news-details

تقرير: الاتّحاد تدشّن مرحلة جديدة: ندوة "هيمنة المقاومة" بداية الطريق

توّجت صحيفتنا الاتّحاد مرحلة جديدة وهامّة تجاوزت توفير العدد الورقي يومي الثلاثاء والجمعة بالإضافة إلى الموقع الالكتروني والتطبيق الخاص، بافتتاح ندوة فريدة وحيّة من مكاتبها في حيفا، اذ استقبلت لأوّل مرّة الرفيق الدكتور عبد كناعنة، أوّل من أمس الأربعاء، في حوار ثري أجراه الزميل في هيئة تحرير الاتحاد الصحفي حسن مصاروة، لنغوص معًا في المعترك اللبناني والولوج إلى ظاهرة حزب الله، محتفين بخلاصة بحث الدكتوراه للرفيق كناعنة في كتاب تحت عنوان "هيمنة المقاومة، حزب الله في لبنان".

شملت الندوة، مداخلتين قدمهما كلّ من رئيس معهد إميل توما للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية عصام مخول، والباحثة في العلوم السياسية الدكتورة نجمة علي من مكان إقامتها في فرنسا، في لقاء جماعي اشترك فيه الضيفان من خلال منظومة "الزوم" منصهرين مع آلاف المشاهدين والمشاركين ما بين المنظومة والبث المباشر عبر صفحتنا في الفيسبوك، والذي بالمناسبة ما زال محفوظًا في الصفحة الرسمية "صحيفة الاتحاد"، بحيث يمكن لمن فاتته الندوة أن يشاهدها هناك.

 

مشروع هيمنة مغاير

وفي مداخلتها المحورية، أشارت الرفيقة نجمة علي، إلى أن الكتاب يأتي في حالة استثنائية مع تجريب المقاومة ليس كفعل فقط إنّما كفكر، في ظلّ مشروع هيمنة مغاير يحمل اسم التطبيع مقابل مشروع المقاومة. وفي وصفها للكتاب، قالت علي ان الكتاب ذو الستة فصول، سلس جدًّا وكتب بطريقة تسلسلية جذابة وذكية، اذ أن كل فصل فيه يرتكز على ما سبقه، وهذا ما يقوّي ويوسّع قاعدة جمهور الهدف.

وأعطت علي موجزًا لما تضمنّه الكتاب، الذي يتتبع خطى حزب الله في تحوله من تنظيم ديني عسكري إلى حركة سياسية، طورّت فكرة المقاومة، وحولتها إلى ثقافة أو كما يسميها الكاتب إلى أيديولوجيا. ولفهم هذا التحول تضيف علي: "ان الكتاب يبدأ بتأطير نظري يتبنى نظرية الهيمنة لأنطونيو غرامشي، المدرسة الذي تعاملت مع سؤال مهم وهو لماذا تنجح أو تفشل الثورات وما هو السياق لنجاحها والشروط الضرورية، والاستراتيجيات التي يجب تبينها، ما يعني أن الكتاب يضبط بدايةً المصطلحات وهو ما يرتب كلّ منهجيته، فهو القاموس او اللغة البحثية التي يتبناها كناعنة، وهذا ما يثبّت عنصر التجديد فيه، لأنّه يسعى لفهم حركة دينية من خلال تحليل بحثي علماني ماركسي".

ولفتت علي إلى أن الطريقة المسيطرة لدراسة سياسات الشرق الأوسط، بما يتضمنها مراكز أبحاث أوروبية دائمًا ما تتبنى تحليله عبر الصراعات الطائفية والمذهبية، وهذا بالفعل موجود، ولكنّه بحسب رأيها غير كافٍ لفهم السياسة أو مباني القوة الموجود في الشرق الأوسط، لذا فإنّ الكتاب يضيف قالب تحليل جديد من خلال تبني أدوات تحليلية خارجة عن الشكل التقليدي وهذه بدورها القيمة البحثية للكتاب.

ولا يكتفي الكاتب بهذه النبذة الأساسية، إنّما يعطي خلفية وسردية تاريخية للوقائع في لبنان وبعدها طرح مفهوم الشيعة والفروقات بينهم والسّنة ومكانتهم الاجتماعية والسياسية في لبنان، اذ تقول علي "هنا تظهر خلفية الكاتب في العلوم السياسية، وهذا أمر مهم، لأنه تضمن أدوات غرامشية للتحليل وقراءة التاريخ بهذه الطريقة، وهو ما يربط لاحقًا مكانة الشيعة في مشروع الهيمنة السابق مع الاندماج تدريجيًا إلى مشروع الهيمنة الذي يؤسس له حزب الله".

وأشادت علي بالدور الفكري الذي طرحه كناعنة في الفصلين الرابع والخامس، اذ يفتح ذلك المجال للدخول إلى عوالم النقاش داخل الفكر الشيعي ويفتح نافذة لقراءة هامّة عن خمسة مؤسسين للشيعة في القرن العشرين. ويقوم الكاتب بمقاربة بين الفكر الشيعي والحركات العلمانية الاشتراكية وهذا ما يجب التركيز عليه بحسب الدكتورة علي، مضيفةً ان "ما يوفره الكاتب في الفصل السادس، استنادًا لكل ما سبق، هو ترجمة حزب الله لكل المتغيرات التي مرّ بها على أرض الواقع وهنا ننكشف على مشروع كامل يدخلنا في سياق المجتمع المقاوم".

كما نوّهت علي للمصادر المتنوعة والغنية التي أدرجها كناعنة، اذ تصفها بأنها "ساحة مقاومة وصراع، خاصة أن المصادر غالبًا ما تكون غربية وذات توجه معين، ولكن الكتاب يعطي نظرة شاملة حول المصادر العربية والمحليّة والشرق أوسطية يمكن العودة إليها دائمًا، بالإضافة إلى المنشورات الداخلية لحزب الله نفسه، ما يفتح لنا الباب لقراءة الحزب بعيدًا عن قنواته، مثيرةً بعض التساؤلات الهامة حول البحث ودور حزب الله ونظرية الهيمنة".

 

أمام بوابتين مركزيتين

وفي المساهمة الجوهرية للرفيق عصام مخول، أشاد بدور الباحث كناعنة في قراءة الساحة الأكثر تعقيدًا، وهي الساحة اللبنانية وساحة الصراع الممتد من دولة الصيارفة والتجار إلى هيمنة المقاومة وثقافتها. اذ قال مخول "ان الباحث وضعنا أمام بوابتين مركزيتين في فهم المرحلة والتطور الفكري والسياسي من حولنا، الأولى هي البوابة الجديدة التي تفتح مرّة أخرى في فن التعامل مع مصادر الفكر الثوري والتقدمي في الإسلام"، اذ يعتقد مخول ان كناعنة "فتح أمام جمهور القراء التنبه إلى وجود فهم جديد لما يتابعه ويعرفه، للسياسية التي يراها، اذ ينقل السياسة الى مكان أعمق والى جذور هامة جدًّا، فمن الصعب فهم التطور الحقيقي في ثقافة المقاومة والفكر الشيعي والساحة اللبنانية، فتنتقل إلى أعماق جديدة في قراءة التطور السياسي وليس فقط الفكري"، مؤكدًا أن الباحث استطاع الموازاة بين الفكرين ما يمنحنا أدوات جديدة لفهم الحالة التي نعاينها.

والبوابة الثانية يقول مخول: "هي فلسفة غرامشي، التي أعتقد أن كناعنة استعمل مساهمته النظرية في تحليل واقع قريب إلينا جدًا ويتفاعل مع حياتنا اليومية، يؤثر عليها ويتأثر بها"، مضيفًا أن "استعمال الهيمنة، يكون في معناها السلبي أحيانًا، ولكن اذا كانت للهيمنة التحررية فنحن معها بخلاف الهيمنة الامبريالية مثلًا، اذ نعي أن هناك أهمية لمقاومة هيمنة معينة والتفهم ومحاولة الاستفادة في مفهومها الغرامشي الذي ينطلق من الماركسية ولا ينقطع عنه عند طرح مفاهيم جديدة لممارسة النظرية والتحويل الثوري للمجتمع بأدوات مرنة".

ويضيف مخول أنه في الظروف الراهنة، يجب أن يكون مقياسًا آخر، ليعطي معنى حقيقيًا وهامًا للانتقال الذي حدث في ثقافة المقاومة، من ضيقة مغلقة إلى أخرى تعددية في لبنان ولكن أممية عالميًا، تطمح وتطرح نفسها للالتقاء مع حركات أممية عالمية، اذ انه بحسب مخول "لا موقف يتخذ من حركة أو تنظيم ما أو حزب، على أساس "أصولي" وإنّما موقف هذه الحركات من مشاريع الهيمنة الامبريالية والعدوانية الإسرائيلية هو ما يقرر الموقف من التنظيم، وهذا ما يمنح حزب الله نقطة أساسية عليها نستطيع الارتكاز، وهذا الموقف يلتقي مع الموقف الإيجابي الفكري والتطور مع قوى الثورة العالمية وبهذا فإن ما يجري من حولنا هو نقطة يجل ان نبحث عن وسائل لتصبح متكاملة عندما يكون حزب الله الذي أصبح في مركز الساحة السياسية بالبحث عن شركاء حقيقيين لثقافة مقاومة تعدية ليست تحت راية حزب الله انما لكل القوى المعنية في مواجهة الوضع القائم وتغييره ثوريًا".

 

حوار مستفيض ومتعمّق

وفي الحوار المستفيض الذي أجراه الرفيق حسن، مع الباحث عبد كناعنة المتخصص في دراسات الشرق الأوسط، الفكر السياسي الشيعي وحزب الله في لبنان على وجه الخصوص، والحاصل على لقب دكتوراه في تاريخ الشرق الاوسط المعاصر من جامعة تل ابيب، شرح كناعنة من خلال أنّه لم يتخذ موقفًا من حزب الله عمومًا من خلال الكتاب، إنّما ما آلت إليه فكرته هو تحليل تطور حزب الله وتطوير فكرة المقاومة لمشروع هيمنة بمفهوم الفيلسوف غرامشي، وقد أعطى ملخصًا للقواعد الأساسية التي يعتمد عليها غرامشي، محللًا مسار حزب الله حتى الوصول الى مشروع الهيمنة المضادة، مفهومة بشكل ضمني طبيعي، متتبعًا مسار تحويل فكرة حزب الله المنطلقة من بداية واواسط الثمانينيات، بالإضافة الى الخلفية الفكرية التاريخية  التي تعود إلى ما بين الأربعينيات والسبعينيات، من خلال ما خطّت أنامله بعد بحث كبير امتدّ لعدّة سنوات، مع الولوج بالطبع إلى دور حزب الله في بناء مجتمع خاص، وتطور خطابه من الأصولية، بناء اسلام شيعي جديد، وحتّى التركيز على مشروع المقاومة الذي يمكن أن يلتقي أو يفتح نقاشًا محوريًا مع حركات قومية ويسارية ووطنية ليس نظريًا إنّما بمفهوم هيمنة المقاومة.

ولفت كناعنة إلى الدراسات الأكاديمية التي تحدث عن حزب الله كمحاولة لاستنساخ التجربة الايرانية مؤكدًا أن حزب الله اليوم يختلف عما كان مطلع الثمانينيات، اذ ان الهدف تغير، لأن السياق اللبناني يختلف عنه في إيران، سيما وأن لبنان يعتبر مجتمعًا متطورًا نسبيًا وفيه 18 طائفة ومذهبًا، ما أنار ضوءًا لدى حزب الله، بأنه لا يمكن أن يستمر بطريقه الأوليّ، وهذا ما أدى إلى فتح المجال مجددًا في فهم الهيمنة من خلال غرامشي، ولهذا نقول هيمنة المقاومة وليس الهيمنة الشيعية مثلًا، لأنّه تطوّر من مجرد حزب أصولي إلى أكثر انفتاحًا في حين أن مفهوم المقاومة له دلالات وأبعاد اشتراكية وتقدمية وثورية ووطنية في الشرق الأوسط لمحاربة الاستعمار والامبريالية وغيرها، مفسّرًا كذلك دوره داخل لبنان وصيرورته فيه حتّى من ناحية طبقيّة، ودور الأحزاب الشيوعية واليسارية التي ثورت الكتلة البشرية الشيعية لتنتفض على واقعها، لافتًا إلى دور حزب الله في الساحة اللبنانية الديناميكية، وضعف الرجل الاقتصادية في مشروعه، وهي نقطة الضعف التي  تستغلها القوى المعادية لحزب الله، ليس خدمةً لمصالح شعبية، انما بغضًا بدور المقاومة ومحاربته لإسرائيل وأمريكا، لذا فإن الحزب بحاجة للرجوع الى جذوره الطبقية والاقتصادية بشكل أكبر لأن هذه النقطة التي يتم التصويب عليه فيها من خلال الحراك الأخير في لبنان.

 

هي الخطوة الأولى

كانت هذه محاولة لتلخيص المحاور الرئيسية في الندوة، وهي الخطوة الأولى في سبيل الاتحاد الطويل، والذي سيتيح المجال لعقد ندوات، نقاشات وحوارات سياسية وثقافية خدمةً لجمهور متابعينا محليًا وعالميًا، هذا الأفق النيّر الذي نتوق إليه للارتقاء والوصول إلى شعبنا وشعوب العالم في كلّ مكان، لنلتقي معًا بالفكر والعمل.

ويجدر بالذكر أنّ الكتاب القيّم متوفر في مكاتب الاتّحاد، ويباع عبر المسؤولين في الصحيفة، ويمكن للجميع التواصل عبر صفحة الفيسبوك كذلك من أجل اقتنائه.

أخبار ذات صلة