news-details

محسن إبراهيم :معجزة الحرب الأهلية اللبنانية| عبيدو باشا

لم ينعدم التواصل بين القيادة والخلايا وهيئات القطاع في منظمة العمل الشيوعي، لأن التواصل هو المادة الرئيسية. لا شيء في البداية، لا شيء. لا عسكر، ولا نضال عسكري ولا جهاد. لا شيء إلا السياسة. لم تتغير الدماء في شرايين الكثيرين، إلا حين خاضوا في منظمة العمل الشيوعي حروبهم اللاتقليدية. النواميس مختلفة، الأعناق، الرؤوس، قوانين التضحية، الأسباب والأهداف، مفهوم حرب التحرير الوطنية، حروب الغزاة على الغزاة. لا ديانات ولا طوائف. الحياة الفردية في الحياة الجماعية والحياة الجماعية في الحياة الفردية. منظمة العمل الشيوعي منظمة كاريزمية. منظمة لا تفرض على الناس كريزماها إلا أنها منظمة كاريزمية. الكاريزما ليست المادة الأساسية، الهوية هي المادة الأساسية. جزء من كريزما المنظمة من كريزما المنظم، من كاريزما الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي محسن إبراهيم. معلم إذا سأل الأصم سمع، إذا خاطب الأبكم أجاب. لم يهدم التواصل، لأن فقدان التواصل عنده موت. لأن فقدان التواصل يضع حداً للوجود، يضع حداً للامتلاء، للعلاقات الممتلئة، العلاقات المجال لا العلاقات الهرم، العلاقات الهرمية. ثمة هرمية في المنظمة، لم يطورها الأمين العام ولا أعضاء المكتب السياسي الكاريزميين ولا أعضاء اللجنة المركزية الكاريزميين. الكتابة والاختلاف بالكاريزما. كاريزما جوزيف سماحة وفواز طرابلسي ووليد نويهض والعشرات ممّن إذا رووا عن الفظاعات، إذا رووا عن الحروب، لا يعتمدون صمت الأبطال بالفظاعات والحروب. يتعمدون صمتهم، لأنهم الأدرى بأن الكلام إفشاء سر الأم. سر لا يقال. سر لا يجب أن يقال. هذه صيغة اختارتها المنظمة للتنديد بالثرثرة. لم تعدم الأصوات ولم تصادر في المنظمة. أخذت الأصوات، أصوات الجميع، أخذت أصوات الجميع، الجميع إلى مصائرهم. مصائر ملحمية، مصائر عبقريات ولدت من العلاقات السرية بين الرفاق، لا علاقات إطلاق العمليات العسكرية من خلف المنابر والمكاتب والديسكات.

 

//حرب وجودية خطيرة من دونه

محسن إبراهيم قصيدة المنظمة الملحمية، روايتها الرسولية. رجل حوَّل العجز عن الفهم إلى فهم، إلى فهم كامل. حوّل الرماد إلى أرض بعد أن عجل في نمو المنظمة، إثر الصراعات المشروعة وغير المشروعة في تنظيم لبنان الاشتراكي. لم يعجز الرجل النحيل، القصير القامة، لم يعجز عن التعامل مع الأحداث والأزمات. خرج من بلاد القومية العربية العسيرة بالوقوف على حافاتها، بعد أن قاس أهمية البقاء على الحافات أو في الوسط. وحين وجد أن عواصف الوجدان أضحت عواصف بلا وجدان، قفز الرجل النحيل من إطار إلى إطار، من إطار يموت إلى ولادة إطار جديد، معتبراً أن ثمة حرباً أهلية بالأفق وأن على الحرب الأهلية المنتظرة أن تعجل في ولادة المنظمة، لا لكي يصبح أولادها / الرفاق شهداء الحرب، لكي تسعى المنظمة إلى الوقوف في وجه المظاهر السلبية المنتظرة من الحرب، وأن تقف في وجه مفاهيم الانغلاق، حيث لن يتخلى طرف من أطراف الحرب عن حقوقه إلا بالانغلاق على الطرف الآخر. هذه منظمة سعة، هذه منظمة رفعة المبادئ والقيم في حرب أهلية لم يسع أبطالها إلا إلى قتل الأنا، “أنا الآخر”. حرب تحت وطأة الحروب. هذه حرب لبنان الأهلية، حرب رغبات البعض بالقطيعة مع المحيط. حرب علقت الأسئلة، حرب وصول الكلام إلى انقطاع الكلام. الحرب أعقد بغياب الأمين العام. الحرب بلا طريق، حرب وجودية خطيرة من دون محسن إبراهيم. لأن الحرب بقدر ما هدمت، بقدر ما تاهت، بقدر ما كلفت، بقدر ما خفف من تأزمها الأمين العام، الحالم بالحياة الأخرى المستحيلة. الحالم بحياة لا تجد معانيها الوافرة إلا من الضحك على المخاطر والأزمات والصور المخفية والمرئية، المرعبة، صور الحرب الأهلية. امتلك محسن إبراهيم كاريزماه العظيمة، كما امتلك الظرف العظيم. ظرف دائري، ظرف لا ينتهي حتى حين ينوجد رجله متأملاً بأحوال الإنسان المعذب في وادي الحيرة، وادي حيرة قصيدة العطار. لم يقف محسن إبراهيم لا ذاهلاً ولا مذهولاً أمام الحرب الأخيرة، الحرب الأعظم في حياة جمهورية الخراب والانهيارات وحذف الذكريات وغياب المعنى، غياب المعاني. لم يبعثر الرجل حياته الفردية، لأنه امتلك وعي الرجل الثري بالوعي. وعي ثري بدوره، ثري بالمضامين والدلالات. لم يواجه الرعب من الشهادة، ولا الرعب من الشهداء. لأنه أبقى على روابطه وكل التزاماته بعدم التخلي عن حقوق الآخرين. لا مبرر للخوف مع رجل مثقف، ظريف، جريء، غزا الحلفاء والأصدقاء والأعداء بالثقافة والظرف والجرأة. لولا ظرف الرجل، لوقعت الحرب كحدث جلل وخطير. لا ضمان إلا بحضور هذا المناضل الشيوعي، من انخرط بالحرب حين لم تقع الحرب بعد، حين انخرط بالحرب مذ فقد لبنان حاضره ومصيره بسبب استمرار الحروب الإسرائيلية السوريالية اللامعقولة، الوحشية، على بلاد لم تفعل سوى أن رحبت بالآف اللاجئين الفلسطينيين بعد أن هجرتهم دولة العدوان والاغتصاب من أرضهم بعد تهجير العالم من قيم العدالة. لم افهم تاريخ البلاد ولا روح الشعب إلا مع محسن إبراهيم في منظمة العمل الشيوعي. لم أفهم الجدل وتأزم العلاقات في الرأسماليات الوحشية إلا بالمنظمة. لم أترك شيئاً إلا الذاكرة، حيث التفت هذا الكيان الممتد والمنتشر في كل الجهات، القائم على كل منا والمتوغل في كل المواضيع، حيث إلتفت الكيان هذا إلى الترحيب بالرفاق الجدد بالقراءات الجديدة لفائض القيمة وهياكل المجتمعات في لبنان والمهجر، وباقي بقاع العالم. المنظمة مدرسة، مؤسسة تربية لا مؤسسة تعليم، لأن التعليم لا هدف له إلا إعادة إنتاج الأيديولوجيا السائدة. عدالة المنظمة في مناهضتها لكل ما هو سائد. لأنها أرحب، لأنها الأدرى بالجريمة وضرورة العقاب للمجرم، الأدرى بتفاهة كلام السلطات القضائية والأمنية بإسرائيل، حيث لا تريد دولة العدوان أن تقيم السبل بين طلب موت الفلسطيني وأحلامه بالعودة، وبين ما أقترفه قادة العدوان. أماتوا الفلسطينيين، ولا يزالون يطالبون بمحاكمة الأموات، من أماتوهم، من قتلوهم، محكمة القَتلى عن جريمة أقترفها القتلة. لم يجد الرفاق أنفسهم تحت وطأة الحرب بحضور القومي العربي، الاشتراكي اللبناني، الشيوعي المنظم بالعنف الثوري كطريق وحيد للإطاحة لا بالظواهر السلبية للنظام، للنظام السلبي بحد ذاته. قراءة إحداثيات قوة الرجل القصير، النحيل، من قدرته على غزو الكآبة بالسخرية، من الكآبة والسخرية، مما تسبب بالكآبة. العجز الأخرس من الإفصاح عن الوجود. لم يترك الرجل رجلاً ولا سيدة من رجال وسيدات المنظمة يعانون من انتهاكات الحرب واستبطاناتها وضعف البشر أمامها، وهشاشة الحقوق أمام الواجبات أو هشاشة الواجبات أمام الحقوق.

 

// ..بالكلام المباشر في مكاتب مجلة "الحرية"

نقطة التوازن الداخلي في المنظمة: محسن إبراهيم. إفتتاحيات الحرية عذاب لأعدائه، وفرة تحليل ومعلومات وسياسات خالصة بعيدة من النفاق لأصدقائه ورفاقه. خروج على الضياع وتعذيب الضياع للضائعين في شوارع وزواريب ومتاهات الحرب الأهلية. بالكلام المباشر في مكاتب مجلة الحرية، كل الحقائق عن ضرورة الصبر الطويل حتى لا تتبعثر القوى ولا تتبعثر البطولات ولا الشجاعة. لم يكثر الرجل من ذكر أسماء الله الحسنى، حين أكثر من ذكر أسماء الشهداء، شهداء المنظمة. من حاولوا إخراج البلاد من المتاهة الدموية المرعبة، حيث لا طريق إلى المستقبل إلا بتعزيز القوى الداخلية لأجل شد النظام الطائفي من رسنه، بطحه، ثم إعلانه ضحية إحتياج لا ضحية اغتصاب. محسن إبراهيم معجزة الحرب الأهلية. معجزة مذ خرج على تراكم الحضور في حركة القوميين العرب، إلى الحضور غير المصمت في الماركسية، إثر نجاح بعض الدول الماركسية بتحرير بلدانها من حضور الأنظمة والآراء السياسية الأخرى. حيث وفرت لها الماركسية شجاعة الخروج على العدو، كما وفرت منطق الخروج بالشجاعة على الاحتلال. لفيتنام فعلها الوظيفي العظيم بهذا الأمر. صالح ابراهيم الماركسية بعد عداء من رأى فيها محركة أنظمة تآمرت على عالم العرب، على فلسطين بالسر والإفصاح. الإتحاد السوفياتي. وجد بالقومية منزلاً فارغاً، لم يراقبه بالنسيان، إذ ساهم في صناعته بحياته كما صنع المنظمة الماركسية بحياته.

محسن إبراهيم معجزة الحرب الأهلية، معجزة المقاتلين والبشر والشهداء والجرحى وكل قوى المجتمع الأخرى. رجال المنظمة لم يعملوا على ما اشتهوا، عملوا على ما ارتضوا في عالم شبه مجهز لم يلبثوا أن ساهموا بتجهيزاته الأخيرة. نساء المنظمة وفتياتها جئن من التراكم، ما ولده المجتمع من تراكم ثقافي واجتماعي حول المرأة إلى ضحية، ضحية صابرة، ضحية صامتة، في حديث طويل لم ينته حين أصيب بالجروح العميقة. معجزة الحرب محسن إبراهيم، يخطط، يكتب، يجهز، ينسق، يجتمع، يكشف رعب الحرب على الآخرين، كرعب مزدوج الهوية. رعب ديني ورعب أيديولوجي. كل يتلطى بالآخر. يقف على المآسي بعبوات الظرف الشديد، عبوات فخخ فيها منازل الحرب المرعبة، منازل الحكم المستبدة. ثمة عناوين للعذاب، عناوين تهيمن على المجتمع بالقوام عليه. شد المعجزة الحرب إلى المنظمة بدل أن تشد الحرب المنظمة إليها. تجلى الشد بأجمل الشهداء. سيمون ونبيل هوشر وزاهي الدهيني وما صنعوه بموتهم من حياة للآخرين. نخبٌ تعيش في خانات الغياب وهي تقاتل احتمالات ظهور الخوف الجديد من الخوف القديم. اسماء كاسحة. امتلك الرجل حاسته السادسة عشر، حين راح يعزز إيمان الآخرين بضرورة الحصول على الحق، بالوعي والحركة. بالرمش وحركة الإصبع وحركة الشفة في مساحة من الموت آخذة بالإتساع، وفاتحة أسوأ الأبواب نحو المجهول الأسوأ من الجحيم. اشتغل بسابق العمر والعمر، القريب والبعيد، كبطل جمّد حياته بالبطولات، حتى راح يعيد الكرة والكرة. محسن إبراهيم معجزة الحرب، في حقبات الحرب مع ناس الحرب. لم يحر بأمر في اجتماع ولم يخاطب السماء حين قست عليه السماء. راح يضحك بلا توقف، بقوة حررت الآخرين من الخوف بالمزاح والضحك وحياكة الطرائف بدون إقحامات. لم تخفه حرب العصابات بالمدينة، حين انطلق رجال المنظمة بشعورهم باقتراب الموت من أجسادهم لا صفاتهم. علامة حياة حقيقية. معجزة لا تنتظر معجزة تغير كل ما يجري في المدن والقرى. لا مقهور بحضوره. وجد أن ثمة قهار في مجلة الحرية، حين لاحق رواتب المحررين بالمجلة. وقف على المخارج فوراً، حين قال بأن راتب الشاب راتب ميت لا راتب يسمح بالتعافي من الفقر. زيدوه قال، زادوه. لم يرد أن تكتسح حال الآخر وجدانه بصنف من صنوف الحرب غير الحرب العسكرية. هذه واحدة من أجمل حقبات حياتي. حيث قدم الرجل والمنظمة كل إمكانيات التمرد على الأوضاع ومحددات الحياة الذليلة. لم أحضر إلا كجريح محتضر بعالم الثقافة في الحرية، ثم في “بيروت المساء”. لا تمويه ولا كذب ولا ارتياب. صبر الشباب على الشباب كصبر المجاهد في جبال أفغانستان. صبر الرفاق المخضرمين على الرفاق الجدد، صبر جوزيف سماحة ووليد نويهض وعبدالله إسكندر ونصير الأسعد على عبيدو باشا وأحمد قعبور وحسن ضاهر، صبرٌ نقلهم من بيوت عوائلهم إلى عائلة المنظمة. خيم الرفاق على الرفاق، حتى استطاع الصغار الخروج من ضعف الكتابة، هشاشة الكتابة، الخروج إلى جسد الكتابة، روح الكتابة ونفعها. المنظمة مختبر، فلتر لا يستطيع أحد المرور فيه إذا لم يمتلك رأيه السياسي الخاص بالرأي العام. لا مجريات للخوف أمام مجرى الثقة الواسع، حيث ينتحر من لا يستعمل العقل..

 

// مقاومة مقدسة ضد فكرة ديزني لاند الشرق الأوسط

كل إسم رهان بالمنظمة. بورصة أسماء بعيداً من الاستبداد والتصفيات، كما جرى في الحزب الشيوعي اللبناني. المنظمة أسرة، الحزب أسر متحولة على المتغيرات والعلاقات المستقرة بالاتحاد السوفياتي الجبار. مجدت المنظمة وبشر المنظمة العمودي على الأفقي، الأفق على العمود، الطيران على الطائرة. امتلكت المنظمة الطابع الاستثنائي الخاص بها من الحضور المادي والمعنوي والرمزي، لكن وضع المبادئ لها. لا تنتهي التركيبة بشريط من المساكن، يشغلها موظفون. لأن تشييد المساكن درس حقيقي وضعته المنظمة في خطط انتصار مشروعها السياسي. لن يحط من قيمتها أن الفائدة العقارية الوحيدة، جنتها المنظمة من وجود عسكرها في مساكن جامعية وفرتها المدارس المحتلة، المحاطة بالمساكن العادية ودور الحضانة والنوادي ودور السينما والكنائس والمساجد والأحياء والشوارع العادية. لم تفضِ المحاولات إلى مصادرة المنازل أو المؤسسات. لا إبرام للصفقات إذن، مع عدم التخلي عن الطموح بالابتعاد قدر المستطاع عن تحديد التمويل بالمساعدات الخارجية. لا يزال المنتسبون يدفعون اشتراكاتهم الشهرية ويساهمون في بيع الحرية (المجلة) في المساحات الشاسعة من بيروت الغربية والطواف بالقرى والمدن البعيدة.

وجد مقاتلو المنظمة في القواعد العسكرية، وحيث وجدت أثار الرصاص والقذائف على الجدران وعلى الأبواب والنوافذ المخلعة والمدمرة. معرض المنظمة: الحرب. وحين انتهت الحرب وُضعت المنظمة في سيناريو تحويلها إلى جثة محنطة بعد المشاركة في إطلاق جبهة المقاومة اللبنانية (جمول)، والمشاركة الواسعة ضد الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من لبنان. ترتيب من أجل التهميش، ثم الإلغاء. هذا ما حدث. لم تعد المنظمة سوى فكرة تبخرت، لا منظمة تقدم فكرة دعم اقتلاع البيادق والملوك والخيول القديمة عن رقعة الشطرنج المحلية. انتهت المنظمة في نهاية المطاف إلى حائط مسدود، لأن أمينها العام رفض المشاركة ببيع القضية الفلسطينية بعد أن قاتل العدوان الإسرائيلي بالعام ١٩٨٢ إلى جانب فصائل الثورة الفلسطينية. حين خرج الفلسطينيون من بيروت، ظهر أن ثمة أمبراطور جديد هيأ له العالم لكي يسكنه. إلا أن إطلاق محسن إبراهيم وجورج حاوي المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حمت بيروت ولبنان من شهوات المضاربين على هوية المدينة والبلد. مقاومة مقدسة ضد فكرة ديزني لاند الشرق الأوسط، جهزت للاستخدام تحت وطأة الظروف. حصار بيروت ودخولها إثر الخروج الفلسطيني منها. لطالما نبعت قوى المقاومة من القوى العاطفية للمقاومين. هكذا، خاضت المنظمة الجولات الأولى من الحرب الأهلية بأسلحة مستعارة من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. لم تمتلك المنظمة عتاد الحرب وضرورات الحرب. إذاك، وجد مقاتلوها بلا جعب عسكرية، يحملون المماشط الإضافية بالأيدي، حين زها مقاتلو الأحزاب والمنظمات الأخرى بأحدث أنواع الأسلحة وجعب الخصر والصدر والأنوراكات الحربية. لم تستطع المنظمة الخوض في منطقها الاقتصادي الخاص. لم تستطع الحصول على المنتجات الصينية ولا التشيكية ولا الروسية من القطاعات الواسعة، الواهبة هذه المنتجات لكل من غاص في حرب لبنان. لم تستغرق ترجمة مبادئ المنظمة على الواقع اللبناني الكثير، حين وجدت كمنظمة / مساحة غير قابلة للتحويل. لم يعان محسن إبراهيم من مشاكل عدم فهم الستاتيكو. الإقليمي والدولي، حين راح ينشط بين البر والبحر والجو في خدمة القضية الفلسطينية. خاض الرجل النحيل، صديق ياسر عرفات وكمال جنبلاط وجورج حاوي ونايف حواتمه وجورج حبش معارك فلسطين في لبنان وخارج الأرض الأولى للمعركة. خاض معاركه بالسهاريان الملبس الاحتفالي بالحرب الأهلية. بزة بسيطة التفصيل لا تحتاج إلى الهواء، لأن هواءها منها وفيها. شوهد الرجل بالسهاريان العسكرية الطابع بالأسواق التجارية والمتن وكسروان ووراء الدشم وفي الملاجئ ببيروت العام ١٩٨٢. لم يرف له جفن، إذ أدرك أنه شيد ما شيد وأن ما شيده ستختزنه الذاكرة. لن يصار إلى الإبقاء على مساره الخاص، بعد أن وجد ضد جمود الصورة. صورة الاتفاق الشرس على القطاع الفلسطيني. آخر مشاهد الرجل، مشاركته في دفن الكاتب المسرحي والمحامي أسامة العارف في مقبرة الشهداء. وقف على بعد هو بعده عن تسويات المنطقة على خرائط السلطات والحركات الجديدة بسماعتين ظاهرتين في أذنيه. كبر الرجل. كبر الرجل الكبير بتاريخه العظيم وذاكرته المرتبطة به. مات الرجل الكبير بعد نضال كبير، بعد أن صرخ تحت الضربات الإسرائيلية الهمجية لبيروت: سنبنيها أجمل. مات عن خمسة وثمانين عاماً. أو بالأخرى ألف عام وعام. رواية يرويها الرواة قريباً لكل من فقد الأمل أو استسلم.

 

* كاتب وناقد ومخرج وممثّل مسرحي لبناني – تنشر "الاتحاد" هذا المقال بالتنسيق معه، من خلال صديقه وصديق "الاتحاد" الرفيق سعيد سلامة

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب