news-details

الشاعر والأديب حنا إبراهيم أحد القادة البارزين في التصدّي لمؤامرة الترحيل وظلم الحكم العسكري

أجرى الحوار:  رفيق بكري 

ألأديب الشاعر حنا إبراهيم (أبو إبراهيم) من البعنة، هو أحد مناضلي الرعيل الأول من الشيوعيين الذين عاصروا نكبة شعبنا الفلسطيني عام 1948 وعانوا الأمرين من ظلم الحكم العسكري البغيض، وكان أحد الشيوعيين البعناويين القلائل الذين قادوا معركة التصدّي والبقاء وخاصةً المعركة التي أطلق عليها "معركة الهويات الحمراء".

التقيت مع أبي إبراهيم في بيته في البعنة، وكنت ألتقيه في فترات متباعدة، ولكنه كان يحدِّثني دائماً عن دوره ودور أهالي البعنة الطليعي.. وكان في كل مرّة يروي لي عن تلك الأحداث التي عاصرها منذ عشرات السنين، بحرارة وبمشاعر جيّاشة، وكأنها تحدث اليوم.

قلت: حدِّثني يا أبو ابراهيم عن حياتك قبل الـ 1948؟

أبو إبراهيم: "أخذتُ اسم جدّي، اللي أبوي ما بعرفُه.. أبوي كان كبير أخوتُه ومسؤول عنهم، وعاشوا في ضنك وفقر، واضطُر أبي أن يعمل كَجَمّالْ لأنُّه لم يكن باستِطاعْتُه العمل كمزارع ولا نملك ما يكفي من الأرض.

في الـ36 كان عمُرْ أبي ثلاثينْ سِنِة، والتَحَقْ بالثورة من أوّل قيامْها، وطُلِبْ من أهل البِعنِة أن يُساهموا في الثورة، فَاجْتَمعوا وفَرضوا على كل عيلِة تِشْتري بارودِة، واختيار منها عضو في الفصيل الثوري، وانتَخبوا حينها أبي بِالإجماعْ كَقائد لفصيل الثوار، وحارب الانجليزْ في حرب غير متكافئة لمدِّة ثلاثْ سنين، وفي النهايِة الثورة أخفقَتْ الثورة لأنُّه ما كان هُناك لا قِيادِة منظمة ولا سلاح للحرب، ودفع الشعب الفلسطيني ثمن غالي، وجاءت الحرب العالمية الثانية واتَّفقوا مع القيادِة على وقف الثورة".

قلت: يعني تربّيت في بيت وطني فقير؟.. أبو ابراهيم: "أنا الصحيح تربّيت على أفكار ثوريِّة أخذتها من والدي .. تْربّيت في أوضاع فقر، كُنّا بأيام الثورة نِشتهي خبز القمح، ونوكُلْ كَراديش، وعلى لِعْيادْ كانت الجائزة الكبرى خُبِز قمح بِدون ذُرة. في البعنِة كان مدرسِة لطلاب البعنِة والدير فيها أربع صفوف، واللي بَدُّه يتعَلَّم فوق الرابع كان يطلَعْ عَالرامِة، وفعلا رُحت تْعلَّمت للصف السابِع، وبعِدها راحْ أبي يشتغِلْ في عكا، وسكنّا هناك، وِالتحقتْ بالمدرسِة الثانويِة وأنهيت الثاني عشر ثانوي".

قلت: بَسمع عن حياة والدك لهُ هيبتُه ووقِفتو على راس صفّْ السَحجِة.. حدِّثني أكثر عنُّه؟... ابو ابراهيم: "كُنّا نُسكُن في بيت قديمْ مْقَسَّم إلى ثلاث أقسام.. قِسِمْ إصطبل للدَوابْ، وفي القِسمْ الشرقي تَبّانْ للتِبِنْ، وإحنا في النُصّْ. بَذكُرْ كان الجَمَلْ بِالليلْ يِسحَبْ اللحافْ عن أبويْ بِسنانُه.. مَعناها إنُّه جوعانْ وبُطْلُبْ الأكِلْ. ما كُنّا نِقْدَر نِستَقبِلْ ضيفْ إلاّ بالصيفْ، نُفْرُشلُه عالسَطِحْ لأنُّه البيت ما كان يِسَعْنا.. كُنّا عايْشينْ عيشِة أوَّل بِأوَّلْ، يعني اللي بِقدَرشْ يِشتري قمِحْ كان يِشتري ذُرَة، وأبويْ كان مُزارِعْ وجمالْ على قدّْ حالُه وعايْشينْ عَالحِفِّة".

كان أبويْ عِندُه جْمالْ، راحْ جابْ عليهِنْ من عكا رَمِلْ وِشْمينْتُه (إسمِنت)، وبنى غُرفِة عِشرينْ متر مْرَبَّعْ وْصبّْها باطون، بهذاكْ الوقت إنُّه يكون عِند الواحَدْ غُرْفِة سَقِفْها ومِسطَبِتْها من باطون هذا إشي رائِعْ، وكانت العرايِسْ تِنِصْمِدْ فيها"..ضِحِكْ أبو ابراهيم وفي عينيه تَعابيرْ تُصوِّر حياة البؤس والمُعاناة عن تلك الفترة تنهَّد وقال: "كانت حياة صِعْبِة جداً".

قلت: شو أكثر شَغْلِه وْرِثتها عن والدَكْ؟.. ابو ابراهيم: "كُنت أكره الظُلمْ.. أكره الظُلمْ، لأنّو ما في أسوأ مِنُّه أبداً... بَعتقِدْ هايْ الصِفَة وْرِثتْها عن أبي، وبَعِدها معي لليوم. ولهذا السبب انتسَبتْ بِسُرعة لعُصبِة التحرُّر الوطني اللي أصبحت فيما بَعد الحزب الشيوعي، وكان نشاطْنا كُلُّه في مقاومِة ظلُمْ الحكم العسكري، والمطالبة بتصاريح تنقل، إثبات الوجود، ووقف سلب الأراضي، لكن للأسف المعركِة كانت غير متكافئة، بين قوي وضعيف، وكان معروف إذا الحقّْ مَكَنشْ إلو ما يحميه ومن يحميه بِقَعْ تحتْ أقدامْ القُوِّة، وهايْ حْكايِتنا".

قلت: وبعد ما أنهيت الثانويِّة يابو ابراهيم؟.. قال: "بعد ما أنهيت الثانويِّة كان عُمري 18 سِنِة، صُرت أدوِّرْ على شغُل مَلَقيتِشْ إلاّ في البوليصْ، وكانت الحرب على وشَكْ الإنتهاء، والأعمال المتعلّقة بالإنتاجْ الحربي تقريباً سَكَّرت، وِعْمِلتْ في سِلكْ الشرطة، وبعد شهرين نَقَلوني أشتْغِلْ معلِّم للشرطة في منطقة بيت لحم حتى انتهى الانتداب بتاريخ 31.1.1948 ، وِرْجِعتْ عَالبِعنِة".

 اكتشفتْ إنهم أعضاء في عُصْبِة التحرُّرْ الوطني

وتابَع أبو إبراهيم: "في البعنِة التقيت بأقاربي جمال موسى ونديم موسى ورمزي خوري، وكُنّا نِجتمِع يومِياً وِيْدور حديث في السياسِة، واكتشفتْ إنهم أعضاء في عُصْبِة التحرُّرْ الوطني، وشُفتْ إنُّه أفكارْهُمْ صحيحَة ومقنعة... وهذا شجَّعني أتْقَرَّبْ منهُم، وِمْشيتْ معهُم، وكل ليلِة كُنّا نِسهَرْ في بيتْ، ونِحكي سِياسِة للناسْ، واقناع المواطنين العرب يوافقوا على قرار التقسيم، لأنّ بريطانيا لا تريد دولِة فلسطينية، وبَدّْها تِعطي القِسمْ الفلسطيني للملك عبد الله، وفعلا انسحب جيش الإنقاذ تحت جنح الظلام وسلَّم الجليل كُلُّه لليهود".

قلت: وِتعَرَّفت على أعضاء عُصبِة التحرر وصار عملك الكفاحي منظَّم؟... ابو ابراهيم: "كنت بِرُتبِة في البوليص الإنجليزي في مركِزْ مجد لِكروم، اللي صار في مرْحَلِة من المراحِل مركِز قيادِة جيش الإنقاذ، وِعمِلت صَداقَة مَعْهُم وكُنّا نِتْبادَلْ الأفكار، بَسّْ مَشُفْتِشْ واحد فيهِنْ بِفْهم بِالسِياسِة غير قائِد المركِزْ ضيف الله الروسان.

لَمّا وَزَّعنا مَنشورْ يَدعو إلى القُبول بالتَقسيم، بَعض الناسْ أخَذوا المنشور وْنَزَّلوه لضيف الله الروسان وقالوا له: "شوفْ الشيوعِيِّة شو بِكِتْبوا؟".. جاوَبْهِن الروسان: "إقْرَأوا تَنْشوفْ"..ولمّا قرأوا المنشورْ قَلّْهِنْ: "نعم.. هذا حَكي مَزبوطْ وْصَحيحْ، يَاللاّ فِلّوا مِنْ هونْ".. أمّا الواشي اللي وَشى فينا، راحْ رَفَعْ الشَكوى للقيادِة العُليا لَجيشْ الإنقاذ في فرّاضْيِة، وقاموا نَقَلوا ضيف الله الروسانْ وجابوا مَحَلُّه واحَدْ إسمُه جاسِمْ بيكْ (عِراقي)، ومعاه تَعليمات يِعتَقِلنا، لما وِصِلْنا خبر احتمال اعتِقالْنا.... كُنّا خَليِّة مْكَوَّنِة من أربَعْ أشخاصْ وأخَذنا قرار كالتّالي: بِما إنّو جمال موسى، ونديم موسى ورمزي خوري ما كانوا يومْها ساكنين في البعنِة، لذلك إذا بِغيبوا ما بِلِفتوا النَظَرْ، وأنا كنت أُنْباشي وعِندي مسؤولِيِّة في المركز إذا بَغيبْ بْتِثْبت التُهمِة عالكُلّْ، فَاتفقنا إذا طلبوني أسَلِّمْ حالي وأنْكِرْ إنّو وَزَّعتْ المنشورْ.. وهاذا اللي صارْ غابوا الثلاثِة، واعتقلوني لَحالي في فراضيِة، وهناك قالولي: "إنتي شيوعي صهيوني!"..قُلتِلّْهِنْ: "شو يَعني شيوعِيِّة.. واللهِ ما سْمِعتْ عَنها!!".

ضِحِكْ ابو ابراهيم بسُخرِيِة من غبائهِن في هذا الموقف وتابع: "طبعاً ما لاقوا حَدا يِشْهد علينا، لأنُّه المسألِة فيها شَنِقْ وإعدام، والوُشاة بِعِرفوا إذا بْتِثبت التُهمِة وْبَنِشْنِقْ، مِشْ رايِحْ يِظَلّْ منهِن حدا طَيِّبْ، ونِمتْ ليلِة في المعتقل وْرَوَّحتْ، لكن حَكموني أنْزَل على مركز بوليص مجد لِكروم كل يوم إثبات وجود.. وبعد أسبوع انسحب جيش الإنقاذ وتم تسليم الجليل.

إللي منقدر نصل لنتيجْتُه إنُّه العرب أعلنوا الحرب وهنِّ عارفين حالْهِن مِشْ راحْ يِحاربوا. الجامعة العربيِة بعد قرار التقسيم بْعَشَر أيام طَلبَتْ من جنرال مصري إسمُه اسماعيل صفوت يحضِّرْ تقرير.. وصدر التقرير إنّو اليهود عِندهِنْ 64 ألف مُقاتِلْ مُدرَّبْ على جميع أنواع الأسلِحة، والجيوش العربيِة مُجتمعة عندهِن ثُلثْ هذا العدد. كان عُمُر نكبِة اليهود أربع سنين، وكانوا بَدهِن حِجِّة يعمَلوا فينا مِثِلْ ما عِملت النازيِّة فيهِن.. وأجوا العرب بِشعار إعلان الحرب ورمي اليهود في البحر!!، يَعني باختِصارْ كانْ إعلانْ الحرب أكبرْ خِدمِة قدّمَتها العرب لليهود".

 

 

ما حدا منكو يِطلَعْ، اللي بِطْلَعْ ما بِرجَعْ

وتابع أبو إبراهيم: "بعد الاحتلال كنّا نِتْصِل وِنزور الناسْ يومِياً ونِشرَحِلهِن بِشكِل مقنع وذكي ما يِرحَلوا، لهذا السبب نسبِة اللاجئينْ اللي نزحوا في منطقِتنا كانت قليلِة جداً، وهذا بِفضِلْ النشاط السياسي اللي كُنّا نْقومْ فيه، ولمّا انسحب جيش الإنقاذ في الليل حالاً اجتمعنا، وكتَبتْ منشور بإيدي هايْ، وكان عِنّا ماكنة ستانْسِلْ، وطَبَعنا 600 نسخة ووزَّعْناه من بيت لبيت بالإيدْ على الناسْ وِنقول: "يا ناسْ انتبهوا.. ما حدا يِطلَعْ من البلد، لأنُّه اللي بِطْلَعْ ما بِرجَعْ"... كل هذا الشُغُلْ وكُنّا بَسّْ عَشَرْ شيوعيين في الجليل: حبيب زريق ولطفي زريق من عيلبون، وكمال غطاس وجميل غطاس من الرامِة، وجمال موسى ونديم موسى وحنا ابراهيم من البعنِة، وأنطون بشارة وجبرائيل بشارة من ترشيحا".

قلت: كانت الناس تْصَدِّقْكوا؟.. ابو ابراهيم: "بِشكل أو بآخر كان إلنا تأثير كبير على الناس.. كُنّا شبابْ صغارْ عَزّابِيِّة، لا إحنا زُعَما ولا مَخاتيرْ، وكُنّا عامْلينْ حْسابْ إنّو اللي بِنِمسِكْ يَعني إعدامْ.. في ترشيحا مِسكوا بَيّاعْ جَرايِدْ فقير إسمُه فرج، كان يبيع جرايد بِعكّا ويِتْرَزَّقْ، إتَّهموه إنّو جاسوس وشنقوه... هايْ العروبَة يا سيدي بَعِدها لليوم عُملِة حَكي.. شوفْ قَدّيشْ بِحكوا عن النكبِة... قالْ سِتّين سِنِة عالنكبِة قال.. ليشْ النكبِة وَقَّفتْ؟!، النكبِة مستمرِّة من ستّين سنة لليوم... بَسّْ اللي بتعملوه إنتو الصحفيين من توثيق وكتابَة صحيح ومهم جداً، لأنّو ماركس قال: "الفكرة إذا تبنَّتها الجماهير تصبِح قوّة هائلة".. لكن الجماهير مِشْ قادرِة تعمل إشي، لأنّو الحكومات والزعامات العربيِّة سيِّئة وتواصل تآمرها".

قلت: حدِّثني عن معركة الهويات الحمراء؟.. أبو إبراهيم: "في نِهايِة سِنة الـ48 عِملوا اليهود إحصاء لاقوا إنّو بِقي في لِبلاد حوالي 155 ألف عربي، ورغم ذلك اسْتَكثرونا، فقرَّروا يِرَحْلوا القسم الأكبر منهِنْ!! فَكيف بَدّْهن يعمَلو؟!.. إلجليل ما كانْ محسوبْ مع إسرائيل حسب قرار التقسيم، يعني إذا ما بِعتِرفوا بْسُكّانُه مَعناه مِشْ مِعتِرفينْ بْضَمُّه وإلْحاقُه بإسرائيلْ. وطِلْعوا بْخُطَّة جَهَنَّميِّة بِموجِبها يِعطوا

لَعِشْرين بالمِيِّة من السكان العرب اللي مَرضي عنهُمْ هوِيّاتْ مدنيِّة زَرْقاء، والباقي بِطاقات جِلدَتها الخارِجِيِّة حمراء (أسميناها الهويات الحمراء)، وتَعني قسائم تصاريحْ بالإقامة المؤقتة لمدّة ستّة أشهر... شعرنا بالخطر، وعرِفنا إنّو اللي بوخذ هويِّة حمراء بِبَطِّلْ مواطن وبصير مثل سائح، بقدروا يرحلوه في أي وقت".

حذَّرنا الناس في المكر وجديدة وما حدا ردّْ علينا، نْزِلنا عَمجد لِكروم وشرحنا القضيِّة للناس، واتطَوَّعْ المحامي حنا نقارة يرفع القضيِّة لمحكمة العدل العليا بِدون مقابِلْ. جَمعنا لِختيارِيِّة وفَهَّمناهِنْ خطورِة الوضع بَسّْ ما اهتَمّوا وقالولنا: "بالعربي الفصيحْ بدناشْ نِتشَكّى لأنُّه الشكاوي عداوِة، وهايْ دولِة قويِّة وصعب الوقوف ضدها".. ولمّا أجوا موظّفينْ الإحصا من وزارة الداخليِّة، ما ظَلّْ بمجد لكروم زغاليل وجاج، العَزايِم والطبايِخْ.. كانوا مْفكّْرين إنّو بإكرام الموظّفين بوخذوا هويات مدنيِّة.

قبل ما ييجوا لِموظّفين عالبعنِة بِليلة اجتمعنا في البعنِة وقررنا نِعملّهن مكتب في الكنيسِة المهجورَة عشانْ ما نِلتزم بْضِيافِتهِنْ، وبالفعل ثاني يوم أجوا الموظّفين للمختار وقلّْهن: "هذا قرار البلد تْفضّلوا على لِكنيسِة".. وقعدوا كل النهار بلا أكِلْ ولا شُربْ، وصارت الناس تيجي على الكنيسِة، اللي يعرضوا عليه هويِة مدنيِّة ما يِستْلِمها، وكمان اللي هويّتُه حمرا ما يستلِمها، وقررنا، أو الكل هويات زرقا أو ما مْنِستلِمْ إشي !.. ثاني يوم نفس الشي، الموظّفين جابوا معاهن ساندويشات... وبَعِدها صارْ الحكم العسكري يِشتغِلْ شُغلُه: أوّلاً نفوا سكرتير فرع الحزب في البعنِة نديم موسى على طوبا، وظلّْينا في الفرع أنا وحسن بكري نوَعّي وِنحَذِّرْ الناس ما يردّوا على الجيشْ، وما يقبلوا الهويات الحمرا، ودعينا البلد كلّها على اجتماع شعبي، عرفوا اليهود إنّو حنا ابراهيم وحسن بكري رأس الحربِة، فاستدعانا البوليص أكثر من مَرَّة بَسْ ما كُنّا ننزل، ورغم اساليب تخويف الحاكم العسكري لأهل البعنِة لكن كل هذا ما نفع معهم. كانت الناس بس تسمع البوق بقول: "هَلُمّوا بِجماهيرُكُمْ".. كُلّْها تِفزَعْ، ونفس الشي في دير الأسد. وبهاي الوقفة البطوليِّة للبلدينْ منعنا تهجير ألوف الناس من الوطن، بعدها حصل حنا نقارة على قرار حُكُمْ بإلغاء الهويات الحمرا.. ولمّا رِجِعْ نديم موسى من النفي عمِلنا حفلِة كبيرِة أحسن من عُرسْ، وبعدها أخذ الحزب في الانتخابات 57% من الأصوات، رغم ضغوطات وتهديد وإرهاب الحكم العسكري". 

 

في الـ53 عَقَدنا في البعنِة أوّل مؤتمر للدفاع عن الأراضي

قلت: حكايِة طويلِة مع الحكم العسكري؟.. ابو ابراهيم: "بعد ما مرق بنغريون عن الشارع الرئيسي عكا صفد، أصدر قرارُه في أوّل إجتماع للمبايْ عن مصادرة الأرض وبناء مدينة كرميئيل، وفي نفس السِنِة عَقَدنا في كنيسِة الكاثوليكْ في البعنِة أوّل مؤتمر للدفاع عن الأراضي، حضروه كل مَخاتير ومشايخ الجليل، وانتخبنا لجنة من 25 شخص، منهن عِشرين مختار، ورؤساء مجالس الرامة وكفرياسيف، وثلاث شيوعيين: لطفي زريق وحسن بكري وحنا ابراهيم، وانضم إلها كمان مواطنين من البلد مثل بولص بولص وشكري الخازن وغيرهن. لكن هاي اللجنِة تْعرّضت لضغوطات من الحاكم العسكري، وفي أوّل اجتماع حضر سبع أعضاء فقط، أحد المخاتير من دير الأسد قال: "بَدناشْ شيوعيين في اللجنة..شو يعني إحنا 25 واحد وبِحُكمونا ثلاثْ شيوعيين؟!!".. بعدها غيّرنا شخصيات في اللجنة وواصلنا نشاطنا".

وتابع أبو ابراهيم: "بعدين شعرنا إنُّه الدفاع عن الأراضي بَدُّه قِيادِة رسمية، وطالبنا وزير الداخليِّة في سنة الـ54  بإقامِة مجلس محلي، وقدّمنا عريضَة بِتسِعْ أسماء: المُختارينْ ابراهيم بشارة واحمد نمر بدران، وبولص بولص، وحمد صالح علي، وعلي ابراهيم حصارمِة، وكرم خوري، وحنا ابراهيم، وحسن بكري، ونمر اسماعيل تيتي، وكانت هاي اللجنِة تعالج قضايا الناسْ وتِشْتغِلْ وكَإنّْها مجلس محلّي... وصدر حُكم على الأشخاص التِسعة بإثبات وجود يومياً في مركز مجد الكروم، وأعلَموا الكلّْ أنُّه اللي بِنسحب من اللجنِة بِفكّوا عَنُّه أمر إثبات الوجود.. وبِاللآخر بقي فقط حنا ابراهيم وحسن بكري يثبتوا وجودْهِن ثلاثْ مرات في اليوم: السيعَة عشرة الصبح، والسيعَة الواحِدِة الظُهُرْ، والسيعَة سَبعَة المِغرِبْ.. وصمدنا سِتّْ أشهُر.. كنت حجّارْ أطلعْ الصبح وأرجَعْ بعد ما أثبِت وجودي المغرِبْ عالبيت.. صَمدنا وما تراجَعنا.. الحكم العسكري منعني ثلاثين سِنِة من السفر في البلاد، ولمّا رِجِعْ إبني ابراهيم طبيب من روسيا في الـ76 ما أعطوني تصريح أسافر على مطار اللد.. كان المقصود بِهايْ السياسِة إرهابْ الناسْ: "يَعني ديروا بالكوا الشيوعي هيكْ بِصير فيه".. ومثل ما قال المثل: "أُضْرُبْ اللي في البور بِخاف اللي في لِكْرابْ (الأرض المحروثِة)"، وهيكْ كان اللي بدّو يدخُلْ الحزب الشيوعي تِغضَبْ عليه الحكومِة وتِقْطَعْ رِزْقُه".

واسترسل أبو إبراهيم وقال: " في الـ55 رُحت أنا وحنا نقارة وكمال غطاس نشارك في اجتماع شعبي في نحف قبل الانتخابات عند الشيوعي الوحيد في نحف سعيد قشقوش، وعند المفرق استوقفونا شباب وحذّرونا إنّو بدُّه يصير اعتداء علينا، وكان في البلد يومها سيف الدين الزعبي وجبر الداهِش وأعوان الحكومِة عند المختار... المهم إحنا واقفين نلقي الخطابات على ظهِر صندوق سيارة شحن، ضربوا شباب علينا حجارة من مسافِة قَريبِة.. كمال غطاس أجاه الحجر في صِدرُه، وأنا ضربني إبراهيم إبن المختار حجر صابني بين عينيّْ، حطّيت محرمِة عالجرح وظَلّينا ماشيين.. بعدها بسِنِة أو أكثر التقيت في شارع البعنِة مع ابراهيم إبن المختار، دار ظَهرُه وعِمِلْ حالُه بُرْبُطْ شبّاطْ كُنْدَرْتُه.. قلتِلُّه: "مَتْخَفْشْ إحنا ما مْنِعتَدي على الناسْ لا في بلدنا ولا بْغيرها.. بِالسَهرَة والاّ هالزَلَمِة فايِتْ عَالبيت، والاّ هو ابراهيم إبن مختار نحف قللي: "كنت عند جارك علي الدرويشْ وقللي إنّك في البيت، والمضبوط جايْ أعتذِر، وإذا بِتصير عندك مناسبة إعزمني".

وفي خِتام اللقاء مع أبو ابراهيم سألتُه ما العمل؟.. قال: "كل ما نكتبه ونقولُه بِظلّْ بدون معنى إذا لم يُترجم إلى عمل عقلاني يقوده ناس بِفهموا بالسياسِة، وحتى أوّل كتاب كتبُه لينين هو "ما العمل" وليس ما الكلام".

*رحل عنا رفيقنا العزيز حنا ابراهيم قبل ايام معدودة  1927 - 2020، ونعيد هنا نشر مقابلة توثيقية معه قبل 13 عاما، كانت نشرت في صحيفة "الحقيقة" الصادرة في كفرياسيف لصاحبها عوني عوض، ضمن زاوية "ذاكرة وطن". المقابلة باللهجة الشفوية للحفاظ على المفردات الشعبية، لهجة القرية وما يحتويها من عمق المعاني ودفئها.

 

أخبار ذات صلة