news-details

ويْلٌ للعرب من شُرور أنفسهم ومن سيّئات أعمالهم..

كنّا قبل الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة للكنيست الحادية والعشرين قد كَظَمنا الغَيْظ في حَمّارة قَيْظ، وقُلنا – وبدافع المسؤوليّة منّا،الإنسانيّة والقوميّة والوطنيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة– إنّه ليس مقامَ العتاب ولا الحساب ولا العقاب؛ رغم أنّه حقّنا، لا بل واجبنا الإنسانيّ والشّرعيّ والوطنيّ، أن نثور ونغضب ونسبّ بأدب، و "بغير أدب"، إن كان هذا ما سيُوقِظ العرب.. وحرّضناكم على التّدفّق إلى صناديق الاقتراع حشودًا وأنفارًا لتبقى الدّار عَمارا.. ولكنّه الآن قد آن الأوان، وبدافع المسؤوليّات ذاتها أعلاه، لأن نعتب ونغضب ونسبّ حتّى التّعب على من كان السّبب في خسارة العرب ربع قوّتهم البرلمانيّة، حيث كادت تكون الخسارة أفدح؛ خسارة أكثر من نصف هذه القّوة، لولا "نجاح" قائمة "الموحّدة" و "التّجمّع" في البقاء على شَفير الهاوية؛ بالتّشبّث بحبل من السّماء لبضعة أصوات عربيّة نجلاء؛ قد آن الأوان لأن نعتب ونغضب ونسبّ حتّى التّعب على من كان السّبب في ذهاب ثُلث أصوات العرب إلى جيوب الأحزاب العبريّة أو الصِّهيونيّة أو اليهوديّة الدّينيّة (مثل حزب "شاس" الّذي اغترف في واحدة من البلدات العربيّة، مثلًا، ربع أصواتها)، وقبل هذا وذاك، على من كان السّبب في حالة الإحباط والتّشرذم واللّامبالاة الّتي سادت الشّارع العربيّ في هذه الانتخابات، قبلها وبعدها، والّتي كادت تودي به إلى حالة من الانتحار السّياسيّ الجماعيّ؛ فنسبة التّصويت بين ظَهرانَي المجتمع العربيّ قد راوحت بشقّ الأنفس، بنداءٍ ودعاءٍ واستجداءٍ كاد يصل حدّ البكاء من قِبل المرشّحين والأعضاء، ليَفْزَع مجتمعُ الفَزْعة من النّاس الطّيّبين الكرماء الشّرفاء الأصيلين، فَزْعة السّاعات الأخيرة، للإدلاء بأصواتهم، في النَّقْب والمثلّث والسّاحل والجليل – راوحت تلك النّسبة عند الـ50%، فقط، من أصحاب حقّ الاقتراع! مقارنة بنسبة التّصويت في المجتمع العبريّ الّتي وصلت إلى نحو 69%، ومقارنة بنسبته قُطريًّا، حيث وصلت إلى نحو 67%!

فَلْيَنتصبْ كلُّ عُضْوٍ أمام المرآة الآن، ويسائل نفسه عن حقيقة حجمه ووزنه النّوعيّ، عن مصداقيّته وسعة حضوره، وعن ولائه لشارعه والتصاقه به؛ فيا حضرات، قبل أن تلعنوا بنيامين نتنياهو، مثلًا، وبعد أن تلعنوه، التفتوا إلى أنفسكم وابرأوا من شروركم ومن سيّئات أعمالكم؛ فبنيامين نتنياهو هذا، الّذي فشلتم فشلًا ذريعًا في إسقاطه، ولن تنجحوا فيه ما دمتم على ما أنتم فيه، والّذي لم تكسروا شوكته ألبتّة؛ بهزم معسكره اليمينيّ، ولن يكون لكم ذلك أبدًا ما دمتم ما أنتم، بنيامين نتنياهو هذا الّذي عزّز قوّته (بخمسة مقاعد إضافيّة) ووسّع مكانه (معسكره اليمينيّ)، رغم كلّ الظّروف الّتي تُحيق به ضدّه وتصدّه؛ من ملفّات و"بورصات" و "غوّاصات" وثلاثة جنرالات؛ و "كاميرات" منصوبات، جعلتموها شَمّاعتكم لتعليق كلّ هذه الخيبات؛ حيث ما كان له غير ذكائه وحنكته، وعلمه ومعرفته، وحضوره وقدرته الكلاميّة وسطوته المِنبريّة، وخبرته بالنّاس "من السّاس إلى الرّاس"؛ فحافظَ أيّما حفاظ على قاعدته الجماهيريّة ومدّ يده بقوّة وبمرونة وليونة إلى القواعد الحزبيّة الأخرى ونال منها ما نال – بنيامين نتنياهو هذا اذهبوا إليه، وتعلّموا منه، وتجاوزوه، إن استطعتم إلى ذلك سبيلًا. وقُبحًا للّذي اضطَرّنا –في يوم من الأيّام –إلى الإطراء لبنيامين نتنياهو هذا، حتّى بما "يُحسَب له" (بنيامين نتنياهو)، تعبيرًا منّا عن مدى قَرَفنا منه (ذلك الّذي اضطَرّنا).

أراني من أشدّ الدّعاة الآن إلى رفع نسبة الحسم "كمان وكمان"، كيلا تقوم لكم قائمة إلّا إذا كنتم عُصبة، وكيلا تقوم لكم قائمة إلّا إذا التصقتم بالنّاس بحقّ وحقيق، وكنتم أهلًا لأصواتهم لا لسِياطهم؛ هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان؟ وهذه دعوة منّي ومن جميع الشّرفاء لكم يا حضرات الأعضاء، أن تعملوا من الآن على إعادة اللُّحمة بين جميع الفُرقاء، أفرادًا وتيّارات

وأراني من أشدّ الدّعاة الآن إلى رفع نسبة الحسم "كمان وكمان"، كيلا تقوم لكم قائمة إلّا إذا كنتم عُصبة، وكيلا تقوم لكم قائمة إلّا إذا التصقتم بالنّاس بحقّ وحقيق، وكنتم أهلًا لأصواتهم لا لسِياطهم؛ هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان؟ وهذه دعوة منّي ومن جميع الشّرفاء لكم يا حضرات الأعضاء، أن تعملوا من الآن على إعادة اللُّحمة بين جميع الفُرقاء، أفرادًا وتيّارات، ولا تتوانَوا، والله معكم والنّاس معكم، في نَفْثِ الخَبَث من بينكم، مهما كان وأيًّا كان، وأن تعملوا من الآن على مراجعة كاملة وشاملة لمنهجيّة عملكم البرلمانيّ والميدانيّ والاجتماعيّ والسّياسيّ؛ وبُغية توسيع دائرة "تأثيركم" وتعميقها، لا بدّ لكم أن تفكّروا مليًّا وتسعَوا جِدِّيًّا لإبرام شراكة\ شراكات حقيقيّة أخلاقيّة، تقوم على النّدّيّة والموضوعيّة والمبدئيّة والعزّة الثّقافيّة والحضاريّة والدّينيّة والقوميّة والوطنيّة، والتّصويب في اتّجاه الأهداف العريضة الأساسيّة، مع حزب مثل "ميرتس"، وهو الّذي ما كان له أن يعبر نسبة الحسم لولا ما اجترحه من نحو أربعين ألفًا من أصوات الشّارع العربيّ، شارعكم، شارعنا، ومع عناصر إيجابيّة من حزب العمل "الإمبرياليّ/ الكولونياليّ" و/أو غيره؛ وكفاكم وكفانا غوغائيّات سَرابِيّات، ما أنزل الله بها من سُلطان، ولا تُسْمِنُ ولا تُغْني من جوع؛ وعلى أن تَصُبُّوا جهودكم في بُوتقة/بَوْتقة البقاء والرّخاء، بإعادة بناء ملككم وملك شعبكم وأهليكم على أرض صُلبة من المعرفة والعطاء؛ "بالعلم والمال يبني النّاسُ مُلكَهُمُ \ لم يُبنَ مُلكٌ على جَهلٍ وإقلالِ"؛ وحذارِ ثمّ حذارِ ممّا تُرمَون به أبدًا من أسافينِ حركاتٍ عِبْرِيّةٍ للتّدمير.. كيما يُمطر يومًا علينا السّحاب وتغنّي لنا الرَّباب؛ فبين السَّراب والشَّراب ثلاث قَطَرات فارقات، لكأنّها ماء العُقَلاء النُّزَهاء الشُّرَفاء من العرب الصُّرَحاء.. أوَلَم يعلّمْنا أبو الطّيّب أحمدُ بنُ الحسين المتنبّيّ، الّذي لخّص حياتنا منذ ألف عامٍ ولا يزال، حيث قال: "الرّأيُ قبلَ شجاعة الشُّجْعانِ \ هُوَ أَوَّلٌ وهْيَ المحلُّ الثاني \ فإذا هُما اجْتَمَعا لِنَفْسٍ حُرَّةٍ \ بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كُلَّ مكانِ"؟ فحافظوا على أنفسكم واحفظوا الله يحفظْكم؛ وكونوا مع الله يكنْ كلّ شيء معكم! ولْيرحمِ الكبيرُ منكم الصّغير ولْيعرِفِ الصّغيرُ منكم حقّ الكبير، كيما تكونوا منّا ونكون منكم؛ فاعمَلوا بنبضِ روح الشّاعر المناضل الإنسان، في "شَعْبي حَيّ" سميح القاسم: "يا شعبي \ حيٌّ حيٌّ أنت \ يدُكَ المرفوعةُ في وجهِ الظّالم \ رايةُ جيلٍ يَمضي \ وهْوَ يهزُّ الجيلَ القادم: \ "قاومْتُ.. فقاوِم!"." وحافظوا على "حافظِ" ديوان أبي الطّيّب المتنبّيّ، أبي الطّيّب العربيّ، فهو بذاته وبانتمائه الأعرق والأعمق لذلك أهل، وأنتم بذلك ذوو فضل." ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهدْ!

وائْذَنوا لي – أيّها الأحبّة، الآن –بأن أعود إلى كهف لغتي وإلى صَوْمَعة ترجمتي، إلى أرض معركتي وإلى سماء أجنحتي، والدّنيا بعد أسبوعين – إن شاء الله – رمضان، وهو الّذي فيه يُحرَّم حَلالٌ ولا يُحلَّل حَرام، وهو عند النّاس كافّة وللنّاس أجمعين رحمة ومَغفرة وعِتْق من الشّيطان الرّجيم؛ فكلّ رمضان خير وأنتم طلائع خير، وكلّ فطر سعيد وأنتم للعيد عيد..

ملحوظة: أظنّني لاحظت أنّ بطاقات الاقتراع في هذه الانتخابات البرلمانيّة لم تكن تحمل حروفًا وعناوين بالعربيّة؛ ولا عجب! إنّها من مُوبِقات إفرازات "قانون القوميّة"؛ حيث لم تعُد للعربيّة مكانةُ "اللُّغة الرّسميّة" إلى جانب شقيقتها الصّغرى، العبريّة، في "الدّولة اليهوديّة"، لا بل أصبحت لغةً ذات "مكانة خاصّة"! والمكان: إسرائيل "الدّيمقراطيّة"، والزّمان: القرن الحادي والعشرون، و "عُمْر" إسرائيل: واحدٌ وسبعون "حصادًا"!

ولِي عودة منكم إليكم أيّها الأعزّة – إن شاء ربّ العزّة – للحديث، أبدًا، عن لغتنا ونحْن.

الكبابير\ حيفا

 

بالصورة: "بطاقات الاقتراع في هذه الانتخابات البرلمانيّة لم تكن تحمل حروفًا وعناوين بالعربيّة" (تصوير: رويترز)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب