news-details

دراما رمضان، كيف تحوّلت لمهرجان بالأقنعة يربك المشاهد ويفقده الثّقة؟|  د. رندة زريق – صبّاغ

 انتشار وسائل التواصل "الاجتماعي" وكثرة القنوات الفضائية أدّت لارتفاع اعداد شركات الانتاج وعدد مقتحمي مجال التمثيل خاصة ممن لا علاقة لهم ولهن به سوى بوجه جميل فاقد الاحساس وقوام رشيق، بالمقابل ارتفع عدد كتاب السيناريو والعاملين بالديكور والاضاءة والمكياج وغيرها من مهن لن يرى المسلسل الضوء من دونها أثبت ممتهنيها أنهم الحلقة الأقوى رغم بقائهم في الظل.

من جهة أخرى بات واضحاً ارتفاع نسبة المشاهدة لأسباب شتى لست بصددها هنا.

المسلسل كعمل فني يطرح القضايا من خلال التجسيد الدرامي والأداء التمثيلي لا بد وأن لمنتجيه وطاقم عمله فكرة أو هدفاّ يسعى لإيصاله للجمهور مع احترام تباين أعمارهم، انتماءاتهم، تنوّع اهتماماتهم، درجات ثقافاتهم ووسع مداركهم التي تؤدي لاختلاف الاسقاطات وردود الفعل كما استحسان العمل أو الابتعاد عنه ليخرج كل مشاهد بانطباع عام عن العمل كفحوى وكأداء وغيرها من النقاط.

قبل عدد من السنوات كان السباق الرمضاني بمثابة مسابقة فنية جميلة دمجت وجمعت بين ثلاثة أنواع من المسلسلات الي قدّمت بقالب احترم معظمها عقل المشاهد في حين كان عدد الأعمال الرديئة الضعيفة قليلاً، قبل سنوات كان التنافس المهني بين المخرجين ايجابياً فنياً مقارنة مع ما نشهده اليوم، كما كان التنافس على ـشده بين الممثلين حتى القديرين منهم لاختيار العمل الجيد وتجسيد الشخصية بحذافير تفاصيلها، وهذا ما لم نعد نشهده اليوم للأسف، فقد بات التنافس على أمور أخرى بعيدة عن رسالة الفن الأصليّة للأسف.

انطلاقا من كون المسلسل أقوى وسائل التأثير بغية التغيير، حضور المسلسلات البارز واقتحامها الشاشات والبيوت مع وبدون استئذان، ونسبة المشاهدات الكبيرة لا بد وأن تكون وسيلة "اصلاح" مجتمعي وانساني تعرض السلبي بهدف تغييره للأفضل وتؤكد على الايجابي بغية تذويته وترسيخه بالأفكار والعقول والأحاسيس، أتمنى لو يقف كل منّا وقفة المشاهد المنتقد والمتفحّص لما يقدّم له محاولاً الابتعاد عن كل ما هو مشوّه سيدمّر أولاده عاجلاً أم اّجلاً.

الفارق شاسع بين المنشود والموجود، خاصة مع تغيّر المنشود كليّاً بات الموجود مقيتاً مدمراً.

  من المنتفع من انبهار المشاهد بشخصيّة كجبل شيخ الجبل مثلاً؟

من المستفيد من تعاطف المتلقّي مع شخصيّة مثل المعلّم صافي بمسلسل 2020؟

لماذا بات الجمهور ينتظر عنف محمد رمضان كل عام؟ وعنف رامز وجنونه المثير للغثيان؟

كيف ولماذا أصبحت الخيانات على أنواعها وجهة نظر؟ بل باتت تفصيله تمر مر الكرام بالمسلسلات العربية بل يسعى العمل لتعاطف المشاهد مع الشخصيّة الخائنة وجعلها في المركز؟

للمخرج والمنتج رسائل للمشاهد، يوصلها من خلال الكلمات، الصور، الألوان، نبرة الصوت، لغة الجسد وتعابير الوجه، الرموز، الطعام والشراب، الديكور، سلوك الممثلين، الخلفيات، الجمهور الثانوي وغيرها من العناصر ذات أهداف ورسائل مبطّنة، في هذا الموسم تحديداً نفتقد لمعظم هذه الصفات في معظم المسلسلات للأسف، فقد بات البرود والركود الشعوري والتعبيري هو سيد الموقف. غنها وسيلة جديدة لتحويلنا إلى دمى لا تكترث لما يدور حولها لكائنات لن تعنيها بعد اليوم هموم الشأن العام وينحصر اهتمام كل شخص بنفسه وبمصالحة الماديّة بالدرجة الأولى والأخيرة.

ترى؟ هل سيدرك المنتجون والمنتفعون من جرّاء اسقاطنا بالهاوية أنّه لا زال بيننا بعض الأذكياء؟ بعض من لم يفقدوا بوصلتهم؟ وأنّه من الممكن أن تدور العجلة من جديد ويفقد المنتفعون قوّتهم؟ أم تراهم واثقون تماماً أنّ صوت الواعين والمدركين لواقع الحال بات أضعف من أن يُسمع بل أضعف من أن يحاولوا رفعه بوجه أحدهم؟

فإلى أين نحن منقادون معصوبي الأعين وإلى متى هذا الصمت؟

 

«خلّي بالك من زيزي»... يذكّرنا بالزمن (الدرامي) الجميل

نادين كنعان

ليست المرّة الأولى التي يقدّم فيها نجوم مسلسل «خلّي بالك من زيزي» («mbc مصر» و«شاهد VIP») عملاً كوميدياً، لكنّ التجربة في رمضان 2021 لافتة ومتفرّدة إلى حدّ بعيد. ففي هذه الكوميديا الاجتماعية (تأليف مريم نعوم، فكرة وسيناريو وحوار منى الشيمي/ بطولة أمينة خليل، محمد ممدوح، صفاء الطوخي، بيومي فؤاد، علي قاسم، سلوى محمد علي، أسماء جلال، نهى عابدين، علي الطيّب...)، نحن أمام قصةّ تنطلق من مأساة عائلية واجتماعية تعيشها شابة مختلفة، تعاني من الانفعاليّة الزائدة وعدم القدرة على ضبط أعصابها. تخوض المرأة الثلاثينية رحلة للتصالح مع نفسها وعائلتها والمجتمع، تمرّ في محطّات مضحكة ممزوجة بلحظات إنسانية موثّرة وغاية في الواقعية. عمل درامي قائم على شخصيات مركّبة تتقاطع دروبها أحياناً وتصطدم مصالحها أحياناً أخرى لتصل إلى حدّ الصراع.

يحيلنا اسم مسلسل «خلّي بالك من زيزي» إلى فيلم «خلّي بالك من زوزو» (1972) الشهير الذي جمع سعاد حسني وحسين فهمي وتحية كاريوكا وآخرين، مشكّلاً عامل جذب بالنسبة إلى كثيرين. لكنّ «زينب» (زوزو) في شريط حسن الإمام، مختلفة عن «زينب» (زيزي) في مسلسل كريم الشنّاوي. ففي العمل الأوّل، البطلة هي صبية جامعية وابنة راقصة، تقع في حب شاب ثري، لتعيش صراعاً نفسياً بين «زينب» الطالبة الجامعية والحبيبة من جهة وبين «زورو» ابنة شارع محمد علي من جهة أخرى.

أما في العمل الدرامي الرمضاني، فتنطلق الحكاية من فشل «زيزي» (أمينة خليل) مجدداً في الحمل بعد سنتين من المحاولة عن طريق التلقيح الاصطناعي. من هنا، تبدأ الخلافات بينها وبين زوجها «هشام» (علي قاسم)، قبل أن يسلك الأمر طريق القضاء وتصبح المرأة الاتكالية أمام خطر فقدان كل شيء إلى جانب فرصة الأمومة. في غضون ذلك، نعيش مع «زيزي» أحاسيس الصدمة والخيبة والحزن ورفض الواقع. بمجرّد سماعها نبأ فشل الحمل، تصرّ على إعادة الكرّة فوراً رغم طلب طبيبتها منها التريّث وتأكيدها على أنّ فرص النجاح تتضاءل مع كلّ محاولة جديدة. نموذج «زيزي» موجود بكثرة من حولنا: شابة طيبة وحنونة للغاية، لكنّها تحاول حماية نفسها من خلال اندفاعها الزائد وتصرّفاتها الانفعالية غير المحسوبة.

ملامح الشخصية العامّة قد تعيد إلى ذاكرة البعض تلك التي أدّتها لبنى عبد العزيز في فيلم «آه من حوّاء» (1962 ــ إخراج فطين عبدالوهاب) المقتبس عن مسرحية شكسبير «ترويض النمرة». إذ وضع السيناريست محمد أبو سيف يومها هذه الفتاة «الشرسة» المفترية الكارهة للرجال في قالب من الأحداث العصرية مع بداية ونهاية مختلفتَيْن عن النص الأصلي.

الطبقية والتلقيح الاصطناعي عيّنة من المواضيع الملحّة التي يطرحها المسلسل. فقد بدا لافتاً حرص صنّاعه على التطرّق إلى اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) عن طريق «زيزي» والطفلة «تيتو» (ريم عبد القادر ــ ابنة شقيقة المحامي مراد الفرماوي). يمكن القول إنّ شخصية «تيتو» هي انعكاس لـ «زيزي» لناحية فرط الحركة، تشتت الانتباه، العدوانية والعصبية في غالبية الأوقات. وعبرها، يسلّط هذا العمل الدرامي الضوء على مشكلة يعاني منها عدد كبير من الناس حول العالم تبدأ مؤشّراتها بالظهور في مرحلة الطفولة، من دون أن يتنبّه لها كثير من الأهالي مكتفين بوضع عوارضها في خانة «الشقاوة» مثلاً.

يبتعد «خلّي بالك من زيزي» عن أسماء مكرّسة في عالم الكوميديا (باستثناء بيّومي فؤاد)، وهذه نقطة تُحسب لمصلحته. فهو يضم باقة من الممثلين المحترفين الذين يقدّمون كوميديا نابعة من تطوّر المواقف وتصاعد الأحداث بعيداً عن محاولات الإضحاك المفتعلة التي تسيطر على عدد لا بأس به من الأعمال الكوميدية. وهذا ما يؤكد كلاماً سبق أن قاله المخرج كريم الشناوي، حين أكد أنّ المسلسل لا يتّسع لكثير من الاستعراض البصري، فالتركيز فيه ينصبّ على الشخصيات التي «سيجدها المشاهد أكثر واقعية وقرباً منه». ومن بين هذه الشخصيات على سبيل المثال، المحامي «مراد الفرماوي» (محمد ممدوح) الذي يحاول دائماً مناصرة المظلومين كنوع من الهروب من مشاكله الخاصة. وهناك أيضاً «ناريمان» (صفاء الطوخي) والدة «زيزي»، مديرة البنك الرصينة والجدية والعمليّة والمستقلّة. من خلال طريقة تعاملها مع ابنتها، يعرّج المسلسل على مسألة تقبّل الآخر في مجتمع لا يعي أحياناً اختلاف الشخصيات، مُطلِقاً الأحكام العشوائية على الأشخاص الذين يتنافرون مع السائد والمقبول اجتماعياً، بالإضافة إلى إساءة معاملتهم ومحاولة «ترويضهم».

في رمضان 2021، وعلى الرغم من كثرة الإنتاجات المتنافسة، خصوصاً في مصر، يحجز «خلّي بالك من زيزي» مكاناً بارزاً لنفسه، موفّراً تجربة مشاهدة ممتعة ومسلية خالية من الابتذال، وقائمة على نصّ رشيق وكاميرا نظيفة. ينتمي هذا المسلسل إلى تلك الأعمال التي تذكّرنا ببعض أنجح تجارب الكوميديا الاجتماعية في العصر الذهبي للسينما المصرية، أبرزها «الأيدي الناعمة» (1964 ــ إخراج محمد ذوالفقار)، و«الزوجة 13» (1962 ــ إخراج فطين عبد الوهاب) و«إشاعة حب» (1961 ــ إخراج فطين عبد الوهاب) وغيرها. (الأخبار اللبنانية)

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب