news-details

رغم حسناته، العمل من المنزل يمكن أن يضر الطبقة العاملة والنساء!| طارق ياسين

*بروفيسور دومينيك مادا، باحثة في علم الاجتماع مختصّة في بحث شؤون العمل، ترى بأزمة فيروس كورونا فرصة لتقليص فروقات الأجور ومشاركة العاملين في القرارات، وتؤكد أن للعمل من المنزل جانب مظلم يجب علينا التفكير به*

 

//حاورتها يعل ألتمن، موقع "دافار"– ترجمة طارق ياسين- "الاتحاد"

 

مع انتشار فيروس كورونا وبدء سياسية الإغلاق، اعتقدت بروفيسور دومينيك مادا أن الأزمة مدخلًا ممكنًا لتغيير جذري وتعديلات للتشوهات الموجودة في عالم العمل. "بداية الإغلاق الأول، آمنت أن الأزمة كبيرة لدرجة تشكّل فرصةً نوعًا ما لتغيير جذري، وكالكثيرين حاولت المساهمة بالتفكير حول العالم ما بعد الأزمة"، مؤكدة أن التغيير لن يكون فوريًا، ويمكن أن يأخذ سنين كثيرة، لكن العمل على التغيير قد بدأ فعلًا.

في العالم الجديد الذي تبنيه مادا، يشكل العامل لاعبًا مركزيًا ومؤثرًا، وليس عنصرًا يخضع لتأثير اهتمامات كبار الشركات، أصحاب الأموال والحكومة، مؤكدة أن هذا التغيير يجب أن يترجم إلى رفع الأجور للعاملات اللواتي اتضحت أهميتهن خلال الأزمة الأخيرة، بالإضافة إلى ترجمة هذا التغيير إلى سياسة تدعم تشغيل الجميع وإشراك العمال في القرارات التي تتخذ في أماكن العمل.

وتصف الباحثة المشاكل الاجتماعيّة التي كشف عنها الوباء عبر التعمّق بحياتها الخاصّة خلال العام المنصرم، "حياتي كانت أكثر تعقيدًا، كالجميع؛ لكن عملي في مجال المعرفة وقدرتي على تمرير محاضراتي عن بعد، خفّفت من وطأة المشاكل التي واجهتها، مقارنة بالذين خسروا مكان عملهم ومصدر دخلهم، والذين لم يتمكنوا من ممارسة عملهم من البيت عن بعد. لقد كانت أزمتي أقل حدّة من الآخرين بسبب امتلاكي لمنزل كبير جدًا، حيث حظي كل شخصٍ فيه بغرفة خاصة للعمل فيها، خاصّةً في واقع أثبتت فيه جميع الأبحاث التي أجريت في فرنسا أن حجم السكن شكّل العنصر الأبرز لانتقال العدوى بفيروس كورونا.

لكن العمل من المنزل جلب معه المزيد من الصعاب التي واجهت العمال: تشويش الخطوط الفاصلة بين العمل وبين ساعات الفراغ، "عملت أكثر من المعتاد في عملي عن بعد، لأنه كما هو معروف، فإن هذا الشكل من العمل تلفي الحدود بين الحياة الشخصيّة والحياة المهنيّة: ويحتل العمل معظم المساحة".

 

ما التغيير الذي جلبه الوباء حول نظرة المجتمع إلى العمل؟

أعتقد أن الناس خطوا خطوة نحو الخلف في كل ما يتعلق بمكانة العمل في حياتهم. يبدوا أن الناس الذين فقدوا أماكن عملهم، عرفوا أكثر من غيرهم أهمية وجود العمل في حياتهم. هذه الرؤيا تطرّقت أيضًا إلى نوعية العمل نفسه: هل العمل الذي أقوم به مجديًا أصلًا؟ هذا السؤال جاء على ضوء التفهّم للحقيقة أن نوعية معينة من الأعمال كانت أكثر أهمية من غيرها من الأعمال في فترة الإغلاق والتقييدات: بعض القطاعات كانت إلزاميّة من أجل استمرار المجتمع، هذه القطاعات كانت الأقل أهميّة، وحظيت بأقل مستوى من الأجور، وفي المقابل، حظيت قطاعات أخرى من العمل بمستوى أجور مرتفع، رغم قلّة أهميتها بشكل واضح جدًا".

وتوضح مادا أن كشف هذا الغبن يشكّل فرصة لتصحيحه، "كلّي أمل أن يؤدي كشف هذه الحقائق إلى خطوات لرفع الأجور الأكثر انخفاضًا، للقطاعات الضروريّة، لقطاع العلاجات، البيع، السائقين، للعاملين في مجال الصيانة وتقليص الفروقات في الأجور".

 

نحو تغيير ديمقراطي في مجال العمل

الأزمة الحادّة قادت مادا برفقة باحثين آخرين، إلى صياغة بيان يعمل على رسم أسس بناء عالم العمل ما بعد وباء كورونا. البيان الذي ينادي بتغيير ديمقراطي في العمل، نشر في شهر آب/أغسطس الماضي في عشرات الصحف الرائدة في العالم، بالإضافة إلى تخصيص موقف الكتروني خاص به ترجم في إلى أكثر من 25 لغة، ووقع عليه ثلاثة آلاف باحث وباحثة يعملون في ما يقارب الـ 600 مؤسسة أكاديميّة حول العالم.

ادعى الباحثون في بيانهم أن الإغلاق الذي فرض في دول عديدة كشف الحقيقة التي حاولت الرأسماليّة إخفاءها: العاملين الذين يقومون باستثمار قوّة عملهم في أماكن العمل لهم أهميّة ليست أقل، أو حتى أكثر من أصحاب الأموال الذي يستثمرون أموالهم بها.

ودعا الباحثون إلى تغيير مبنى نظام الشركات، حيث يتم منح الأطر الممثلة للعمال حقوقًا مشابهة لتلك الممنوحة لأعضاء الإدارة فيها، ويخضع كل قرار جدّي في الشركة إلى موافقة الأغلبيّة بين ممثلي العمال وبين إدارة الشركة.

إحدى الطرق التي يقترحها الباحثون لتقليص تأثيرات قوى السوق هي سياسة حكوميّة لتأمين العمل للجميع، حيث يدعون أن هذه الخطوة، بالإضافة إلى تأمينها الحياة الكريمة، فهي وسيلة للتعامل مع التحديات الاجتماعية والبيئيّة التي تواجه البشريّة في هذه اللحظة.

بعد أربعة أشهرٍ من نشر البيان، تظهر مادا نظرة مدروسة لتأثيره قائلةً أنه "مع الأسف الشديد، لا أعتقد أن بياننا نجح بالتأثير على السياسة الجماهيريّة، لقد حظينا بالعديد من التغطية الإعلاميّة، مثل كتابنا، لكن الحكومات لم تنجح بمبادرة تغييرات من هذا النوع. في فرنسا رأينا تحسنًا نسبيًا في الاستثمار في المعالجين حيث حظوا بعلاوة على أجورهم (غير كافية بنظرهم)، لكن بعد نصف عام من الإغلاق والتقييدات الأولى، وبمشاركة كافة الشركاء في المجتمع، كان عليهم رفع أجور العالمين الموجودين في واجهة المعركة". مؤكدة أن العمل قد بدأ لكن نتائجه غير واضحة بعد.

"في النهاية، لم يجر أي شيء في موضوع التحول الديمقراطي للشركات والاقتصاد، الموضوع الذي لم يره أحد، لكن ما يبعث الأمل هو دعم المؤسسة الأوروبيّة للتنظيم المهني، ومؤسسات أخرى، حيث أظهرت المنظمات المهنيّة اهتمامًا كبيرًا باقتراحاتنا".

 

للعمل من المنزل يوجد أيضًا جانب آخر مظلم!

غير العمل عن بعد بعض العادات، ودفع البعض حتّى إلى تطوير أذواق مختلفة لمتابعته. اكتشفت بعض الشركات أنه بإمكان عامليها العمل بشكل مستقل، ترك المدن الكبرى من أجل العمل أكثر، لكن هنالك جانب مظلم علينا التفكير به.

لن تعمل الشركات على إرسال عمالهم إلى العمل عن بعد من أجل بيع مكاتبهم باهظة الثمن. حقيقة عمل قسم من العمال من البيت ستقودهم إلى تفضيل علاقة عمل مبينة على تقديم خدمات بدلًا من علاقة مشغِّل ومشغَّل بأجر، ومن هناك، الطريق قصيرة جدًا نحو القضاء على علاقة العامل ومشغّله عن طريق توظيف خارجي للعمل".

"بدلًا من اتخاذ إجراءات من أجل الحفاظ على العمل المحلي، سنكون شاهدين على قلب العمل لقالب، أي إنتاج بعثة للاستعانة بالمصادر الخارجية لمهمات صغيرة أو حتى كبيرة للعمل بأكمله".

 

مع الفيروس أو بغيابه: انعدام المساواة بين الجنسين لا زالت هنا

تشدد مادا على أن التغييرات التي جلبها الوباء فاقمت الفروقات بين الرجال والنساء في العمل، "أجرينا احصاءين خلال الأزمة حول التوازن بين العمل وأوقات الفراغ، الأول بمشاركة 2000 والثاني بمشاركة 135 ألف مشترك، مما منحنا معطيات مثيرة في هذه المجالات، حيث برز عدم المساواة الواضحة بين وضعية الرجال والنساء. مثلًا، النساء هن من أخذ على عاتقه المهمات المنزلية والعائلية الإضافيّة التي جلبها الإغلاق والتقييدات، خاصّة في كل ما يتعلّق بتوفير التعليم للأطفال.

"وأظهرت الاستطلاعات توفّر ظروف أفضل للرجال للعمل عن بعد أكثر من النساء (47% من المدراء الرجال حظوا بغرفة خاصة للعمل في المنزل، مقابل 29% من المديرات)، بالإضافة إلى خسارة عدد أكبر من النساء لعملهن مقارنة بالرجال".

"للتلخيص، على الرغم من الحقيقة أن العمل عن بعد وفّر على النساء زمن السفر الطويل للعمل، إلا انه بالنسبة للأغلبية الساحقة منهن فإن العمل عن بعد شكل تراجعًا لهن. الاستنتاج دائمًا نفسه، مع أو بدون الفيروس: من المهم أن يتوفّر للنساء والرجال امكانيات العمل ذاتها، المسؤوليات والمعاشات، وأن يأخذ الرجال على عاتقهم كامل المسؤولية في المهام المنزليّة وتربية الأطفال".

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب