news-details

لماذا أغفل العرب دور العراق في حرب تشرين 1973 (1)             

قيل أن التاريخ يكتبه المنتصرون، وقد انطبق هذا القول على المؤرخين الأجانب، خاصة الذين دوّنوا تاريخ أحداث الحرب العالمية الثانية، من امريكان وبريطانيين وفرنسيين، لقد تناولوا أحداث الحرب بطريقة وبأسلوب ترفع من شأن جيوشهم وتناسب مشاعر شعوبهم، فحاولوا قدر استطاعتهم مثلًا طمس وانكار الدور الحاسم الذي لعبه الاتحاد السوفياتي بكل جبروته وقدراته العسكرية، فلم يكن هؤلاء المؤرخون موضوعيون عندما تناولوا دور الجيوش السوفياتية في حسم الحرب لصالح الحلفاء والقضاء على الوحش النازي والفاشي.

مع أن الالمان انفسهم أقروا واعترفوا بأن هزيمتهم والعد التنازلي في مقياس استمرارهم في الحرب، بدأ بعد هزيمتهم في معركة ستالينغراد عندما فاجأهم الجيش الأحمر القادم من اصقاع سيبيريا دون أن يعلم بوجوده أحد.

لم ينتظر المؤرخون السوفيات ما سيكتبه الآخرون عن الحرب، فقد سارعوا الى ابراز دور الجيوش السوفياتية في حسم المعركة ودخول برلين عاصمة هتلر قبل أي جيش آخر، بعد أن قاموا بتطهير جميع دول اوروبا الشرقية من دنس الجيش النازي.

بهذه اللهجة وبهذه الروح احتجت رئاسة الاركان في الجيش العراقي عام 1973 وما بعدها، على تجاهل ما كتبه المؤرخون العرب، خاصة في سوريا ومصر وما صرح به العديد من المسؤولين في البلدين عن دور العراق وجيشها بالمساهمة بالحرب، وتقديم العديد من الضحايا، لم يتناول اي مسؤول عربي، خاصة في سوريا عما قدمه العراقيون في الحرب، وعن المعارك الشرسة التي خاضها اللواء المدرع الثاني عشر العراقي في هضبة الجولان، الى جانب القوات السورية.

من بين مظاهر التجاهل الغادر والغريب كما اعتبره العراقيون ما ورد في مذكرات الزعيم السوري السابق أكرم الحوراني، وهو سياسي معروف ويعتبر أحد رموز الحركة الوطنية في سوريا، شغل أثناء الوحدة بين مصر وسوريا 1958- 1961 نائبًا للرئيس الخالد جمال عبد الناصر.

يعتب العراقيون على اكرم حوراني بأنه لم يذكر دور العراق ومساهمة جيشها بحرب تشرين عام 1973 خلال عرضه لمذكراته ضمن برنامج "شاهد على العصر" أو سواء كان على صفحات الصحف، أو خلال اللقاءات مع القنوات الفضائية المختلفة.

لقد اعتبر الكثيرون اكرم حوراني بأنه لعب دورًا مركزيًا في تحديد سياسة سوريا، وهناك من يعتبره أحد دهاة العرب في العصر الحديث، كان ثعلب السياسة، وواحدًا من أنشط سياسي سوريا، هناك من شبهه بالنار التي كانت توضع فوقها طبخات العرب السياسية في وقت من الأوقات.

ورد في كتاب "الجيش العراقي وحرب تشرين"  للعقيد الركن سليم شاكر الاماني وكان هذا العقيد عضوًا في اتحاد المؤرخين العرب، بأن أكرم حوراني وآخرون من سوريا هم أول من بادر وطلب من الحكومة العراقية تقديم الدعم للجيش السوري في حالة نشوب حرب عام 1973، لأن الخلافات التي كانت قائمة بين حزب البعث العراقي وحزب البعث السوري كانت تمنع التعاون المشترك، لكن رئيس العراق آنذاك أحمد حسن البكر - كما يقول المؤرخ -  أسقط كل الخلافات من حسابه، وقرر ارسال الدعم لسوريا في حالة نشوب حرب على الجبهة السورية.

يضيف المؤرخ بأن الحوراني هدد بغداد بأنه في حالة عدم استجابة العراق لطلب المساعدة من سوريا فإنه أي الحوراني سوف يثير الرأي العام العربي في كافة الأقطار العربية ضد النظام العراقي ويتهمه بالتواطؤ مع اسرائيل، يعود هذا المؤرخ للتساؤل، لماذا لم يذكر الحوراني مثل هذه التفاصيل خلال عرضه لمذكراته في الصحف والفضائيات؟ ادعى الحوراني أن العراق استجاب لدعوته ودعوة المسؤولين السوريين خوفًا من تهديد الحوراني.

أخفى السوريون خلال حديثهم عن حرب تشرين التحريرية كما أطلقوا عليها دعم العراق لسوريا، لم يتحدثوا عن أهميته الاستراتيجية، كما أنهم لم يذكروا أن هذا الدعم يمكن أن يساهم في اطفاء شعلة الخلافات التي شهدها البلدين الواقعين تحت حكم البعث.

لم يذكر اكرم حوراني شيئًا عن الوثائق العسكرية السرية التي أطلعه عليها الرئيس العراقي أحمد حسن البكر في بداية الحرب، لأن الحوراني كان يشغل وزارة الدفاع في سوريا، وهذا نكران لما قدمه العراق لسوريا في ذلك الوقت.

طال لوم المؤرخ العقيد الركن سليم شاكر الأماني أيضًا الصحفي والمؤرخ المصري محمد حسنين هيكل، فقد اتهم هيكل بأنه تجاهل ذكر دور العراق في الحرب على الجبهة السورية، خاصة في كتابه عن حرب السادس من اكتوبر، أو الحرب التي عرفت بحرب العاشر من رمضان، لقد اكتفى هيكل هو الآخر بعرض فقرة صغيرة تحدث فيها عن قيام لواء مدرع عراقي بالتصدي للهجوم المعاكس الاسرائيلي في اليوم السادس لبدء الحرب.

كذلك الحال مع الفريق الشاذلي والفريق عبد الغني الجمسي، الأول كان رئيس أركان القوات المصرية والثاني كان مديرًا للعمليات، لم يتناولا  في حديثهما عن الحرب ولو بكلمة واحدة عن الدعم العراقي على الجبهة السورية.

اعترف ضابط هندي خلال مقال كتبه في إحدى الصحف البريطانية، أن تصدي اللواء المدرع العراقي لتقدم القوات الاسرائيلية، اجبر القيادة الاسرائيلية ان تعيد النظر أكثر من مرة في خططها العسكرية على جبهة الجولان وجبهة سيناء.

هناك أيضًا عددًا من الصحف البيروتية المتعاطفة مع حزب البعث السوري أسقطت بصورة متعمدة الدور العراقي، من هذه الصحف صحيفة الأنوار البيروتية الذي كان يرأس تحريرها سعيد فريحة، في حين فان الشخصية الوطنية الزعيم كمال جنبلاط زار السفير العراقي في بيروت، وطلب منه شرحًا كاملًا عن دور الجيش العراقي في التصدي للألوية الاسرائيلية التي كانت تحاول اختراق خطوط الدفاع السورية للاقتراب من دمشق. ويضيف القائد العراقي ان الشخصية السياسية والعسكرية السورية التي تحدثت عن دور العراق في حرب تشرين هو العقيد مصطفى طلاس احد كبار الضباط في سوريا، بعد أن أرسله حافظ الأسد الى القاهرة أثناء المعارك، لمحاولة إقناعه بعدم وقف اطلاق النار.

يقول الضابط العراقي أن مصطفى طلاس ابلغ الرئيس السادات عن دور الجيش العراقي في القتال وأن زمام المبادرة اصبح بأيدي القوات السورية والعراقية، لكن رئيس السادات كغيره لم يتطرق هو الآخر لهذا الأمر.

يتبع..

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب