news-details

هل دخول حزب معيّن الى الائتلاف الحاكم يضمن تحسين أوضاع جمهوره؟

إدراك أنك في "حالة مرحلية" يقودك الى ذهنيّة خطيرة، لأنه ينأى بالنفس عن الخوض في "القضايا الكبيرة"، وقد يكون هذا هو السبب الذي يجعل منصور عباس وقيادة الحركة الإسلامية ينأون بنفسهم عن طرح القضايا ذات الأبعاد القومية-الجمعية ويتناسون القضية الفلسطينية عند خوضهم في مفاوضات تشكيل الحكومة، ويوقّعون على اتفاق ائتلاف حكومي دون الالتفات الى قانون القومية

 

لقد نشرت في مقالاً في صحيفة "الاتحاد" في عددها الصادر يوم الجمعة 4.6.2021 بعنوان "يريدون أن يكونوا كـ"شاس" العرب، فهل يريدون للجمهور العربي أن يكون كجمهور "شاس"؟"، تناولت به مقاربات ومقارنات بين الذهنيّة التي تحرّك قادة شاس مقابل تلك التي تحرّك قادة الموحدة. في هذا المقال، سأستمر في رسم حدود التشابه والتطابق بين القائمة العربية الموحدة من جهة وبين حزبَي المتزمتين اليهود، يهدوت هتوراه شاس من أخرى. بدايةً، سأعرض بعض المعطيات عن المجتمع اليهودي المتزمت وعن أنماط التصويت لديهم، ليتسنى للقارئ معرفة حيثيات وضرورة المقارنة.

اليهود المتزمتون – مجتمع فقير ومستضعف

بلغ عدد اليهود المتزمتين في نهاية عام 2020 ما يقارب 1175000 نسمة أي زهاء الـ12.6% من إجمالي المواطنين في البلاد. ومن المتوقع أن تصل نسبتهم الى 16% في العام 2030 بسبب معدلات الزيادة الطبيعية المرتفعة لديهم.

نسبة الفقر لدى هذه المجموعة مرتفعة جدًا قياسًا بنسبة الفقر لدى بقية المواطنين اليهود، حيث بلغت نسبة الفقر بينهم 42% مقابل 11% لدى سائر المجتمع اليهودي. كما وبلغ معدل الدخل للأسرة في العام 2018، 14745 شيكل مقابل 23235 شيكل لدى بقية اليهود، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تعداد العائلة من اليهود المتدينين ضعفَي تعداد العائلة من بقية اليهود. 

فضلاً عن ذلك، تعتمد دولة إسرائيل المؤشر الاقتصادي-الاجتماعي لتدريج جميع البلدات بموجب مجموعة من المتغيرات الديموغرافية، الاقتصادية والاجتماعية بحيث أن أعلى درجة هي 10 وفيها البلدات الغنية؛ والدرجة الأدنى في السلم هي 1 وتتواجد بها البلدات الأكثر فقرًا وهشاشةً من النواحي الاقتصادية والاجتماعية. إن تحليل نتائج الانتخابات وفق التدريج الاجتماعي الاقتصادي للبلدة هو في صميم التحليل الماركسي. فإذا قمنا باحتساب كل الأصوات في البلدات ضمن نفس العنقود الاجتماعي الاقتصادي ونظرنا إلى تركيبة القوى السياسية في كل عنقود، سنفهم عند إذن أنماط التصويت لكل طبقة اجتماعية اقتصادية. على سبيل المثال، لا الحصر، حصلت أربعة أحزاب على 90% من الأصوات في العنقود 1 وفقًا للتدريج التالي: يهدوت هتوراه، الموحدة، شاس والمشتركة. أما في العنقود الثاني فحصلت الأربعة أحزاب إياها على 65% من الأصوات بموجب الترتيب التالي: يهدوت هتوراه، شاس والمشتركة والموحدة بنفس النسبة. وأما في العنقود الثالث حصلت الأربعة أحزاب على 50% من الأصوات وهنا تفوّقت المشتركة ومن ثم الموحدة وشاس ويهدوت هتوراه، وانخفضت النسبة الى 25% في العنقود الرابع وتفوّقت المشتركة ومن ثم شاس والموحدة ويهدوت هتوراه.  

إن هذه المعطيات تشير الى أنه لا توجد علاقة بين الوضع الاجتماعي الاقتصادي للمواطن وبين وجود الأحزاب التي تمثله في الائتلاف الحاكم او في المعارضة، حيث أن الأحزاب التي مثّلت اليهود المتزمتين كانت غالبًا ضمن الائتلاف الحكومي وبينما الأحزاب التي مثلت العرب كانت دائما في المعارضة، ومع هذا لا يوجد فرق بين وضع المواطنين العرب مقارنةً بالمواطنين اليهود المتزمتين، ناهيك على أن كونهم "يهود" يمنحهم مكانة فوقية وامتيازات حصرية عديدة في "دولة اليهود"، وهذا ما يقودنا الى الاستنتاج أن دخول حزب معيّن الى الائتلاف الحاكم لا يكفل تحسين أوضاع جمهوره بالضرورة.

 

الحالة المرحليّة والفكر الآنوي

ان إحدى الركائز العقائدية المشتركة بين الحركة الإسلامية الجنوبية وأحزاب المتزمتين اليهود عند دخولهم للحكومات، هو الإدراك أن هذه الحكومات لا تحقّق لهذه الأحزاب رؤيتها. فالعقيدة التي تقف وراء هذه الأحزاب تهدف إلى تطبيق الشريعة الدينية في الدولة، وأن تصبح المنطلقات الدينية المبدأ الناظم للحياة السياسية والاجتماعية، هكذا هي رؤية شاس ويهدوت هتوراه التي تريد تطبيق الشريعة اليهودية في الدولة اليهودية وكذلك رؤية الجنوبية التي تريد تطبيق الشريعة في الدولة. إن هذا الإدراك بعدم إمكانية تحقيق هذه الرؤية في المدى المنظور، أدى الى تطوير اجتهادات ورؤى فقهية لدى هذه الحركات، أطلقت عليها "الحالة المرحلية"، وهو موجود في صلب فقه وفلسفة هذه الحركات وإن كان ذلك تحت مسميات مختلفة. إن إحدى ميزات "الحالة المرحلية" هي "الفكر الزمني" أي الإدراك أنه ضمن هذه الحالة يجب البحث عن مكاسب آنية، أي مكاسب محسوسة في النقطة الزمنية الحالية وليس مكاسب غيبيّة، أي أن الهدف من دخول الحكومة ليس نشر الدعوة لتحقيق الهدف الدائم وإنما "الفكر الزمني" أي المكاسب الماديّة.

إن الإدراك بأنك في "حالة مرحلية" يقودك الى ذهنيّة خطيرة، لأنه ينأى بالنفس عن الخوض في "القضايا الكبيرة"، وهذا ما يفسّر قبول المتزمتين الوضع القائم ("ستاتوس كوّو") منذ قيام دولة إسرائيل لأنهم يريدون الحفاظ على أنفسهم وبناء مؤسساتهم ليكونوا مجهزين للحظة الكبيرة، لحظة قدوم المسيح المنتظر، ولذلك تراهم غير مكترثين لرفع مكانة جمهورهم، لأن الحديث عن حالة مرحلية، ستمرّ وستتغيّر المنظومة عندما تأتي ساعة الحالة الأبدية. قد يكون هذا هو السبب الذي يجعل منصور عباس وقيادة الموحدة ينأون بنفسهم عن طرح القضايا ذات الأبعاد القومية-الجمعية ويتناسون القضية الفلسطينية عند خوضهم في مفاوضات تشكيل الحكومة، وقد يكون هذا هو السبب الذي يجعل منصور عباس وقيادة الموحدة يتناسون أننا شعب، ويوقّعون على اتفاق ائتلاف حكومي دون أي بند يتطرق لحق جماعي أو دون الالتفات الى قانون القومية الذي ينص على أننا نحن، أبناء الوطن الأصليين، أصبحنا درجة ثانية منقوصي الحقوق.

إن ترسيخ الأزمة التي تعصف بنا كمجتمع عربي تخدم مشروع منصور عباس السياسي في المدى القصير وله انعكاسات وإسقاطات على التنظيم السياسي في المدى البعيد. من جهة، حالة التأزم المستمرة تُعَقلِن، لدى قطاعات معينة، دعم نهج المقايضة الذي يتنكر لكوننا أقلية أصلانية وينتقص من مكانتنا المدنية- لكن، من جهة أخرى، يُرسّخ تحقيق بعض المكاسب من ذهنية الفتات وقد يؤدي إلى اعتماد هذا النموذج، وبالتالي، يحدّد أي نموذج سياسي شرعي وأيها لا، وتصبح وظيفة عضو الكنيست، وفق هذا النهج "الجديد"، مرهونة بوجوده ضمن الائتلاف الحكومي وقدرته على التأثير من الداخل. (يُتبع)

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب