news-details

انتخابات الكنيست أفرزت تعقيدات غير مسبوقة بعمقها، والانقلاب على المواقف وارد

*إعادة الانتخابات ساعدت على توضيح جوانب في الشارع الإسرائيلي كانت مؤخرا تحت علامات سؤال *القوة الزائدة لحركة "شاس" أوضحت أن العامل الطائفي ما زال لاعبا *الحريديم عززوا قوتهم بالأصوات *تشكيل الحكومة المقبلة، وفي حال لم تحصل انقلابات في المواقف سيحتاج لأسابيع، وقد ينتقل التكليف من نتنياهو لغانتس وبالعكس*

 

أفرزت انتخابات الكنيست الـ 22 التي جرت يوم 17 أيلول الجاري، حالة تعقيدات غير مسبوقة في عمقها، رغم أن لكل انتخابات، منذ انتهاء احتكار حزب "العمل" للسلطة في العام 1977، كان لها تعقيداتها. ولكننا اليوم نرى مشهدا أشد عمقا، سينعكس على شكل تركيبة الحكومة، والوقت اذي ستحتاجه عملية التركيب. إلا أنه في المقابل، فإن السياسة الإسرائيلية، أبعد ما تكون عن الاستقامة، والانقلابات في المواقف واردة، خاصة حينما تكون المفاتيح بيد شخص من نوعية أفيغدور ليبرمان.

ومن ناحية أخرى، فإن إعادة الانتخابات خلال 5 أشهر، وما رافقها من تعديل الاصطفافات الحزبية، ساعدت على توضيح جوانب في الشارع الإسرائيلي، كانت في السنوات الأخيرة تحت علامات سؤال، خاصة في ما يتعلق ببقايا ظاهرة التصويت لدوافع طائفية يهودية، برزت في نتائج انتخابات أيلول. وغيرها من العوامل.

 

المعطيات الانتخابية

كان عدد الأصوات الصحيحة في انتخابات الأسبوع الماضي، 4,43 مليون صوت، زيادة بـ 121 ألف صوت، عن انتخابات نيسان. ولكن في تلك الانتخابات، كان 8,5% من الأصوات الصحيحة، لقوائم لم تعبر نسبة الحسم، وهذا لعب دورا في توزيع المقاعد، فيما هبطت النسبة في انتخابات أيلول إلى 2,86%. وقد ساهم هذا في خسارة قائمة "أزرق أبيض" والليكود مقاعد كثيرة، وسنأتي عليها.

فقد حصل "أزرق أبيض" على ما يلامس 26% من الأصوات، بزيادة 8 آلاف صوت، ولكنه خسر مقعدين، وبقي مع 33 مقعدا. أما الليكود فقد خسر بداية 12 ألف صوت. ولكن قائمة الليكود تضمنت أيضا حزب "كولانو" المنحل، برئاسة موشيه كحلون التي حصلت في نيسان على قرابة 153 ألف صوت، وللحزبين 39 مقعدا، ما يعني أن القائمة خسرت 165 ألف صوت، وأيضا 7 مقاعد، وبقي الليكود وكولانو مع 32 مقعدا.

وهذا عدا الدعم الافتراضي الذي حصل عليه الليكود، من حزب "زهوت" بزعامة المتطرف موشيه فيغلين، الذي انسحب من المنافسة مقابل منصب وزير في حكومة نتنياهو، في حال تم تكليفه بتشكيلها. وقد حصل زهوت في نيسان الماضي، على 118 ألف صوت.

اللافت أن قائمتي "الحريديم"، ورغم أن نسبة التصويت في مدنهم وبلداتهم، حافظت تقريبا على ارتفاعها بمعدل 87%، مقابل 69,7% نسبة عامة، إلا أنهما حققتا معا زيادة 91 ألف صوت، من بينها 71 ألف صوت، لقائمة "شاس" وهي لليهود الشرقيين "الحريديم"، ولكنهما بقيتا مع نفس عدد المقاعد الكلي للقائمتين، ولكن باختلاف إضافة مقعد لشاس، وخسارة "يهدوت هتوراة" مقعد واحد.

وفحصنا إذ هناك فوارق في مدن وبلدات الحريديم، إلا أنه لم يكن فارق ملموس بين جولتي الانتخابات، ما يعني أن مصدر الأصوات بالتأكيد كان خارج جمهور الحريديم. ولهذا فإن التفسير الفوري لهذه الزيادة لشاس، جاءت من أحياء وبلدات اليهود الشرقيين، الذين صوتوا للشرقي موشيه كحلون في انتخابات 2015 ونيسان 2019. وهذا يؤكد ما قلناه، في العام 2015، إن كحلون حصل على مقعدين من حزب "شاس" وها هو يستردهما. وقد حصلت قائمة "شاش" على مقعد إضافي، وباتت مع 9 مقاعد، رغم انخفاض نسبة حرق الأصوات.

أما بالنسبة لقائمة "يهدوت هتوراة"، التي عادة 95% من أصواتها من جمهور الحريديم الأشكناز، فقد حققت 20 ألف صوت زيادة، ولكنها خسرت مقعدا واحدا، بعد نشر النتائج النهائية بعد أسبوع من الانتخابات، وجاء الخسارة بفعل فارق بضع مئات قليلة جدا من الأصوات، في احتساب فائض الأصوات، وذهب المقعد لليكود. وبذلك باتت كتلة "يهدوت هتوراة مع 7 مقاعد.

أما زيادة الأصوات، على الأغلب من جمهور الحريديم الذي امتنع عن التصويت في انتخابات نيسان، أو صبّ أصواته في قوائم أخرى. وهذه الزيادة ليهدوت هتوراة، قد تكون رد فعل على التحدي الذي فرضه أفيغدور ليبرمان، بشأن قانون التجنيد الالزامي لشبان الحريديم، الذي تتشدد "يهدوت هتوراة" في رفضه أكثر من "شاس".

الخسائر بالأصوات ظهرت أيضا في معسكر اليمين الاستيطاني، الذي حصل في نيسان على ما مجموعه 416 ألف صوت بثلاث قوائم، واحدة فقط تمثلت بالكنيست بخمسة مقاعد. إلا أن القائمتين اللتين مثلتا التيار الديني الصهيوني الاستيطاني، في الانتخابات الأخيرة، حصلتا معا على 343600 صوت. منها أكثر من 260 لقائمة "يمينا" وتمثلت بسبعة مقاعد، والباقي، أكثر من 83 الفا، لقائمة عوتسما يهوديت، المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية.

وهذا سيحتاج أيضا بحث هذه التحركات السريعة للمصوتين، خاصة الجمهور العقائدي، والعقائدي الديني. فليس من السهل على جمهور كهذا أن ينتقل إلى معسكرات أخرى، إلا إذا بقي في البيت، رغم أن عدد المصوتين اليهود تراجع بنحو 25 ألف مصوت.

نستطيع التقدير بأن الزيادة التي حققها حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، بحوالي 137 ألف صوت، وثلاثة مقاعد إضافية، لتصبح قوته 8 مقاعد، جاءت على حساب الليكود أساسا، وأيضا على حساب تحالف "يمينا". وهذا يعني أن المناورة التي خاضها ليبرمان، بعد انتخابات نيسان، قد خدمته، ولكن نتيجته جاءت أقل مما توخاه بداية، أكثر من 10 مقاعد.

وما ساهم في أيضا في قلب توزيع المقاعد، كانت الزيادة الهائلة في نسبة تصويت العرب، من 50% في نيسان 2019، إلى ما يزيد عن 60% في انتخابات أيلول الأخيرة. وحصول القائمة المشتركة على 13 مقعدا، بدلا من 10 مقاعد، للقائمتين اللتين انبثقتا عن القائمة المشتركة في انتخابات نيسان.

ولاستكمال المشهد الانتخابي، فقد حصلت قائمة حزب "العمل"- "غيشر"، على 6 مقاعد، وهم ذات عدد المقاعد التي حصل عليها حزب "العمل" وحده في انتخابات نيسان، ولم يضف له التحالف مع حزب "غيشر" برئاسة النائبة أورلي ليفي، سوى زيادة 22 ألف صوت.

أما التحالف بين حزب "ميرتس" وحزب "الاستقلال" الذي أسسه إيهود باراك، فقد أضاف مقعدا واحدا لما كان لميرتس في انتخابات نيسان، وبات للتحالف 5 مقاعد، وزيادة أكثر من 35 ألف صوت للقائمة.

 

تعقيدات تشكيلة الحكومة

المعطيات الإحصائية، بالأرقام والنسب المئوية السابق ذكرها، لربما هي ضرورية، لمعرفة أي تحركات سريعة في الشارع الإسرائيلي. وكل هذا المشهد خلق مشهدا سياسيا مليئا بالتعقيدات. ولا مبالغة، إذ قلنا إن التعقيد الحاصل هو الأعمق في السنوات الأربعين الأخيرة، بعد نزول حزب "العمل" عن الحكم، ونهاية احتكاره للسلطة.

فمن رؤيتنا العامة، فإن الانتخابات لم تفرز انقلابا سياسيا، وهذا استنادا للبرامج الحزبية، ولممارسة الأحزاب التي لم تنشر برامج، مثل حزب "الليكود". فحينما أعلن بنيامين نتنياهو ضم مستوطنات غور الأردن، فبالإمكان أن نتخيله وكأنه يقرأ البرنامج السياسي لتحالف "أزرق ابيض" الذي يتحدث عن ضم الكتل الاستيطانية، بما فيها غور الأردن، وأن "يسري القانون الإسرائيلي على كافة الإسرائيليين في يهودا والسامرة"، بقصد المستوطنين في الضفة، والعبارة الأخيرة، تعني المستوطنين في المستوطنات الواقعة "خلف" جدار الاحتلال، دون حديث عن ضم المستوطنات كمستوطنات، ولكن ليس في هذا فرق جوهري كبير.

ومن رؤية إسرائيلية داخلية، بالإمكان القول، إن نتنياهو اهتزت قوته واحتكاره للسلطة. فقد استفحل في تطرفه على كافة الصعد. ولكن أولا وقبل كل شيء، وبفارق كبير جدا عن الآخرين، عن فلسطينيي الداخل والشعب الفلسطيني عامة. وقد أظهر تحالفا منذ انتخابات نيسان، وفي انتخابات أيلول، مع عصابات تصنف عالميا كحركات إرهابية، مثل "عوتسما يهوديت" المنبثقة عن حركة "كاخ" الارهابية. وأيضا مع موشيه فيغلين، السابق ذكره هنا، الذي تحظر بريطانيا دخوله إلى أراضيها، مثل حظر دخول شخص أو أكثر من "عوتسما يهوديت" إلى الولايات المتحدة الأميركية.

كذلك فإن نتنياهو صعّد من هجومه على وسائل الإعلام، وعلى صحفيين إسرائيليين بالاسم، وبلغ الأمر إلى حد فرض حراسة على أحد الصحفيين. وهذا في الوقت الذي ستدخل فيه قضايا فساد نتنياهو، الدائرة الأخيرة لحسم مسألة تقديمه للمحاكمة أم لا، والتي ستبدأ في مطلع الشهر المقبل، بجلسة الاستماع لاعتراض محاميي نتنياهو على قرار تقديمه للمحاكمة، أمام المستشار القضائي للحكومة، دون معرفة متى سيكون القرار النهائي للمستشار القضائي، ولكنه سيكون بعد عدة أشهر.

من ناحية معسكرات، فقد هبط تحالف الليكود مع شركائه الفوريين، وبضمنهم افتراضيا حزب أفيغدور ليبرمان، من 65 مقعدا في انتخابات نيسان، إلى 63 مقعدا في انتخابات أيلول الأخيرة. وتحالف نتنياهو من دون ليبرمان هبط من 60 مقعدا إلى 55 مقعدا.

ولكن ليبرمان الذي يسيطر على 8 مقاعد، ما زال متمسكا بأجندته التي أعلنها بعد انتخابات نيسان، ولاحقا خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، لا بل طوّرها. فقد بدأ ليبرمان بمعركة ضد المتدينين المتزمتين "الحريديم"، بإصراره على سن قانون التجنيد الالزامي لشبان الحريديم. ولاحقا وسّع الدائرة، معلنا اعتراضه على التزمت الديني، الذي عبّر عنه ممثلو التيار الديني الصهيوني في قائمة "يمينا" الذين نادوا بدولة شريعة يهودية، مثل وزير المواصلات الحالي بتسلئيل سموتريتش.

كما يطالب ليبرمان بحكومة موسعة علمانية، تضم تحالف "أزرق أبيض" والليكود وحزبه، ولكنه لم يعلن جهارة أنه سيعارض رئاسة نتنياهو للحكومة. وحكومة كهذه سترتكز على 72 مقعدا، كما يبدو يقبل بها "أزرق أبيض" شرط أن تكون برئاسته. وهذا ما يرفضه بنيامين نتنياهو مرتين: أولا أنه يريد الحكومة برئاسته، ثانيا يريد حكومة بمشاركة قسم من حلفائه الفوريين، ويقصد أولا الحريديم.

وهذا ما سيكون صعبا على "أزرق أبيض"، بمعنى أنهم هم أيضا يريدون تحالفا يعزز أجندتهم الداخلية. فتنكرهم لمطالب ليبرمان، سيجعلهم يدفعون ثمنا سياسيا لاحقا.

تشكيل الحكومة سيحتاج لأسابيع، وقد نشهد خلالها تقلبات وانقلابات في المواقف. فرغم ما رأيناه خلال الحملة الانتخابية، والأيام القليلة التي تبعتها من تمسك بالمواقف، قد يتغير وفق ما علمته تجربة السياسة الإسرائيلية.

ولكن ما يسهّل قيام حكومة يمين استيطاني برئاسة بنيامين نتنياهو، يكمن في إيجاد مخرج لقانون تجنيد الحريديم، يستطيع ليبرمان من جهة، وكتلة "يهدوت هتوراة" التعايش معه. ولكن هذا ليس مرئيا حتى الآن.

هناك من يتوقع أن تتجه إسرائيل نحو انتخابات ثالثة، ولكن هذا أمر مستبعد جدا، رغم أنه لا يوجد شيء مستحيل في السياسة. فانتخابات ثالثة لن تغير المشهد الحاصل، وقد يكون نتنياهو متخوفا منها، لئلا تتسبب بخسارات اشد له.

لقد افرزت نتائج الانتخابات الأخيرة، سلسلة من المؤشرات الحزبية والسياسية والمجتمعية، تستوجب التعمق بكل واحد منها، لاحقا.

(المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" - ملحق المشهد الإسرائيلي)

 

كلام الصورة: تشكيل الحكومة سيحتاج لأسابيع، وقد نشهد خلالها تقلبات وانقلابات في المواقف (رويترز)

 

 

 

 

 

 


 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب