news-details

مخطط طنطور كصيغة جديدة للنهب والحصار

 

 
إذا كان يوم الأرض الأول قد سطر في العام 1976 بالنجاح بوقف مصادرة أراضي البطوف في سخنين وعرابة ودير حنا، حينما ارتوت الأرض النضرة بدماء الشهداء الأبرار، ففي العام ذاته صادرت سلطات دولة اسرائيل أراضي تلة الطنطور، والتي تصل مساحتها لنحو 2200  دونمًا من الأراضي جنوب قريتي جديدة – المكر؛ صودرت التلة والسهول المحاذية كاملة بكروم العنب والتين والزيتون، التي كانت بملكية أهالي القريتين الوادعتين وقسم منها (250 دونمًا) بملكية أهالي قرية جولس المجاورة.

السبب الأول لنجاح يوم الأرض كان الوعي السياسي والتعاضد الشعبي والنضال الجماهيري ضد المصادرة والعمل الدؤوب لانجاح الاضراب العام في ظل مصادرة نحو 82% من أراضي سخنين، و 44% من أراضي دير حنا، و37% من أراضي عرابة.

اليوم، المخططات اختلفت قليلًا، المصادرة استمرت، ولكن في ظل أزمة السكن الخانقة في المجتمع العربي ونأي السلطات عن الحلول المطروحة من قبل المختصين والمهنيين العرب، ورفضها جميع مطالب توسيع مناطق النفوذ ومنح التراخيص للبناء، تأتينا السلطات بمخطط جديد/ قديم لبناء مدينة عربية تدعي أنها عصرية، ولكن يبدو أنها أشبه بغيتو من كونها مدينة حقيقية.

 

المخطط جديد/ قديم

لم يعد يملك المواطنون العرب من الأراضي سوى نحو 700,000 دونم، تشكل نحو 3,5% من أراضي الدولة ونحو  12% من الأراضي التي كانت بملكية عربية قبل العام 1948. وتشكل منها الأراضي الزراعية أقل من 2,8% من أراضي الدولة بملكية عربية، بينما تشير الأبحاث الى تضاؤل أعداد المزارعين العرب. ويُشير السيد صالح أبو عيشة من المكر إلى أن عملاء السلطة "يعملون كالأفاعي من تحت ويستخدمون ضعفاء النفوس للتسريب... كان العديد من المشاريع التخطيطية على هذه التلة، مرة سموها "عكو عيليت"، مرة "جفعات المكر". وعمليًا أخرجوا مخططات قديمة وزادوا عليها كثيرًا". ويؤكد أن المطلب الأول هو ضم هذه الأراضي الى منطقة نفوذ المجلس المحلي جديدة - المكر بدلًا من تخصيصها لبناء مدينة جديدة تشكل عمليًا غيتو عربيا.

وأشار الى أنه بحسب "حسابات بروفيسور يوسف جبارين، الأستاذ في معهد التخنيون، لكل مواطن متر مربع تقريبًا، وعمليًا يريدون أن يبنوا جيتو"، منوهًا الى تغيير الطابع البلدي، بحيث تبنى عمارات شاهقة ويتم استجلاب سكان من مناطق أخرى.

المحامي قيس ناصر الذي يمثل المجلس المحلي، يشير إلى أنه على المستوى القضائي آخر موعد لتقديم الاعتراضات على المخطط الذي أودع باللجان التخطيطية، كان 24 آذار مارس، وبحضور شعبي واسع قدم المجلس المحلي اعتراضًا شاملًا واحتجاجيًا، في مكتب مديرية التخطيط بالقدس يوم الأحد المنصرم. على الصعيد التخطيطي تم تدعيم الاعتراض بتقرير مهني للبروفيسور يوسف جبارين. يغطي عيوب المخطط من نواحي بيئية وتخطيطية واقليمية.

فعلى سبيل المثال من ناحية بيئية المخطط اليوم يشكل سابقة بحجم ابتلاعه للمساحات الخضراء، "هذا المخطط سيؤدي الى اقتطاع واقتلاع نحو 22 ألف شجرة، ما بين الزيتون والسنديان، وأشجار اعمارها مئات السنين. لذلك فهذا المخطط، يعد سابقة!" كما يؤكد ناصر. أما على المستوى القضائي فإن هذا المخطط الذي يعتبر توسعة لجديدة المكر، يناقض التعليمات التخطيطية بحيث أن تسويقه كجزء من جديدة المكر هو ادعاء كاذب وغير صحيح، لأن الحديث عن "مدينة جديدة وكبيرة بكل ما للكلمة من معنى. 15 ألف وحدة سكنية، استيعاب نحو 80 ألف ساكن. منطقة تجارية اقليمية لكل لواء الشمال، بنحو 600 ألف متر مربع".

 

 حصار جديدة - المكر

اذا كان توسعة، يشير ناصر، فإن تعداد سكان قريتي جديدة - المكر هو 22 ألف نسمة حاليًا، وبتكاثر طبيعي فلا تحتاج البلدة لاضافة 15 ألف وحدة سكنية بشكل سريع كما يدعي المخططون، "لا يعقل أن تتسع البلدة ويضاف اليها  80 ألف ساكن بشكل طبيعي، ما يشير الى المساعي لتغيير طبيعة البلدة".

تأكيدًا على ذلك، فقد تم تقديم المخطط في إطار قانون "الاسكان السريع"، الذي يمنح لجنة التخطيط القطرية الصلاحية لمصادقة مخططات كبيرة. ويهدف إلى تحريك مخطط للاسكان ما عدا مخطط اقامة مدينة جديدة بحسب القانون. فيقول ناصر "كي يتم تجاوز هذا الحاجز القضائي سوّقوه على أنه مخطط اسكاني لتوسعة جديدة المكر واسكان الأقلية العربية في الشمال. وليس كمخطط لبلدة جديدة. هذا كلام غير صحيح لأن الدولة تستطيع أن تقول ما تشاء، ولكن معطيات المخطط، وأبراج سكنية شاهقة، حتى 12 طابقًا فنتحدث عن مدينة بكل ما للكلمة من معنى وتغيير الطابع المحلي".

الهدف من المخطط عمليًا هو حصار قريتي جديدة - المكر، لأن هذه الأراضي التي صودرت عام 1976 من سكان قريتي المكر وجديدة، كانت تشكل احتياط الأراضي لتوسيع مسطح نفوذ القريتين مستقبلًا، بدل ذلك، تعمل السلطات على حصار القريتين، ففي الشرق يتوقع عبور شارع عابر اسرائيل (شارع 6)، وفي الغرب تحدها مخطط "عكا الشرقية"، وفي الشمال تحدها بلدتي أبو سنان وكفر ياسيف، لذا فالاتجاه الوحيد للتوسع هو جنوبًا.

ليس هذا فحسب، بل إن المخطط الذي تبلغ مساحته 7 آلاف دونم، ويبلغ مسطح البناء فيه نحو 3,700 دونم، نحو 2000 منها هي أراض خاصة لأهالي جديدة المكر ومواطنين عرب من بلدات أخرى.

الزراعة، يرى السيد محمد ملحم، اختفت بشكل شبه كامل. "صودر لي الكثير من الأراضي السابق، وكان يفترض أن أستعيد نحو 40 دونمًا من كروم الزيتون خاصتي التي صودرت عام 76، لكن هذا المخطط يقضي على كل الآمال". سلب الأراضي العربية ليس لمصلحة الأحياء فقط، بل حتى الأموات، فقد صودرت في الماضي أراض من أهالي المكر لأجل بناء مقبرة لعكا شرق المدينة الساحلية!

ويشير الى أنه عدا عن أن شارع 6 سيمر بمسافة 500 مترًا عن منازل السكان، "يريدون بناء مقبرة من الشمال، من الغرب يريدون ان يقيموا مخطط عكا الشرقية، بتخطيطاهم لها، الشارع الذي سيربط بين عكا وطنطور سيقتطع من أراضي طنطور.  وقرابة 52 متر تقتطع على حساب أراضي البلد".

ويتابع: "المعركة ليست معركة ذاتية بل هي معركة ضد سياسة موجهة ومدروسة، التخطيط ليس جديدًا. فشلت مخططات سابقة لأننا نحارب من أجل الموقف، فتحنا المعركة منذ عام 2009. وفقط حينما جاء رئيس المجلس الجديد سهيل ملحم تبنى نضالنا وآزرنا في هذه المعركة".

 

 حل لأزمة السكن؟ أم خلق لأزمة جديدة؟

الدولة تدعي أن هذه المدينة جاءت لتحل أزمة السكن، لكنها تسعى عمليًا لأن تحل أزمة السكن في البلدات العربية على حساب المواطنين العرب في أراضيهم الخاصة، وهذه سابقة في تاريخ التخطيط، كما يرى المحامي ناصر. "إنها سابقة بأن تقام بلدة جديدة  42% من أراضيها أراضي خاصة للمواطنين. بدل ذلك، فلتبحث الدولة عن أراضٍ جديدة وليس أن تحل أزمة سكن عمرها 60 سنة على حساب الناس"!

على صعيد النتيجة كل صاحب أرض يحصل عمليا على نسبة معينة من قسيمة بناء أو شقة في أحد طوابق العمارات السكنية ويكون شريكا مع عشرات أصحاب الحقوق في كل عمارة، ولذلك هناك نوع من استحالة تطبيق هذا المخطط. حقوق وهمية في شقق لن يستطيعوا بناءها لأن كل صاحب أرض سيحصل عى نسبة ضئيلة جدا وسيكون شريكا مع عدد أكبر من الشركاء في الأرض، ولا يمكن أن يتفق الجميع على بناء طابق أو عمارة، علميا النتيجة الفعلية لهذا المخطط هي أخذ اراضي الناس باليد اليمنى وباليد اليسرى لا يعطونهم الا الهواء.

أبو عيشة يؤكد "من ناحية لا يريدون أن يسكن العرب بالمدن المختلطة، ومن ناحية لا يريدون توسيع مسطحات النفوذ. قد يكون هذا المخطط حلًا لضائقة السكن، لكنه يخلق ضائقة من نوع جديد، وهذه الحلول لا تفيدنا".

كما يؤكد أن النضال لا يقتصر فقط على أهالي جديدة - المكر، هناك تضامن شعبي واسع النطاق ويشيد بدور لجنة المتابعة ولجنة الرؤساء، مشددًا "نستمر بالمقاومة ونأمل أن تتراجع السلطة بوجه مقاومتنا".

 

 التناغم بين النضال الشعبي والمهني الموّحد سيقود للنجاح

المحامي قيس ناصر يعتبر أنه "بالاضافة لاعتراض المجلس تم تقديم عشرات الاعتراضات من المواطنين واعتراض من مؤسسة عدالة وجمعية بمكوم للمخططين. المجلس المحلي يتواجد بحالة توافق تام مع اللجنة الشعبية في جديدة المكر والحراك الشعبي، وهناك وحدة صف كبيرة من الناس وأهالي جديدة المكر والمجلس للتصدي لهذا المخطط. أعتقد أن هذا التناغم بني العم لالقضائي والتخطيطي والشعبي لدي أمل كبير بأنه لن يمر المخطط اذا استمرينا بهذا النضال الشعبي والمهني والموّحد بكافة أطياف جديدة - المكر".

وسبق أن أعلن رئيس المجلس المحلي، المهندس سهيل ملحم أن المجلس المحلي اتخذ قراراً بخوض نضال كبير ضد هذا المخطط. وقال ملحم في إحدى المظاهرات المناوئة الرافضة لمخطط طنطور "رغم المغريات ورغم التهديدات العلنية والمبطنة من قبل الجهات الرسمية الا اننا اعلنا ونعلن اننا مع مصلحة اهل بلدنا ومع الحفاظ على مصلحة اولادنا واحفادنا مهما كلفنا الامر".

 

يوم الأرض ويوم طنطور

"أبو الأمين" محمد ملحم يرى أن هناك علاقة وطيدة بين يوم الأرض والنضال ضد مخطط طنطور الذي يجتمع الجميع على وصفه بأنه "جيتو العرب في الجليل". ويرى أن الأسباب التي آلت الى اضراب يوم الأرض، هي ذاتها الأسباب التي خرج فيها المواطنون بنضال ضد مخطط طنطور في يومنا هذا.

ويقول "السبب الرئيس ليوم الأرض كان الدفاع عن الأراضي، وطنطور التي ندافع عنها صودت اراضيها عام 76، واليوم تتم مصادرات جديدة. يقولون الهدف بناء مدينة عربية جديدة وهذا كله كذب بكذب بكذب. إنه مخطط صهيوني بحت"!

ويتابع "هدفهم اخلاء الأرض من السكان العرب، كيف؟ فهذا لا يعنيهم البتة".

ويتساءل: كيف لهم أن يوّزعوا القسائم؟ سيتم مصادرة أكثر من 2000 دونم من الأراضي الخاصة، التي يفترض ان تخصص لأبناء البلدة بهدف اسكان الآلاف من خارجها، والتعويض؟ يرى أنه لن يكون الا عبارة عن "شقة 100-150 متر على قسيمة 400 مترًا يتقاسمها مع 4-5 آخرين ، حسب ما يريدون ولا يُعرف الجار، ولا يُعرف الحجر، ستخلق الكثير من الخلافات" ويخشى من أن تتطوّر الى خلافات كبيرة "يريدون التحكم بنا وزجنا في حارات صغيرة ليأكل أحدنا الآخر".

ويرى أن الخلافات التي ذكرها ملحم تشكل عمليًا ورطة وذريعة للمصادرة. هناك قانون يهدف الى مصادرة الأراضي بطريقة غير مباشرة، يقول، ويشير الى أنه اذا لم يستغل المواطن القسيمة المخصصة له في غضون 3 سنوات للبناء عليها بحسب المخطط، أي عمارات شاهقة، في ظل أن كل قسيمة ستخصص كشراكة بين عدد من الجيران أو أبناء البلد، قد تضيع حقوقهم في حال فشل أحدهم بتخصيص الأموال اللازمة ليؤتي بحصته من البناء للعمارة التي صادقوا على بنائها. وهذا سيخلق الكثير من المشاكل، وبالتالي لا يكفي أنهم صادروا الأرض، بل "اذا لم يكن يملك من المال ما يكفي، سيضيع حقه في الشقة حتى"!

 

 الحبل على الجرار: كفر كنا والدالية وعسفيا والنقب لاحقة؟

سياسة الاستيلاء على الاراضي ومصادرتها وخنق القرى العربية وافقارها وحرمانها من أي تطوير هي جزء لا يتجزأ من سياسة الاضطهاد والتمييز والتنكر لحقوق المواطنين العرب في مختلف الميادين.

ويفترض أن تكون مظاهرة يوم الأرض اليوم الجمعة في طنطور، والتي ستنطلق من مدخل بلدة المكر باتجاه أراضي طنطور، حامية الوطيس...

ويحذر ملحم من نقل تجربة طنطور لتطال بلدات عربية أخرى ككفر كنا، ودالية الكرمل وعسفيا في الكرمل، والنقب... ويشدد "الوجود العربي في الجليل مهدد بأكمله"!

 

 حقنا التخطيط بأنفسنا لأجل مجتمعنا!

المحامي قيس ناصر الذي يتابع القضية يشير الى أن "هذا المخطط جائر لا يخدم المجتمع العربي ولا جديدة المكر، مطلبنا العادل والوحيد هو أن تضم المنطقة لجديدة - المكر ويتم الاستثمار فيها، وتحتاج الدعم المادي والاقتصادي والاجتماعي، وأن نُعطى الحق في تخطيط بلداتنا العربية وأن نخطط لأراضينا بأنفسنا وألا يأتي مخططون من تل أبيب وهرتسليا ويفرضوا مخططات علينا تهدف لمصادرة الأراضي ومحاصرة البلدات العربية".

ويشير ناصر الى أن طاقم التخطيط الذي يتشكل من نحو 20 مخططًا مهنيًا، للأسف لا يشمل أي مخطط عربي مؤثر في هذا الطاقم. ويؤكد أن "الطاقم تم تعيينه من وزارة الاسكان ودائرة اراضي اسرائيل دون اشراك السلطة المحلية ولا اشراك الناس ودون أن يشتمل أي مهني عربي مختص يستطيع أن يكون سفير مجتمعنا في عملية التخطيط.. هذا التخطيط أصفه بأنه أبوي ويهدف للسيطرة على الأرض فقط وتخطيط امبريالي يهدف الى تذويت ثقافة العمران الغربية على مجتمعنا العربي التقليدي الذي يقدس الأرض ويقدس الحياة الاجتماعية"!

 

توفيق زيّاد: تطوير بدون سلب!

القائد خالد الذكر الشاعر توفيق زياد وقف أمام الهيئة العامة للكنيست بتاريخ 27/10/1975 خلال النقاش حول مشروع قانون تعويض اصحاب الأراضي التي صودرت أراضيهم، داعيًا للتطوير على أساس المساواة ودون مصادرات بقوله "إن الأرض بالنسبة لهم (العرب) ليست فقط مصدر رزق. إنها وطن أيها السادة، انها مستقبل شعب. وهو أمر غريب أنكم غير قادرين على فهم هذا الأمر والاعتراف به؟ وغول المصادرة لا يشبع. إننا ندعو الى تطوير بدون سلب"!

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب