرأسمالية لتصنيع لحوم الدجاج والخنازير والبقر، تلك اللحوم التي تُعتبر استهلاكًا "طبيعيًا" لغالبية البشر حول العال
اما التصور المغلوط الثاني حول مسؤولية الصين عن تفشي الوباء عالميًا هو الدعاية التي تبثها الولايات المتحدة وادارتها التي تحاول أن تخفي فشلها في التعامل مع الوباء عن أن الصين أخفت حقيقة الوباء عن العالم لمدة طويلة وبسبب ذلك لم تسمح للدول الأخرى أن تجهز نفسها لاحتواء الفيروس. وهذا بالطبع لا أساس له من الصحة والكلام هنا عن فيروس جديد يحتاج حتى تكتشف طبيعته وأثره وشكله ونمطه وطريقة انتقاله وقتًا طويلًا مع توفر كل الموارد اللازمة. والصين أبلغت دول العالم والمنظمات الدولية المعنية (مثل منظمة الصحة العالمية، و منظمة الهجرة الدولية، و اتحاد النقل البحري الدولي، ومنظمة الطيران المدني، والسفارات الأجنبية في بكين،..إلخ) بقصة انتشار الفايروس الجديد منذ أوائل شهر يناير، أي بعد ثلاثة أسابيع فقط من اكتشافه في مدينة ووهان وبعد أن تيقنوا علميًا من هويته ومن أنه فيروس غير عادي. 

الولايات المتحدة، مثلاً، تبلغت رسميا بالأمر منذ 12 يناير من خلال مذكرة ديبلوماسية، وهو ما دفعها إلى إغلاق قنصليتها وترحيل رعاياها بعد أسبوعين، وبدأت المعلومات حول الفيروس مع مرور الوقت تكثر وتصدر الى منظمة الصحة ودول العالم مع ازدياد معرفة الصينين أكثر حوله. ومع ذلك وعلى مدى اسابيع وأشهر، أغلب الدول لم تتعامل مع الموضوع بجدية ولم تتخذ الترتيبات المناسبة حتى بعد أن وصلتها كل المعلومات حول الفيروس. دونالد ترامب الذي يحاول أن يلقي المسؤولية على الصين، هو رئيس بقي يتعامل مع الفيروس باستهتار وقال انه يشبه الانفلونزا وسخر من الوضع وقلل من خطورته وراهن على أن "حرارة الصيف ستقضي عليه" رغمًا أن العلماء قالوا غير ذلك، ولم يقم بأي من التدابير اللازمة خوفًا على "الدورة الاقتصادية" وعلى مصالح الشركات الكبرى. مثل صديقه جونسون في بريطانيا الذي روج "لمفهوم مناعة القطيع" ولم يتخذ أي تدابير تذكر خوفًا ايضًا على مصالح الشركات الرأسمالية الكبرى.

أين تتحمل الصين عبئها من المسؤولية اذًا؟ كتبت في مقال سابق عن المسؤولية المباشرة للتحولات النيوليبرالية عن فشل الدول الغربية باحتواء الوباء، تلك التحولات التي جلبت معها تصفية القطاع العام والضمان الاجتماعي وتصفية دور الدولة الأكبر في إدارة توزيع الموارد وخصخصة القطاع الصحي واهمال ما بقي من القطاع الصحي العام وتجفيف موارده بالتقشف.

 حينما تلقي نظرة على غلاف النسخة الإنجليزية من كتاب "موجز تاريخ النيوليرالية" للمفكر الاقتصادي الماركسي دافيد هارفي، الرائد في تحليل وتأريخ النيوليبرالية، تجد صور الرئيس الأمريكي رونالد ريغين ورئيسة الوزراء البريطانية مارغرت تاتشر، أي عتاة النيوليبرالية وروادها الأوائل، وصورة لكلبهم الفاشي بينوشيه الذي حكم تشيلي وجعلها حقل تجارب أولي في التحول للاقتصاد النيوليبرالي بيد صبيان مدرسة شيكاجو الاقتصادية ومفكرهم الأكبر ميلتون فريدمان. لكن مع هؤلاء تجد ايضًا صورة لرجل بملامح آسيوية يلبس البزة العسكرية الماوية الشهيرة. ما الذي يفعله زعيم "الحزب الشيوعي الصيني" في السبعينيات "دينغ جياو بينغ" بين هؤلاء؟ هنا تكمن الحكاية، فعاصفة النيوليبرالية التي اجتاحت العالم في حينه طالت من الصين الاشتراكية جانبًا حيث قام الرئيس الصيني في تلك السنوات بأخذ أولى الخطوات الحاسمة لتحرير الاقتصاد وأخذ البلاد في مسار متصاعد لتكون مركز مفتوح للدينامية الرأسمالية بمعدلات نمو مطرد لا نظير لها في التاريخ الإنساني، بل لتكون رافدًا للنيوليبرالية الغربية نفسها حينما تحولت إلى مصنع العالم، مصنع الرأسمالية العالمية الكبير اثر الاتفاق الذي عقدته مع الشركات الغربية وعلى رأسها الشركات الأمريكية لتبني مصانعها في أراضيها وتستفيد من العمالة الرخيصة ومن سوق المستهلكين الكبيرة التي تشكل خمس البشرية مقابل الحصول على تكنولوجيا هذه الشركات ومقابل أن يفتح العالم اسواقه للسلع الصينية. ومع العجائب غير المسبوقة في التاريخ الإنساني التي حققها الاقتصاد الصيني المعاصر بانتشال الملايين من تحت خط الفقر بوقت قياسي الا أن هذا التحول جلب معه أمراض النيوليبرالية ومنها ايضًا خصخصة القطاع الصحي وإهماله مقابل ما يفيد الإنتاج الصناعي. ومن هذا المنطلق بالذات   نستطتيع فهم كيف تتحمل الصين عبئها من المسؤولية عن انتشار وباء الكورونا كما سأوضح،، لا بسبب الفكرة الاستشراقية العنصرية عن عادات الصينيين "الغربية" في أكل اللحوم البرية ولا بسبب "إخفاء المعلومات عن الفيروس" كما  تزعم الدعاية الأمريكية ولا الحكايات "السينمائية" عن قمع الطبيب الذي اكتشف المرض.

لا يمكن الحديث عن أزمات الأوبئة المتكررة في الصين وآخرها وباء كورونا بدون التطرق الى تدهور الخدمات الصحية الأساسية بشكل عام في الصين مع تصاعد الانفتاح الاقتصادي والخصخصة. هذا التدهور الذي حدث في خضم النمو الاقتصادي المذهل، حيث أنه مع نمو المدن الكبرى والمصانع الضخمة لا يزال الإنفاق على الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية والتعليم في الصين منخفضًا للغاية، في حين تمّ توجيه معظم الإنفاق العام نحو البنية التحتية التي تخدم عمليات الإنتاج مثل الجسور والطُرق والكهرباء. 

وفي ملف عن كورونا أصدره "تجمع تشانغ" وهو عبارة عن مجموعة باحثين ماركسيين مهتمين بدراسة الواقع الصيني، يجري الحديث كيف أن في الصين قبل دمج الدولة تدريجيًا في النظام الرأسمالي العالمي، قُدمت خدمات مثل الرعاية الصحية ذات مرة في إطار نظام الرعاية الاجتماعية والحضرية الذي قدمه الحزب الشيوعي الحاكم بشكل واسع يوفر الرعاية الصحية مجانًا في جميع أنحاء البلاد. حيث كانت نجاحات الرعاية الصحية في الحقبة الاشتراكية، مثل نجاحاتها في مجال التعليم الأساسي ومحو الأمية، واضحة لدرجة اعتراف أقسى منتقدي البلاد بها. تمّ القضاء على حُمى الحلزون، التي ابتليت بها البلاد لقرون، والتي عادت مرة أخرى بمجرد بدء تفكيك نظام الرعاية الصحية الاشتراكي. انخفض معدل وفيات الرضع، وعلى الرغم من المجاعة، تحققت قفزة كبيرة في معدلات متوسط ​​العُمر المتوقع من 45 إلى 68 سنة بين 1950 وأوائل الثمانينيات. انتشر التحصين والرعاية الصحية العامة على نطاق واسع، وكانت المعلومات الأساسية عن التغذية والصحة العامة، فضلًا عن الحصول على الأدوية البدائية، مجانية ومُتاحة للجميع.  

منذ تصاعد الانفتاح الاقتصادي والخصخصة التي طالت القطاع الصحي، أدى مزيج من الإهمال والخصخصة إلى تدهور كبير، حيث يتأثر مئات الملايين من العمال النازحين بقوة، نتيجة تبعات هذا الوضع المخصخص الجديد الذي يحرمهم من أي حق في الحصول على الرعاية الصحية الأساسية عندما يغادرون مسقط رأسهم في الريف وحينما استبدلت الرعاية الصحية العامة في أواخر التسعينيات بنظام أكثر خصخصة كان من المفترض أن يخلق نظام يوفر الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية والتأمين على السكن عن طريق مزيج من مساهمة أرباب العمل. لكن مخطط التأمين الاجتماعي هذا عانى من نقص حاسم في الموارد، بسبب تجاهل أرباب العمل لدفع مساهمتهم للحفاظ على مراكمة ربحهم، تاركًا الغالبية العظمى من العمال هي التي تدفع مساهماتها.

 ووفقًا لأحدث التقديرات الرسمية المُتاحة، فإن 22 بالمائة فقط من العمال المهاجرين لديهم تأمين طبي أساسي. في ظل هذه الظروف من التصفية الضخمة لنظام الرعاية الصحية العام وتحول الصين إلى محور للصناعة الضخمة حيث أخذت على عاتقها دور مصنع العالم في ظل المنظومة النيوليبرالية، تم توفير أرضية خصبة لتفشى فيروس كورونا بسهولة. وقبله أمراض معدية جديدة تظهر في الصين بمعدل مرة واحدة كل عام إلى عامين.

مع ذلك لا شك أن الصين أبدت قدرة وكفاءة تفوق الرأسماليات الغربية التي تنهار أمام الوباء الآن. ففي حين تعاني الولايات المتحدة وبريطانيا من توفير المعدات الطبية اللازمة لحماية الأطباء الذي يضطرون أن يحمون أنفسهم بواسطة أكياس النفايات وعدم توفر أجهزة التنفس الكافية التي تضطر هذه الدول بمرحلة ما الاختيار بين من يعيش ومن يموت، استطاعت الصين أن تهيئ كل مواردها وأدواتها الصناعية لتوفير العلاج اللازم وأماكن العزل للمصابين بواسطة بناء مستشفيات في أيام معدودة وتصنيع المعدات الطبية اللازمة بسرعة فائقة، وتوفير الغذاء والمستلزمات الضرورية للمواطنين المعزولين في بيوتهم بواسطة شبكة واسعة من موظفي الدولة ومن المتطوعين الذين استطاعت الدولة تعبئتهم  بشكل كبير. وهذا كله يعود لان الرأسمالية الصينية على عكس الرأسماليات الغربية لا يزال للدولة الدور الأكبر فيها بإدارة السوق والاقتصاد والموارد ولا زال القطاع العام يحمل القوة العلوية على القطاع الخاص، أي تلك الجوانب من المنظومة الصينية التي يمكن أن نسميها "بقايا الاشتراكية" في النظام الصيني هي من جعلت يد الصين العليا في احتواء الوباء. بالإضافة الى ذلك قدرة الدولة العالية على فرض الانضباط على المواطنين وهنا يلعب الجانب "الأوتوقراطي" للدولة الصينية دوره. لكن في المحصلة فان تلك الكفاءة العالية كما قلنا ليست دليلاً على تفوق نظام اشتراكي على نظام رأسمالي بل شاهدًا على رأسمالية أكثر نجاعة ودينامية وربما أكثر إنسانية من تلك التي في الولايات المتحدة، على الأقل في فترة الكوارث.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب