news-details

ساسون سوميخ – كَمْ وَكَيف؟

انتقل إلى رحمته تعالى، يوم 18 /8 /2019 البروفسور المعطاء: ساسون سوميخ، يهودي عربي، القائل: أنا آخِر اليهود العرب، وقال مثله كذلك من انتموا للحزب الشيوعي الإسرائيلي : سامي ميخائيل، دافيد صيمح، شمعون بلاص، كما عرّف نفسه، ثقافة عربيّة، عربيّة عراقيّة وعبريّة فيما بعد، بدأت مواهبه الأدبيّة في بلاد الرّافدَين، قبل قدومه الى البلاد عام 1951. 

صحيفة هآرتس خصّصت له مقالَين منفردَين 23 / 8 / 2019: الأوّل لتلميذه وزميله لاحقًا: د جبريئيل، م، روزنباوم، تحت عنوان: ساسون سوميخ رُكْنُ نجيب محفوظ، والثّاني لِلكاتب الصّحفي والناقد الأدبي ألموج بهار، تحت عنوان: هدفنا تدعيم الرّوابط وأخوّة المعركة بين الشّعبين اليهودي والعربي، أمّا في قطاعنا العربي الدّاخلي، فقد عثرنا عند المستر جوجل/ الجوّال على نبأ في موقع يافا اليوم الأحد 18 /8/2019، تحت عنوان: وفاة البروفسور ساسون سوميخ في تل أبيب عن عمر ناهز ال 86 عامًا، حاصل على جائزة اسرائيل في الآداب العربيّة المعاصرة، شغل منصب رئيس قسم اللغة والآداب العربية في جامعة تل أبيب لمدّة إثنَي عشر عامًا، أستاذ كرسي الكاتب العالمي المصري نجيب محفوظ، رئيس المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة، شارك عام 2007 في تأسيس مجمع اللغة العربيّة الإسرائيلي. 

 النّاشط رعنان شيمش كتب عن سوميخ يوم 19 /12 /2008: مجلّة الجديد لغة واحدة ثنائيّة القوميّة، كوني يهودي عربي كان لي عاملًا مساعدًا، أصدر سوميخ كتابَين لسيرته الذاتيّة: الأوّل بغداد بالأمس عام 2004 والثّاني : أيّام أوهام، عن سيرته هنا، عام 2008، السيرتان صدرتا عن دار النّشر: هكيبوتس همؤحاد. وقال، أنا لا أصنّف نفسي صهيونيًّا، إذا كان المقصود قدوم كل يهود العالَم إلى هذه الدّيار، ولكنّني وطني اسرائيلي. لا أفهم نفسي بدون العربيّة، نفس الرّأي عند: شمعون بلاص، إيلي شوحط وشالوم شطريت. 

من يتصفح ل جوجل يجد كمًّا وكيفًا هائلَين عن الرّاحل المعطاء باللغتّين الشّقيقتَين، وانصافًا للحقّ نقول: هذا العميد الأدبي الجليل حافظ على ماء وجهه العربي والعبري، وجنتان في وجه واحد، خَدٌّ أسمرُمسفوعٌ وخدّ قمحاوي مربوع، دون حاجز مميّز بين الخدَّين الشّقيقَين

*نعود الى النّاقد ألموج بهار، فيحدّثنا عن ثقافة سوميخ:الكاتب العربي الأوّل الذي التقى به سوميخ هنا: اميل حبيبي، اهتمّ سوميخ بالتّرجمة الجادّة بين اللغتَين الشّقيقتَين، ليقدّم للقارئ العبري صورة واضحة عن الإبداع العربي، ومن بين إنجازاته في النرجمة: نهر فَراشة/ مختارات من الشّعر السّوري واللبناني 1973، تراكمات لميشيل حدّاد 1979، أنا أعشق بالحبر الأبيض لسهام داوود 1981، جغرافية بديلة للشاعرة المصريّة: إيمان مرسيل 2009، حامل الفانوس في ليل الذّئاب لسرجون بولس 2012، العصر المكسور لمحمود درويش 2017، وبهذا يصيح سوميخ الوسيط بين الأدبين العربي والإسرائيلي، كما نظم شعراَ عبريًّا ساخرًا نشره في صحيفة (كول هعام/صوت الشّعب العبريّة)، واختار اسمًا مستعارًا هو: دان تيروش. 

*لن ننسى د، جبريئيل روزنباوم، تلميذ نجيب لسوميخ ومن ثمّ زميل له، الإثنان يعتبران مرجعًا هامّا لكلّ ما يتعلّق بأدب نجيب محفوظ ومجالسته ومسامرته في مقهى علي بابا/ الطّابق الثّاني /ميدان التّحرير في القاهرة، لثرثرة على النّيل والاستماع إلى كوكب الشّرق، مع كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي : على بلد المحبوب ودّيني/ زاد وجدي والبعد كاويني/ ياحبيبي أنا قلبي معاك/ طول ليلي سهران ويّاك/ تتمنّى عيني رؤياك/ أشكي لَكْ وانتَ تواسيني... 

*عُدنا إلى كتاب البروفسور سليمان جبران/ البقيعة/ حيفا: ملفّات الذّات، مكتبة كل شيء للطباعة والنّشر- حيفا 2018، تحت عنوان: رفضتنا حيفا.. فاستقبلتنا تل أبيب في الأحضان! الصّفحات 62- 65، يتحدّث جبران عن سوميخ، دون أن يذكر اسمه فيقول: (تل أبيب لم تكن على البال ولا على الخاطر، لكن رفضتنا جامعة حيفا، فاستقبلتنا تل أبيب في الأحضان "أهله في القرية، شيوعيّون كلّهم" -هكذا كان قرار الشين بيت في الشمال، فَسَدَّ بذلك طريقنا إلى الجامعة في حيفا. قرار الشين بيت كان في جامعة حيفا يومها لا استئناف عليه. فصل المقال. لا يُصدّ ولا يُرد!... اسمع يا سليمان: أريدك معيدًا في الجامعة عندنا. لكن الأمر ليس سهلًا..... بعد أيام وصبتني من الدكتور العراقي رسالة في البريد. رسالة مكتوبة على الطّابعة... إنّ الجامعة وافقت على مقترحه، وأنّي سأتلقّى في أقرب وقت تعيينًا رسميًا من سلطتها، لِأبدأ عملي في شهر تشرين الأوّل المُقبل. فرحتُ بالرسالة طبعًا. نحقّق مبتغاي. يبدو أنّ الشين بيت لم يعرف بالمستجدّات. أو لعلّه لم يكن صاحب القرار في جامعة تل أبيب. لم يسألني أيّ انسان سؤالًا واحدًا في السياسة...) وأضيف من عندي: وْهون حَطّنا الجمّال يا غلمان! هنا مربط الفرس بكلّ ما يتعلّق في مجتمعنا العربي. 

*نحتفظ بما تيسّر من مجلّدات مجلّة الجديد العريقة المحتجبة، فإذا بها تطفح بسيل فيّاض لإبداعات العرب واليهود معًا، وعلى سبيل المثال فقط: الإميلان توما وحبيبي، توفيق زيّاد، عصام عبّاسي، شطرا البرتقالة اليافاويّة القاسم والدّرويش، سالم جبران، نايف سليم، محمد نفّاع، علي رافع، ساسون سوميخ، شموئيل موريه، دافيد صيمح... في العدد الثّامن لعام 1955 مقالة قصيرة لساسون سوميخ تحت عنوان : حول مستقبل الشّعرص7 كتب فيها: الصّور الجديدة التي أخذت تنتشر في الشعر العربي، ولا سيّما طريقة" الشّعر المقطّع" (أي الاعتماد على التّفعيلة) العربيّة التّقليديّة مع اختلاف عدد التّفاعيل في كل بيت، هي بلا شكّ تطوّر جدّيّ في أسلوب الشعر العربي، وهي ليست "موضة" سرعان ما تزول كما يزعم الأستاذ عزيز أباظة.. 

* لفت انتباهنا مقالة للشاعر الرّاحل سالم جبران، العدد السادس، حزيران 1970، تحت عنوان: كُتّاب يهود عن الأدب العربي المعاصر، وهي مراجعة لعدد خاص عن الأدب العربي أصدرته مجلّة (كيشت/قوس قزح)، من مبدعينا العرب أشارت المجلّة إلى: نجيب محفوظ، يوسف إدريس، معين بسيسو، أدونيس، محمد الماغوط، نزار قبّاني، سليمان فيّاض، يوسف الخال، شوقي أبو شقرا، راشد أبو شاور، محمد حادر، أنسي الحاج، فؤاد رفقة، عبد الوهاب البيّاتي، زكريّا تامر، وعمر النّيص، ويمضي سالم قائلًا: وفي المجلّة أيضًا دراسات مطوّلة للأستاذ نسيم رجوان، الدكتور شموئيل موريه، الدكتور ساسون سوميخ، والأستاذ شمعون بلاص. ويضيف سالم قائلًا: فالدكتور ساسون سوميخ يقدّم في العدد دراسة وافية عن الشاعرة الفلسطينيّة المعروفة فدوى طوقان تحت عنوان: قلب إمرأة من الشّرق ص 112، وفي معرض تحليله للتحوّل الهامّ جدًّا الذي حدث لفدوى بعد حزيران 1970 يقول(سوميخ): ‘نّ التّقدير الذي يصل حدّ التّأليه تقريبًا لهؤلاء الشعراء ولهذا الشّعر، جعل فدوى طوقان تقف أمام الخيار : إمّا أن تُجرّب أن تتبارى مع (شعراء المقاومة )، أو أن يُحكم عليها بالنسيان، منذ الآن، لم نعد الشاعرة الفلسطينيّة البارزة أكثر من غيرها، وعليها أن تُثبت نفسها، يوميًّا، وليست هنالك وسيلة لهذا أفضل من الشعر النضالي، مع أنّ هذا الشّعر غريب عن روحها، ويضيف سالم: في هذه النّقطة بالذّات، نعتقد أنّ الأستاذ سوميخ قد أخطأ خطأ فاحشًا في التّقييم... ، يختتم سالم معالجته قائلًا: هذه ملاحظات سريعة... وعلى العموم، فَإنّ الأساتذة الذين قاموا بكتاية الدّراسات، وقاموا بترجمة القصائد والقصص والمسرحيّات لهذا العدد الخاصّ من مجلّة (كيشت)، قد قاموا بجهد كبير مشكور، لتعريف الإنسان اليهودي بأدبنا العربي الحديث. 

*أشرنا في مقالات سابقة إلى الدّور الأدبي والإنساني الذي قام به بعض يهود بلاد المشرق في بناء صرخ ثقافي في هذه الدّيار، ونعود لنُذكِّر بما تقوم به بعض المواقع، لوضع النقاط على الحروف، ومن بين هؤلاء: الأستاذ شموئل موريه(سامي معلّم) 1932 -2017 استاذ اللغة العربيّة في جامعة القدس، ومن إصداراته: الشّعر العربي الحديث/ في اللغة الإنجليزيّة، وقد أشار إلى نشاطه البروفسور الباقاوي فاروق مواسي. 

*القاموسي حزقيل قوجمان 1920 -2018 كان سياسيًّا عراقيًّا اعتُقِل هناك وأطلق سراحه، وضع قاموساَ عبريًّا عربيًّا. 

* قائمة الكتّاب والمبدعين اليهود العرب العراقيّين ضمّت كذلك:سامي ميخائيل(سمير مارد)، يهودا شنهاب، سامي زبيدة، دافيد صيمح، يوسي يونة، شمعون بلاص، سليم وجاكلين شعشوع والقائمة طويلة. 

مذكّرات سوميخ بالعبريّة : بغداد في الأمس، بها الحنين الصّادق لمسقط الرّأس : بغداد ست ّ البلاد، مهما حاول الطّغاة العرب والأجانب النّيل منها ومن عظَمتها، ولا ينسى علاقته الحميمة مع مبدعي بلاد الرّافدَين، ومن جملة الأسماء المستعارة التي استخدمها: مازن لطيف، والاسم هذا به كثير من الأبعاد والأمجاد. 

*لا بُدَّ لنا من الإشارة إلى تكريم ساسون سوميخ في كلّيّة بيت بيرل عام 2013، حيث قال سوميخ: حياتي جعلتني انسانًا محظوظًا، فهوايتي هي الأدب وعملي هوالأدب، ولا تناقض بين هوايتي وعملي، وقد اعترف نجيب محفوظ قبل رحيله: إنّ ساسون سوميخ هو أهمّ المراجع التي عالجت مسيرتي وإبداعي. 

نحن لا نخلط الصّالح مع الطّالح، ولا نمزج الفالح مع المالح ولا الطّامح مع السّارح على فيّالو!، ويبقى ويزداد تقديرنا واحترامنا لِحَمَلة الرّاية الأدبيّة للإخوة الكُتّاب اليهود العرب الذين لم ينجرفوا مع جوقات التّحريض العلني على كلّ ما هو عربي في الدّاخل والخارج، وقد استضفتُ بعض هؤلاء في بيتي، ولا أنسى الزّيارة التي خصّني بها: الكاتب سامي ميخائيل وقرينته، وزميله ساسون سوميخ وقرينته، حيث لمستُ عن كثب مدى صدقهما وجرأتهما على المجاهرة برأييهما في غابة التّحريض علينا صباح مساء، ولن أنسى التّواضع وطيبة القلب والإصرار على إجراء الحوار عربيًّا، ليس من باب المجاملة، بل من باب العرفان بجميل الأدب العربي والقِيَم والأخلاق معًا، الرّحمة للراحلين، وطول العمر والعافية للذين مازلنا نرفل بينهم. 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب