news-details

عشية الانتخابات: التعويل على الذات في مواجهة التحديات

مقولة "السياسة فن الممكن" صحيحة لكنها ليست معيارا، لأن "الممكن" غير محدد. وهو أيضا ليس معيارا. "الممكن" يحدده أمران جوهريان: معادلات القوة من ناحية، والأخلاقيات والقيم من ناحية. وغالبا ما يتنافر طرفا هذه الثنائية وبالذات للمدى القريب. فإن تراجع وزن الأخلاقيات يزداد وزن معادلة القوة ويغدو كل سلوك مباح، وحين يعلو وزن الاخلاقيات ففي ذلك حماية للذات وفي ذلك اعتماد قواعد لعبة تسعى لإبطال سطوة القوة. في حين للمدى البعيد فإن التمسك بأخلاقيات السياسة هو مصدر قوة ومصداقية ومساندة شعبية لتحقيق الهدف. لأنه في حالتنا فإن الاخلاقيات في المجمل تدور في محورين الاول هو التمسك بحق شعبنا وثوابته والسعي لاحقاقه وضمن ذلك قضايا جماهير شعبنا في البقاء والتطور والتمسك بالوطن، والمحور الثاني هو مدى التمسك بقيم انسانية كونية وموقفنا من الصهيونية ومن جوهر مشروعها. وهذا يتطلب استراتيجيات واضحة، كما ويتيح تكتيكات وأساليب عمل مختلفة لا تتعارض مع الحق.

 

التأثير هو مراد السياسة..لكن..                             

منذ نشأة القائمة المشتركة يتكرر في ساحتنا خطاب "التأثير". التأثير هو مراد السياسة، لكنه ليس وصفة مفتوحة لكل داء. الطريق الى التأثير قد تحدده أهداف وطموحات نبيلة، لكن فيه متاهات أيضا، وقد تحيدنا عن بلوغ غاياتنا.
هناك سؤال جوهري آخر وهو هل يتأتّى التأثير من الهامش الذي نسعى الى توسيعه أم من المركز الذي لسنا جزءا فعليا منه، هو لا يقبلنا وقيمنا لا تسمح لنا بارتياد مساحاته؟.
أحيانا تكون الحماية الذاتية ومضاعفة القوة بالذات من خلال مَوقَعَة أنفسنا في "الهامش" بالمفهوم الاسرائيلي. الهامش هنا وبخلاف دلالاته اللفظية ليس بالمفهوم السلبي، بل هو مركزنا ونقطة انطلاقنا وحسب قواعد لعبة نحددها. من خلال تعزيز انفسنا في الهامش نقارع المؤسسة الصهيونية الحاكمة والمهيمنة ونحن محافظين على قيمنا الوطنية التي تبلورت في خضم النضالات وفي طريق الجماهير العربية الكفاحي. لقد عملنا تاريخيا من هذا الموقع وأثرنا على السياسات، لأن المسعى كان تغيير السياسات، وفي حال عدم تغييرها كان ردعها وليس الجلوس في مركز صنعها. ففي مركز صنع القرارات تحمّل مسؤولية تجاه كل السياسات بما فيها العدوانية والاستعمارية الاستيطانية والعنصرية وبنية صناعة السياسات الاسرائيلية.

 

نطمح لقوة تتيح لنا مواجهة أي ظرف ينشأ                        

هناك اختلاف في الطريق بين إذا كان الهدف هو أية حكومة نريد بعد الانتخابات، أو أية قوة نطمح أن نكون لمواجهة أي ظرف ينشأ. قد يكون اقصى الممكن هو ان نحسم ما لا نريده، أو نخفف من وطأته وليس ان نحسم ماذا نتوق إليه، او الاضطرار الى التمييز بين خيارات سيئة، وفي ذلك ثمن أخلاقي بالمفهوم السياسي، لكنه يخضع لنتائج الانتخابات وليس لمضمون خوضنا لها. والثمن الاخلاقي هو في كل موقف نتخذه بهذا الصدد، وحول هذا يوجد نقاش جوهري.
بنظرة تاريخية الى تجربتنا منذ العام 1948 نرى أننا لم نحقق أي حقّ الا اذا ناضلنا من أجله وبقدر ما قمنا بذلك في ظرف معين، وقد حققنا الكثير نتاج قوتنا كمجتمع وقوة حركته السياسية، هكذا كان مع الحكم العسكري ويوم الارض وكل المحطات النضالية الكبرى حتى اليوم.
قوتنا المنظمة تحمي حقوقنا وهي المفتاح لإحقاقها. وعليه فإن قوة القائمة المشتركة هي من قوة الجماهير، والجماهير الشعبية تقوى بأدواتها السياسية وجدارة مؤسساتها الجامعة وجدارة تمثيلها على مختلف الاصعدة التي تريدها.

 

إحتمالات ممكنة                             

الاحتمالات التي تبدو ممكنة هي اما حكومة وحدة قومية صهيونية أو حكومة يمين أو جولة انتخابية رابعة، اما فكرة حكومة برئاسة غانس وبدعم المشتركة الخارجي ككتلة مانعة فتبدو غير قائمة سياسيا حتى وإن اكتملت ركائزها حسابيا، ففي اسرائيل فإن الصوت العربي لا يساوي الصوت اليهودي، والمشاركة العربية في أية حكومة غير واردة من طرفي المعادلة أو اللا-معادلة. وهذا غير مرتبط بأداء نواب القائمة المشتركة الذين يعملون بجدارة.

 

نحن والنزعة الفاشية المتنفّذة                              

اعتقد اننا استخدمنا التوصيف بالفاشية مراحل طويلة قبل حضورها الحالي شبه المتكامل. مع أنه كان هناك ايضا توصيف يتحدث عن "خطر الفاشية". لكنا اليوم أمام تحوّل فاشي بنيوي ينعكس أولا بالجهاز القضائي وتبريراته المجاهرة للسياسات العنصرية والاستعمارية وللملاحقات السياسية وتجريم العمل السياسي العربي، ويستخدم ذلك لتبرير تجريم حتى الأصوات اللبرالية الاسرائيلية محدودة القوام وشيطنة دورها بحجة موقفها من حقوق فلسطينية سواء في الداخل أم عامةً. كما وهناك مؤشرات الى تهاوي كل الكوابح لتحوّل التحريض العنصري الرسمي الى سلوك دموي. هكذا يعيش الفلسطينيون في الداخل مرحلة تتسم بإعلان المؤسسة الحاكمة حربا عليهم، وعلى شرعية وجودهم في وطنهم وعلى حقوقهم.
التيار السياسي المهيمن على مجمل الحياة الاسرائيلية هو تيار الصهيونية الدينية الاستيطانية، وقد نجح بشكل كبير في فرض سطوته على الجهاز القضائي والحيّز العام الاسرائيلي السياسي والثقافي والاعلامي. إننا بصدد نخب اسرائيلية جديدة أعاد انتاجها واقع العنصرية والعدوانية والاستعمار الاستيطاني.
ما نجحت فيه سدّة الحكم الاسرائيلي هو عميق الأثر. فمن ناحية يوجد وضع اقتصادي جيد وأمان اقتصادي غير مسبوق على المستوى الفردي. وهناك ازدياد ملحوظ في الناتج القومي المنعكس على الجانب الفردي. هناك نجاحات وانجازات دبلوماسية اسرائيلية غير مسبوقة وكما يطلق عليها نتنياهو العصر الذهبي لعلاقات اسرائيل الخارجية. إنّ التحوّل النوعي في الجهاز القضائي والذي واظبت وزيرة القضاء السابقة أييلت شاكيد وبمنهاجية على إحداثة في ردع الاستقلالية النسبية للمحكمة العليا وفي إغراق الجهاز القضائي بقضاة يتقاسمون الولاء بين من عيّنتهم وبين القضاء الذي يطوّعونه لصالح الاولى، وهذا ما ظهر جليّا في قرار المحكمة العليا بشأن حصانة النائبة هبة يزبك، وفي روح القضاء.
إنه نهج متواصل وبشكل مجاهر ومستدام في نزع شرعية الجماهير العربية وتجريم نضالها ومجمل نضال الشعب الفلسطيني، وكل صوت معارض سواء أكان اسرائيليا أم عالميا، وهيمنة البعد اليهودي ومشروع الخلاص الأصولي والاستعماري الاستيطاني على الثقافة والسياسة والقضاء والاعلام وعلى النخب الاسرائيلية
الملفت أيضا هو أن المزاج الاسرائيلي العام متقبّل لها، ويتغذى هذا التقبّل من نزعة استعادة التيارات والاحزاب الفاشية لجبروتها في انحاء العالم في عصر ترامب وما يمثله. وهي الارضية المؤاتية للمؤسسة الاسرائيلية كي تجاهر في عدوانيتها تجاه مجمل الحق الفلسطيني والسعي الى إلغائه بالكامل وفقا لروح ونص "صفقة القرن".
اننا بصدد ما يمكن توصيفه فاشية استعمارية عنصرية وعدوانية، أصبح الوجود العربي الفلسطيني في الداخل بالنسبة لها مادة لاشعال نيرانها في كل ما هو عقلاني وتأليب الجمهور الاسرائيلي، حفاظا على هيمنتها. وتؤكد التاريخ الانساني أن العنصرية اذا لم يردعها ضحاياها ستنقلب الى دموية وأكثر شراسة.
الفاشية اليوم ليست احتمالا وانما واقع تتسع مساحاته يوما بعد يوم، وقد كتب علينا سياسيا نحن جماهير الشعب الفلسطيني في الداخل أن نكون في طليعة مواجهتها لأننا شئنا أم أبينا في طليعة استهدافها.

وعلى الرغم من كل ذلك، لا أرى أنّ اسرائيل تعيش أزمة دولة، فلا تتنازعها تيارات وانقسامات وصراعات جوهرية، وقد يكون هذا نتاج غياب البدائل لحكم نتنياهو، ونتاج الضعف العربي والفلسطيني، وإنّما ما نشهده هو أزمة الحزبين الكبيرين، الليكود يواجه معوقات في الاستمرار بالحكم وكاحول لافان يواجه معوقات الوصول للحكم، والاختلافات "الجوهرية"، إن وجدت، هي بعيدة من أن تكون سيدة الموقف.
في حين أن زيادة قوة المشتركة في هذا الظرف قد تعمق أزمة الحزبين المذكورين، وتجعل مطالبها أي مطالب الاحزاب والقاعدة الجماهيرية الكبرى التي تمثلها، عصيّة عن التجاهل. حاجتنا ليست الى من ينقذنا من العنصرية الفاشية الزاحفة، بل الى أن نكون أقوياء لدرجة لا يمكن المس بحقوقنا وبوجودنا.

 

التصويت للمشتركة                                 
رغم النقاشات الحقيقية حول بعض تجليات النهج، فهناك حالة ارتياح جماهيري واسعة من أجواء المشتركة، والحالة المعنوية لجماهير الشعب هي مسألة جدية. كما أن قوة تمثيل المشتركة هي جزء ومركّب هام في تعزيز حضورنا فوق عنصريتهم. وهي تعني أداة جهوزية أساسية في مواجهة أي ظرف ينشأ بعد الثاني من اذار سواء أكان مرتبطا بالانتخابات أم بالتحولات المحلية والدولية في المنطقة. نحن بحاجة الى مَواطن قوة في أقصى جهوزيتها. وزيادة تمثيل المشتركة هو أحد روافد القوة التي تجعلنا في وضع أفضل، ومهما كانت التحديات.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب