news-details

جبال الريح (ج2 الحلقة 18)

مرارة في القلب والحَلق، وأنا أقارن بين البقاء البطولي لأرض المَل، مل سخنين، وضياع أرض الخيط بتآمر – أوادم الطايفة – وأوادم البلد - . أعلنوا عن ارض المل منطقة تدريبات عسكرية وهي خطوة متبعة لمصادرتها، معمول بها في الايام اللاحقة، والناس هناك في غليان، ويجتمع قادة الحزب الشيوعي في حيفا، في بيت الرفيق الرسام عبد عابدي.

 الوقت ملائم جدا للاضراب والنضال لاستعادة الارض السليبة، وفي شفاعمرو ذات التاريخ العريق الممجد، يعقد اجتماع لرؤساء السلطات المحلية العربية وآخرين، والشباب والطلاب وفي طليعتهم قادة الشبيبة الشيوعية خاصة من قرى البطوف وكوكب وطمرة وشفاعمرو، يحمون الاجتماع ويضعون ثقلهم وعنفوانهم مع الشعب والارض، وكيف وأمام هذا الاعتزاز والإباء لا نشعر بالمرارة والاسى عندما تجلب سلطات الاضطهاد والتفرقة عددا من رؤساء المجالس المحلية الدرزية لجعلهم – عرَبًا – للحظات وهي التي تفصل الدروز عن العرب، عن شعبهم وأمتهم، بالهوية والقومية الدرزية والتراث المزيف وبرامج التدريس والتجنيد العسكري الاجباري، تسوقهم الى شفاعمرو لترجيح كفة المعارضين للاضراب، نظرت في عيونهم، فيها المذلة والهوان، طأطأوا رؤوسهم خجلا، لم تستطع هذه السلطات السامة كسمّ العقارب إحناء قامة – رئيس مجلس المغار المحلي الرفيق أمين عساقلة، ولا قرار مجلس البقية الذي مثّله يوسف نسيب خير. وفي وجه المعارضين من "عرب ودروز" يهتف توفيق زياد: الشعب قرر الإضراب. 

ويُفرض طوق عسكري على قرى البطوف، جيش وشرطة وحرس حدود ودبابات ومجنزرات وطائرات وإطلاق نار، وشهيدة وخمسة شهداء، في سخنين وعرابة وكفر كنا والطيبة.

العين تلاطم المخرز، والهتاف يعلو على الهدير والأزيز، والأيدي والحجارة تصدم الفولاذ، وتعود الارض لأصحابها ممهورة بدم الشهداء والجرحى، نمرّ من هناك والزيتون السوري الباسم يشمخ كأهله، ويدخل يوم الأرض الى التاريخ وبلغات العالَم، ومن الشرارة يندلع اللهيب. 

نفس هذه السلطات حوّلت ارض الخيط الى منطقة عسكرية، ومناورات، وضباط الجيش الاسرائيلي ومنهم ضباط دروز يدرّبون قوات الكتائب اللبنانية وأين!! في ارض الخيط!!

ويهرول "أوادم الطايفة" لإقناع الناس بالتنازل عن الارض، عن أرض الآباء والأجداد، عن موارس الحرية ومرج الغزلان والحِنداج ووعرة زيادة وقدَح الغول، والمغر في الصخر، حفرها الناس بأيديهم المباركة، ومنها "مغارة الخَزين" الواسعة، يخزنون فيها الحبوب والتّبن ومن ثم نقلها على ظهور الجمال الى البلد، وتصادَر ارض الخيط – مغر الدروز – ويضيع دم الشهيد صالح حديفة والشهيدة زهيّة أبو عاصي، قُتلا على يد – الهاجاناه – برشّات البنادق ومترليوز المنصوب على تلة – قدح الغول – قبالة عيون العرب، والارض السليبة مزروعة بالحمضيات وغيرها من الفواكه وقُدمت للكيبوتس عميعاد – الجبّ يوسف - !! هذا ثمن حِلف الدم مع الصهيونية، وثمن دم الضحايا في حروب اسرائيل العدوانية. فكيف لا تحس بالمرارة في القلب والروح والحَلق، ويأبى الناس التسليم والاستسلام، ظل البعض يزرع القمح هناك، جاءت السلطات وأحرقته.

وبمبادرة من الحزب الشيوعي، اُقيمت مختلف الأطر الكفاحية، لجنة الدفاع عن الاراضي، الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة، لجان الطلاب الجامعيين، والثانويين، ولجنة المبادرة العربية الدرزية.

جاء إسحق رابين ليلتقي الطلاب الثانويين في مدارسنا، وراح يتمختر كما يبدو، فغنّوا له:

هِزّي يا نواعِم

   خصرك النحيل

خَلّي الشَّعر الناعم

   مع الهوا يْطير

متى ننفي السمسار والفساد والذنب من هذا التعبير الذي يسمونه – أوادم البلد - !!

إذا غدت أذنابنا في رؤوسنا

   غدونا بحكم الطّبع نمشي الى الورا

ومتى يتخلّص مجتمعنا من هذه المجاملات واللقمطة والمساقَلَة والمداراة الفاسدة، مجتمع يسرح ويمرح فيه الانتهازيون والمتلونون، وجل نشاطهم موجّه ضد القوى الشريفة المناضلة الصادقة والشجاعة والمثابرة.

فلا الصخر من لسع العقارب يلتوي

   ولا الحُرّ من ذَمّ الخبيث يُضام

في الاجتماع التأسيسي للجنة المبادرة الدرزية، شارك معنا الرفيق القائد إميل حبيبي، مرة في بيت عاصم الخطيب، بعدها اجتمعنا في بيت الشيخ الشجاع فرهود فرهود.

يومها كان معظم الشعراء والكتاب الدروز، إما اعضاء او اصدقاء للحزب الشيوعي ولجنة المبادرة الدرزية وفي طليعتهم سميح القاسم ونايف سليم وسلمان ناطور، ونبيه القاسم، وحسين مهنا، ونمر نمر، والزجال سلمان أسعد فضول، ومفيد مهنا وسهيل قبلان، ونزيه حسون ومحمد نفاع...، بعدها نشأ آخرون وعلى نفس الطريق بغالبيتهم.

ولا مانع من المرور في طريق هذه الذكريات على محطات استراحة، تقامعت مع – أم عبدالله – من نحف، المرأة القوية الشريفة، كانت تغسل السطح قبل ان تنشر عليه سَلقة – البليلة - وتمنع أي واحد ان يدعس هناك، لكن الجدال ليس على حبها للنظافة، بل على امر آخر: قالت لي: 

  • شو سمّيت إبنك الثاني الصلاة على النبي!!

  • عَدي. قلت.

  • آه على اسم دار مْعَدّي، شرحت لها ولم تقتنع، إم عبدالله لا تعرف ان الاسم يعني جماعة الفرسان المتهيئة للحرب، للغزو.

كان هشام عندهم وعبدالله يسأله عن العِجِل: شو هذا:

  • العجِل، التينة، الزيتونة... وعبدالله يضحك على أل التعريف قبل كل كلمة، هشام يحبّ أل التعريف. أيام.

قرب بيتنا شاهدنا فرَسا على السطح في الليل، ورؤية الفرس الكبيرة على السطح وفي الليل أعجبت الطفل عدي، وظل يبكي وبعناد لرؤية الحنان – الحِصان – على السطح، فكيف تنفّذ له هذا المطلب!! وكان التعويض صعبا، يركب على اكتافي في الليل وأمشي به الى – بلاطة الفَرْشِة – أول طلوع جبل حيدر، والبلاطة فعلا تشبه الفرشه واسعة وناعمة وسهلة.

في تلك الفترة رُزقنا بالابن الثالث مروان، استحليت هذه الاسماء ومعناها، وهي الاولى في البلد.

في لبنان اقتتال دموي، بين القوى الوطنية والرجعية المدعومة من اسرائيل، وتجتاح اسرائيل الجنوب اللبناني وتحتل "قلعة الشقيف" او البوفور، ومناحيم بيغن زعيم الحيروت الذي وصل الى الحكم على انقاض حزب المباي، العمل، المعراخ يقول لسعد حداد: هَبوفور شِلخا – הבופור שלך – قلعة البوفور لك، وتقوم الدويلة الموالية لاسرائيل، ويستشهد المعلم كمال جنبلاط، وتُوجه أصابع الاتهام الى سوريا، تماما كما وُجهت بعد ذلك جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى حزب الله!!

هنالك وسائل إعلام، وأشخاص ونُظم تُتقن دور النازي الالماني غوبلز: إكذب، إكذب ثم إكذب حتى يرسخ الكذب في الأذهان كأنه حقيقة.

في زمن حكم مناحيم بيغن وبعد اجتياح لبنان يأتي محمد أنور السادات الى اسرائيل، ويخطب في الكنيست، ولا يتطرق الى القضية الفلسطينية، ويتكشّف الكثير من مجاهيل حرب اكتوبر، وتمعن القيادة المصرية في انحدارها نحو الولايات المتحدة واسرائيل والرجعية العربية.

في سنة 1979، انتُخبت امينا عاما لاتحاد الشبيبة الشيوعية، وبشكل فيه نوع من الإهانة!! جاء أحد الرفاق العرب من قبل المكتب السياسي وقال: مصلحة الحزب تتطلب ان تُلقى هذه المسؤولية على رفيق يهودي، والرفيق الأنسب هو الرفيق "دورون فلنر" – لكن والد الرفيق ماير هو أمين عام الحزب ولا يصح ذلك الأب وابنه، فأنا اول رفيق عربي تُلقى عليه هذه المسؤولية، خلفا للرفيق يورم غوجانسكي.

اعتدت على طاعة القرارات الحزبية، في الماضي واليوم وأعتز بذلك، لكن الامر لم يقف عند هذا الحد، كان الشّرط ألا احمل لقب: الأمين العام، بل مُركّز السكرتاريا وترجمتها بالانجليزية: كُؤورْدُنيتَر اُفْ ذا سِكرتاريات!!  جاء الرفيق أحمد سعد، ولم تكن علاقتنا حميمية جدا وصرخ: لماذا ليس أمينا عاما!! هل لأنه عربي!!

وسقط هذا الشرط الهجين. هذا مع عدم تنكري أبدا لأهمية وضرورة استثمارنا في الناحية اليهودية، خاصة بعد انشقاق "ميكونس سْنيه استرفلنسكا" واستيلائهم على اسم الحزب وجريدة – كول هعام – والنوادي ومعهم غالبية الرفاق اليهود. وبقيت في قيادة الشبيبة في المنطقة وقطريا حتى اوائل تسعينيات القرن الماضي – أي اكثر من 22 سنة!! كان عُمري ضعفين ونُص عمر رفاق الشبيبة، ولا أعرف على من تقع هذه المسؤولية، فقد واكبتُ الرفاق تراجيلكوف، وبَستوخوف، وميشين – سكرتيري الشبيبة الشيوعية في الاتحاد السوفييني – الكومسومول -.

قبلها أقامت اللجنة المركزية للشبيبة احتفالا في نادي عكا ودرجهِ الصّعب والواقع بين آخر سوق عكا والمينا، قرب مدرسة التراسانطة، احتفالا بانتقال الرفيق نمر مرقس والرفيقة أوديت نمر من العمل في الشبيبة الى عمل حزبي آخر، وفاجأني الرفاق ان أتكلم باسم الاحتفال في منطقتنا المُضيفة، فما كان مني إلا ان قلت: اليوم نودّع نِمرَين: مرقس نمر وأوديت نمر، ويحل محلهما "ذئبان" زئيف كونتسمان وزيفا زوجته إبنة الرفيق يهوشوع ايرغا – شيكي، قهقه سالم جبران المُلمّ باللغة العبرية وكذلك الرفيق يورم غوجانسكي وتمار، تبين ان زيفا لا تعني ذئبة بل نقطة شهد، او شهْدَه،.

انتُخبا، الرفيق سميح القاسم وأنا الى عضوية اللجنة المركزية للحزب، كانت اجتماعات اللجنة المركزية تعقد في تل ابيب في مركز الحزب شارع مازِه رقم 61، وأحيانا لمدة يومين، على هذا الطريق بين محطة الباصات المركزية ومركز الحزب توفي الرفيق عثمان ابو راس بحادث طرق، وفي احد مشاوير الاجتماعات صدم نسر زجاج سيارة الرفيق ابو العفو من أم الفحم وكتب إميل حبيبي: ان الطيور على اشكالها تقع.

عدت من تل ابيب عند منتصف الليل، ووجدت عندنا صديقات زوجتي عفيقة وبديعة. سألتني نايفة زوجتي كيف وصلت!! قلت سميح القاسم نام في حيفا عند صليبا – صليبا خميس – وأنا روّحت. وهات يا ضحك من عفيفة وبديعة: حسّبوا صليبا اسم امرأة، اسم وحَدِه.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب