news-details

ماركس، حول الفن الاغريقي| هشام روحانا

كتاب الغروندريسه النسخة الإنجليزية، ص 43-44 

فيما يتعلق بالفنون، من المعروف ان فترات معينة من فترات ازدهارها حدثت دون أي تناسب مع مستوى التطور العام للمجتمع، وبالتالي وأيضا دون تناسب مع مستوى الأسس المادية والبنية الهيكلية التي كانت عليه مؤسساته. على سبيل المثال، الاغريق مقارنة بالعصر الحديث ومع شكسبير أيضا. وانه لمن المتعارف عليه ان اشكالا معينة من الفن، الملحمي على سبيل المثال، لم يعد بالإمكان انتاجها بمثل ذلك الأثر التأسيسي الذي كان لها من رفعة كلاسيكية ما أن يبدأ انتاج الفن بوصفه هذا، وبكلمات أخرى فإن اشكالا محددة جليلة في عالم الفنون ممكنة فقط في مراحل بدايات التطور الفنيّ. وإذا ما كانت الحال كهذه فيما يخص العلاقات بين اشكال الفنون المختلفة في مجال الفن فسيشكل الأمر معضلة أقل في حالة العلاقات بين {هذا} المجال بكليته والتطور العام للمجتمع. تنشأ الصعوبة فقط عند الصياغة العامة لمجمل هذه التناقضات وحالما يتم تحديدها فإنها ستتضح حينها.

لنتناول على سبيل المثال الفن الاغريقي وبعده شكسبير حتى عصرنا الحالي.  من المعروف جيدا أن الميثولوجيا الاغريقية لا تشكل ترسانة الفن الاغريقي فقط بل أيضا قوامه المؤسس.  هل من الممكن لصورة الطبيعة وللعلاقات الاجتماعية التي تتأسس عليها المخيلة الاغريقية وبالتالي [الميثولوجيا] الاغريقية أن تتوافق مع نول الغزل ذاتي الحركة وسكة الحديد والقاطرة والتلغراف الكهربائي؟ ما هي حظوظ فولكانوس(1) ضد روبرت وشركاه(2)، وما هي حظوظ جوبيتر(3) امام مانعة الصواعق؟ أو حظوظ هرمس (4) امام موبيليه كريديت(5)؟ تقهر الميثولوجيا وتهيمن على قوى الطبيعة فتشكلها في المخيلة وبواسطة المخيلة ولهذا فإنها سوف تتلاشى بحلول السيادة الحقيقية عليها.

وما الذي تستطيعه فاما (6) مقارنة بمجمع دار الطباعة (Printing House Square) ؟ (7).  يفترض الفن الاغريقي مسبقا وجود ميثولوجيا إغريقية، أي أن المخيلة الشعبية قد اعادت صياغة الطبيعة والمجتمع بطريقة فنية لا-واعية. إن هذا هو ما يشكل مادتها الخام، وليس اية ميثولوجيا متاحة، أي ليس أنه قد تم اختيار إعادة صياغة الطبيعة بشكل فني لاواعي (والطبيعة تعني هنا كل ما هو موضوعي بما يتضمن الاجتماعي أيضا). فالميثولوجيا الفرعونية لا تستطيع ابدا ان تكون أساس الفن الاغريقي او بيت رحمه. لكنها تبقى ميثولوجيا في جميع الاحوال. وإذاً فإن درجة التطور الاجتماعي التي تستبعد الميثولوجيا وتستبعد جميع العلاقات المصاغة ميثولوجياً مع الطبيعة، تتطلب بالتالي من الفنان مخيلة لا تعتمد الميثولوجيا.

ومن جهة أخرى هل كان يمكن تصور أخيل بوجود البارود والرصاص؟ أو تصور الالياذة بوجود الصحافة المطبوعة ناهيك عن الات الطباعة؟ الا تغادر الأغاني وسير البطولة الخرافية سوية مع ربات الشعر عند حضور الواح الطباعة، أو لا تتلاشى بالتالي الشروط الضرورية للشعر الملحمي ايضا؟  

ليست الصعوبة في فهم كيف أن الفنون الاغريقية والملحمية مرتبطة بتشكيلات محددة من اشكال التطور الاجتماعي. إن الصعوبة هي في فهم كيف انها لا زالت توفر لنا متعة فنية وكيف انها ومن منظور محدد مازالت تشكل نموذجا معياريا مُعجِزا.

لا يستطيع البالغ ان ينقلب طفلا، إذ سيكون عندها متصابيا. لكن الا يجد هو لذة في سذاجة الطفولة، أو لا يجب عليه أن يكدح من أجل إعادةِ انتاج حقيقة هذه السذاجة الطفولية على مستوى أعلى؟ الا تُبعث السجايا الحقيقية لكل حقبة زمنية حيةً في طبائع أطفالها؟ وهل يمكن لمرحلة الطفولة التاريخية للإنسانية وهي مرحلة انبعاثها الأكثر جمالا، والتي لن تعود ابدا، الا تجيّر سحرها الابدي؟  هنالك أطفال جامحون وهنالك أطفال مبكرو النضوج. وعديد من الشعوب القديمة تنتمي لهذا التصنيف. كان الاغريق أطفالا عاديين. إن الفتنة التي توجد لفنهم علينا لا تتناقض مع المرحلة البدائية لتطورهم الاجتماعي التي نما فيها هذا الفن، بل انه بالأحرى ثمرتها، ترتبط عراه التي لا تنفصم مع حقيقة أن تلك الشروط الفجة التي تفتح فيها والتي ما كان له الا ان يتفتح بها وحدها، لن تعود ابدا. 

 

 

//هوامش

  1. فولكانوس، إله النار في الميثولوجيا الرومانية ويعود أصله إلى هيفيستوس إله النار والحدادة في الميثولوجيا الإغريقية.
  2.    روبرت وشركاه، أحد اهم مهندسين الأليات البريطانيين ومؤسس لشركات باسمه في القرن التاسع عشر. 
  3. جوبيتر الروماني، أو زيوس الاغريقي، أكبر الآلهة وهو أيضا إله السماء والبرق.
  4. هرمس، خادم زيوس الخاص وهو أيضا إله التجارة والابتكار.    
  5. Crédit Mobilier، شركة بنكية فرنسية كبيرة وواحدة من اهم مؤسسات الاستثمار على مستوى العالم في القرن التاسع عشر.
  6.  فاما، Fame ، ربة الشهرة والشائعات وتوصف بأنها مؤسسة الاتصالات وحاملة رسائل زيوس.
  7.   Printing House Square مجمع دار الطباعة، حي من احياء لندن القرن التاسع عشر كانت فيه دار الطباعة الملكية وكذلك دار نشر جريدة التايمز اللندنية.
أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب