news-details

تأثيل الدبكة، دلعونا، ابو الزّلُف وميجانا

هناك من يُرجع الدبكة الفلكلورية الى كلمة  ارامية وعناها: لحق، ادرك، وصل. وجاءت هذه التسمية، لان المشاركين في الدبكة يتابعون بعضهم في حركتهم، ملتصقين، وأخذ اليد باليد. وجاءت خبطة اقدامهم التي كانت تقرع الارض ، لتؤكد ان الارض لابنائها.

هناك من يفرض ان جذور الدبكة، وخاصة العراقية، ارتبطت بأبعاد احتفالية طقوسية في سومر، لحث الارض على فك أسر تموز من العالم السفلي، ليُبعث الى الارض ويُنبت الزرع الاخضر من جديد. وهذا تأكيد قاطع لارتباط جميع تلك الرقصات الشعبية بأصولها الدينية، والميثولوجيات الرافدينية القديمة، بالأرض، ومدلولاتها الوظيفية الرمزية الاساسية، التمسك بتراب الوطن، والحركة والحياة، والخلق، والخصب، وطرد الارواح الشريرة، وبأحداث قصة الخليقة، وانتصار ألإله مردوخ على العمى والظلام، والآلهة تيامت - الهة المياه المالحة وأم الجيل الاول من الهة بلاد الرافدين. فجميع الرقصات الشعبية في ميسوبوتاميا وسوريا ما هي الا محاكاة رمزية للحركة الاولى التي كانت في بداية خلق الكون، والدبكة ذات الحركة الدائرية بأنواعها، شديدة الارتباط بالمثولوجيات الدينية التي تقوم على اساس الدوران حول المكان المقدس، لاستدرار البركة.

جرت تسمية مكان الدبكة، في أرياف بلادنا عموما (سوريا ولبنان وفلسطين والعراق)، المرسح. ولقد ظلت هذه التسمية متداولة حتى الخمسينات أو الستينات من القرن العشرين. وهي، تحوير بسيط عن كلمة مرزح بحرف الزاي.. والذي معناه بالفينيقية الكنعانية والتدمرية والنبطية المكان الذي تؤدى فيه تمثيلية دينية، والتي كانت جزءاً من الطقوس. وحين أراد مارون النقاش عام 1849 أن يجد مصطلحاً محلياً لاسم "التياترو" اقترح اسم مرسح. واستخدمه، وشاعت اهذه التسمية، حتى أواسط القرن العشرين، حتى قرر مجمع اللغة العربية في القاهرة اعتماد تسمية مسرح بدل مرسح..اذا المرسح - مكان الدبكة في لهجاتنا العامية- هو نفسه المرزح الفينيقي – التدمري – النبطي. ويبدو أن الدبكة كانت جزءاً من هذا الطقس. وفي تدمر عثر على اسم فرقة مكونة من عدة أشخاص أطلقوا على أنفسهم لقب "بني مرزح".

 

الدلعونا، أصل التسمية

الدلعونا هي عمل فولكلوري فنيّ، في شكل أغنية ذات تلحين يناسب رقصات الدبكة الفولكلورية. واشتهرت بين الشعوب المتواجدة في المنطقة الممتدة من “أنطاكية” شمال سورية حتى خليج العقبة جنوباً، ولها إيقاعات كثيرة، ويمكن أن تؤلف عليها المقاطع الغنائية لأية مناسبة ،مهما كان نوعها حزنا، أو فرحا، مديحا أو وصفا، وحتى في مجال "الروحانيات". وتسمياتها مختلفة ترتبط بأدائها وحالة المؤدي العامة، مثل "الدلعونة" "النايمة” و"الكرجة"، وغيرها، ولكل منها دبكتها الخاصة بها.

يختلف الباحثون في أصل التسمية، كما هو الحال في تفسير الكلمات العامية المتوارثة. فمنهم من يذهب إلى أنّ أصل التسمية جاء من الفعل الثلاثي "دلع"، والتي تفيد معنى الدلال والغنج،.ومنهم من يرى أنّ أصل الكلمة مشتق من اسم "عناة"، الهة الخصب ، الحب والحرب عند الكنعانيين .وهي ابنة الإله "ايل"، رئيس الالهة في بانثينيون (مجمع) الالهة الكنعانية والهة مدينة اوچاريت -واخت بعل اله المطر. وكانت تُكنى الخاطبة،. لان الشباب كانوا يتضرعون اليها "ياعناة يدِك، يا عناة". اي نطلب مساعدتك، لتحقيق أمنيتنا بالزواج من المحبوبة. وهناك من قام بتفسيرها بقصة غرام شاب مُتيّم، لفتاة اسمها عناة والذي بعد إنفصالها عنه، راح يغني تحسرا عليها "دلوني على عناة" فأدغمت الجملة في كلمة واحدة ورخّمت فصارت "دلعونا".

أمّا التأصيل السائد،فهو أنّ أصل الدلعونا سرياني ومعناها "مدّ يد العون"، لان سكان القرى السريانية، عند طلب التعاون لإنجاز عمل ما، مثل جني المواسم، أو سلق القمح، أو البناء، أو في مواسم القطاف، كانوا يتنادون "دلعونا" طلبا لمساعدة أهل القرية. وعند إنجازهم لهذه الأعمال، كانوا يعقدون حلقات الدبكة مغنين الدلعونا. وقام الباحث زكي ناصيف  بتفسير معنى الدلعونا في السريانية، بأنها مكونة من كلمتين الاولى"د" وهي "أل التعريف" في السريانية وكلمة الـ"عونا" والتي تعني "المساعدة".

 

واغنية" ابو الزُلُف" مصدرها كلمة ارامية معناها يُجمل، ينمق. وكذلك: خصلة شعر، زينة،لانها أطلقت على خصلات الشعر المتدلية على الجبهة، لتضفي على صاحبها الجمال الخلاب. وأبو الزُلُف لون من الغناء الشعبي يعبرون به عن لوعة الشوق واستبداد الحب، قوامه مقطع مؤلف من بيتين، يُكرر بعد كل دور تكون قافية الإعجاز فيه وقافية الصدر حرة، مثال له:

هيهات يا ابو الزُلُف. عيني يا موليه

ثلثين عقلي شرد. بهوى البُنية

 

اما الدور فيضم اربعة ابيات تلي المطلع، وتكون جميع قوافي صدوره حرة وجميع قوافي أعجازها واحدة باستثناء الشطر الاخير الذي تعود فيه قافية عجزه الى قافية المطلع، ومثال له:

من هون لارض الدير من هون لارض الدير

والسر الي بيننا إش وصلو للغير

ون ما كان في ورق لكتب على جنح الطير

ون ما كان في حبر بدموع عينينا

الميجانا: هو نوع من الغناء الشعبي انتشر في كل أنحاء سوريا، وعادة يترافق مع العتابا، فيكون التناوب بينهما. ويُنظم على بحر الرجز. وتتألف وحدته من اربعة اسطر الثلاثة الاولى منها متحدة الوزن والروي وقافية الشطر الرابع نون مفتوحة وله مطله يُستهل به ويُردد عقب كل وحدة. واليكم نموذجا منه.

يا ميجانا يا ميجانا يا ميجانا

ضحكت حجار الدار، طلوا حبابنا

يا بنت اربعتش، شعرك جدلي

واحمي المزح للغير، واحمي الجَد لي

لو تعرفي بغيبتِك شو جَدّ لي

مجنون ليلى، ما أتعذب مثلنا.

مثل كل التراث المنقول، وهناك اختلاف، مثل كل التراث الشعبي المنقول، في تفسير أصل ومعنى الميجانا. فمارون عبود، يذكر أنها منحوتة من (يا ما جانا)، اي ما اكثر ما اصابنا.(الاعمال الكاملة، دار الجيل للطبع، النشر والتوزيع١٩٨٠) اما لحد خاطر، فيذكر أن عبارة "يا ماجنة" مشتقة من المجون بمعنى أيتها العابثة المستهترة (العادات والتقاليد اللبنانية دار نشر لحد خاطر). بينما أنيس فريحة يردها إلى أصل سرياني من جذر "نجن" الذي يعني "الغناء". ويضيف ان منجن في الارامية معناها العازف على آلة الطرب (دراسات في التاريخ، دار النهار، بيروت ١٩٨٠). ويضيف ان من معانيها "يا ما جنى" أي "ما أكثر ما ظلم". اما فاضل مطانيوس مباركة فوجد في بحثه انها ما زالت متداولة بمعنى الغناء في قرية "صدد" السريانية في سوريا. (بقايا الإرامية في لغة اهل "صدد" المحكية -إصدار دار ماردين للنشر-حلب١٩٩٨) . الا ان الباحث السوري محمد بهجت قبيسي، يفرض أن جملة "و يا ما جنى" هي، فنيقية- كنعانية، ومعناها الحضور المفاجىء، الزيارة غير المتوقعة. ويضيف بأنه يقابلها في العربية العدنانية "يا من جاءنا".

ويفرض بعض الباحثين ان اصولها تعود الى"الميجنة" وهي الاسم المتداول في لغة الساحل السوري للمُدقة لدق القمح المسلوق، وفي حينه ترافق دق البرغل بغناء ليخفف من عناء دقه. وكان إيقاع غنائهم مختلف عن إيقاع "الميجانا" (اذ تألف كل شطر من فعلن فعلن)؛ ليتوافق مع صعود المدقة وهبوطها، ومع حركتي الشهيق والزفير خلال عملية الدق المضنية، ومثال لذلك: يا حديداني يا مديداني.

 (شفاعمرو)

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب