news-details

قراءات في "رأس المال": ماركس هيجل والصوفية| هشام روحانا

القراءة الأولى:

ماركس هيجل والصوفية

 

يوظف ماركس المصطلح (Die mystifizierende Seite) بالألمانية ومقابله بالإنجليزية (The mystificatory side) او ما يعود الى (Mystification) في تذيليه للطبعة الثانية من رأس المال [بالروسية мистифицированной форме الشكل المُشوِه]. ومن ثم في القسم الأول، الفصل الرابع منه تحت العنوان الفرعي صنمية البضاعة وسرها.  توظيفه الأول للمصطلح يتم في سياق نقده (ودفاعه عن) ديالكتيك هيجل. في التوظيف الثاني في وصفه للطابع الغامض المبهم للبضاعة.

للأسف الشديد يقوم مترجمو رأس المال، في طبعة دار التقدم وهي عن الروسية وفي طبعة دار الفارابي التي "تطابق نص الطبعة الألمانية الرابعة" (كما جاء، ولكن لا ندري إذا ما كانت عن الألمانية أو الإنجليزية) بترجمة هذا المفهوم الى "الطابع الصوفي" لديالكتيك هيجل والى الطابع الصوفي للبضاعة.

من المتعارف عليه ترجمة نوع محدد من اشكال التصوف – أي الصوفية، وهي الشكل الذي يتخذه التصوف لدى المسلمين الى (Sufism). لكن ماركس لا يستخدم هذا المصطلح هنا.

لذلك من الواضح أن المترجمين العربيين وقعا في خطأ الترجمة. وليس هذا الخطأ بالبسيط عندما نتناول ما الذي يريد ماركس قوله في تذيل الطبعة الثانية عن ديالكتيك هيجل وفي متن مؤلفه الرئيس في فك الطابع الغامض المبهم للبضاعة.

  1. 1) ما يقوله ماركس في تذيليه للطبعة الثانية يجب أن يترجم كما يلي: "إن طريقتي الديالكتيكية ليس أنها ومن الأساس تختلف عن طريقة هيجل بل وتناقضها بصورة مباشرة. بالنسبة لهيجل فإن عملية التفكير، والتي يحولها تحت مسمى الفكرة الى ذات مستقلة، هي المبدع الخالق للواقع، وهذا الواقع ما هو الا مظهر هذه الفكرة الخارجي. أما لدي فإن المثالي ليست شيئا سوى العالم المادي المنعكس في دماغ الانسان والمترجم فيه على شكل أفكار". ويتابع ماركس:" ولقد انتقدت الغموض (mystification) الذي يخلقه ديالكتيك هيجل [وليس الطابع الصوفي لديالكتيك هيجل كما جاء في الترجمتين المذكورتين] قبل 30 عاما وذلك حين كان الديالكتيك ما يزال موضة متبعة". "إن هذا الطابع الخالق للغموض الذي يعاني منه ديالكتيك هيجل لم يمنعه رغم هذا عن أن يكون أول من عرض اشكال حركته العامة بصورة شاملة وواعية. يقف الديالكتيك لديه على رأسه. بينما يجب أن يتم قلبه ليقف على قدميه لكي يتم الكشف عن لبه العقلاني المستتر تحت غلافه الغامض". 

2) في الفقرة التالية يتقدم ماركس خطوة إضافية لانتقاد الشكل الذي يتخذه الديالكتيك لدى هيجل كفلسفة تمجد الوضع القائم وتعمل على تأبيده، يقول ماركس: "وفي شكله المشوه والغامض صار الديالكتيك موضة ألمانية ذلك لأنه بدا وكأنه يمجد الأوضاع القائمة ويُحرفها. لكنه وبصورته العقلانية يشكل فضيحة مقيتة للبرجوازية والمتحدثين العقائديين باسمها، ذلك انه يتضمن بالتوازي لإدراكه الصحيح لما هو موجود إدراك نفيه وهلاكه المحتوم، لأنه ينظر الى الاشكال التي تطورت تاريخيا في حركتها ولهذا فإنه يفقه طابعها العابر أيضا، ولأنه لا يُبجل أي شيء قائم ولأنه نقدي وثوري في جوهره ".    

الى حد ما يعيد ماركس في هذه الفقرة الأخيرة ما كان قد أكده في موضوعاته عن فيورباخ عام 1845 تحت الموضوعة الثامنة حيث يقرر: "إن الحياة الاجتماعية هي بالأساس حياة عملية. وتجد جميع الأسرار الخفية التي تجر النظرية نحو الروحانيات، حلولها العقلانية في الممارسة الإنسانية وفي إدراك هذه الممارسة."

نتوقف هنا إذا عند الدور الذي تلعبه الفلسفة عندما تقوم بدور الأيديولوجيا المشوهة للواقع.  وماركس بوصفه هيجليا وعندما قام بدراسة نصوص هيجل وفي نقده على سبيل المثال فلسفة الحق لهيجل، كان معنيا ليس بالأفكار بل أساسا في الواقع العيني الذي تشكله.  وفي هذه المقتطفات التي قدمناها يقوم ماركس بنقد الدور الذي تمارسه الفلسفة في تعمية الواقع وتشويه ادراكنا له وبناء وعي زائف يؤسس ويديم علاقات القوة القائمة.  وعندما يقرر ماركس بأن الديالكتيك الحقيقي يجب ان يقف على قدميه فإنه يضع نفسه في موقع المعارضة من جميع اشكال المثالية الألمانية التي غدت بحسب الموضة تتلبس بالديالكتيك لكي تمجد وتبرر وتشرعن الدولة الألمانية والامبراطورية.  يتابع ماركسيون عديدون منهم على سبيل المثال جورج لوكاتش، التوسير وغرامشي نقد وفضح وتحليل البنية الطبقية للأفكار المهيمنة.  

نحن هنا إذا لسنا امام طابع صوفي مفترض لديالكتيك هيجل. اننا امام الوظيفة التي يقوم بها هذا الديالكتيك الواقف على رأسه بتشويه الواقع وتعمية الرؤيا وبناء وعي زائف.

سنتابع في معالجة ثانية الطابع المبهم والغامض للبضاعة وكذلك الدور المموه لما يسمى التراكم الاولي لرأس المال في بناء الوعي الزائف.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب